خلال جلسة المساءلة الشهرية حول التعمير والسكنى .. الحكومة لا «تُعَمِّر» مؤسسات، ولا «تَسْكُنُ» برلمانا !

عمر عنان: سنواجه كل محاولات تبخيس السياسة وقتلها ببلادنا

عائشة الكرجي:عائشة الكرجي: الأرقام الرسمية تفضح فشل الحكومة في تبني سياسة ناجعة في مجال السكنى والتعمير

 

تكاد تجمع المعارضة بمجلس النواب، وكذا الأغلبية المتشبثة بتقديم نقد ناعم للحكومة لتفادي إحراج الشارع العام وحتى إحراج المعارضة، على رأسها الفريق الاشتراكي، على إدانة الغياب غير المبرر لأعضاء الحكومة وتحقيرهم للمؤسسة التشريعية المخول لها الرقابة الدستورية .
وعرفت جلسة الاثنين تواجد رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي بدا واضحا له حرص المعارضة على ممارسة صلاحياتها بالكامل وكذا وضوح المعارضة الاتحادية .
وسجل الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، مساء الاثنين، مرة أخرى، مواقفه الثابتة من أهمية توازن المؤسسات وعدم هيمنة السلطة الحكومية على التشريعية، وذلك أثناء جلسة المساءلة الشهرية التي كان محورها هو  “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية المجالية”، حيث كان السؤال موحدا للفرق، أغلبية ومعارضة، وتعقيب كل فريق طبقا لجدول زمني محدد، وقسمت المعارضة الاتحادية تدخلها عبر تعقيب النائب عمر عنان والنائبة عائشة الكرجي.
وقال عنان كأول متدخل: “اليوم يحضر رئيس الحكومة أمام النائبات والنواب وقد قال لهم في آخر جلسة للمساءلة الشهرية إنهم لا يهمونه، وأن من يهمه هم المواطنات والمواطنون، وأوضح البرلماني الاتحادي أن الحكومة تناست أو تجاهلت أن كل من يوجد بهذه المؤسسة البرلمانية هم ممثلو الأمة يعبرون عن إرادتها ويدافعون عن مصالح المواطن أولا وأخيرا.
وعلى الحكومة أن تنتبه إلى أن المقتضيات الدستورية تنص على أن الملك هو الممثل الأسمى للدولة ورمز وحدة الأمة طبقا للفصل 42، وأن السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، وأن الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم بناء على فحوى الفصل الثاني من الدستور”.
وأبدى عمر عنان استغرابه من تصريح الحكومة وقال” إننا نستغرب تصريح الحكومة تجاه من منحها الثقة طبقا للمقتضيات الدستورية التي تلزمها كجهاز تنفيذي باحترام المؤسسة البرلمانية من خلال الخضوع لرقابتها والتعاون معها كجهاز تشريعي. كلام من هذا القبيل غير مقبول إطلاقا في ديمقراطية ناشئة يحرص جلالة الملك والقوى الحية وجميع المغاربة في بلادنا على تعزيزها، يوما بعد يوم، انسجاما مع خيار المملكة الديمقراطي التنموي الذي لا رجعة فيه.”
وشدد بالقول على أنه “من موقعنا كمعارضة اتحادية، نؤكد للحكومة أننا سنتصدى لكل الممارسات الرامية إلى تبخيس العمل الجاد الذي يقوم به برلمان الأمة، وسنقف بحزم أمام كل محاولات الهيمنة على المشهدين السياسي والمؤسساتي، لأننا لن نقبل أبدا بقتل الفعل السياسي في بلادنا. فقد ناضلنا كاتحاديات واتحاديين من أجل إرساء وتطوير الممارسة الديمقراطية، وتعزيز البناء المؤسساتي، ولن نسكت اليوم عن أي سلوك أو ممارسة تستهدف المسار الديمقراطي. وستظل الحكومة، بسبب قصور فهمها لجوهر الديموقراطية التي تعتبر المؤسسة البرلمانية أحد أركانها الأساسية، مسؤولة عن إصرارها على التعامل السلبي مع مبادرات ومواقف نواب الأمة، وصون حقوق المعارضة التي يضمنها الفصل العاشر من الدستور. كما ستظل مسؤولة عن تعطيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالعمل البرلماني وضمان التوازن بين المؤسسات، ومسؤولة عن التداعيات الخطيرة للتضييق على المساحات المتاحة للرقابة البرلمانية الضرورية للحياة السياسية الديمقراطية لبلادنا.
من موقعنا كمعارضة اتحادية غيورة على مصلحة الوطن، نجدد استنكارنا الشديد، مرة أخرى، لهذا النهج المتغول الذي امتد ليشمل حتى الجلسات العامة الأسبوعية، والتي كان آخر مشاهدها ما وقع، للأسف، خلال الجلسة الأسبوعية الأخيرة التي عرفت انسحاب فرق ومجموعة المعارضة احتجاجا على استخفاف الحكومة بإحدى آليات المساءلة المؤسساتية، وهي طلب التحدث في موضوع عام وطارئ طبقا للمادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وهو موقف يترجم رفضنا القاطع لجواب الحكومة بعدم استعدادها للتفاعل مع سؤالنا الطارئ الذي تمحور حول ما تشهده كليات الطب والصيدلة والقطاع الصحي ككل.
هذا الانسحاب الذي عرف تعاطفا كبيرا لدى جميع المواطنات والمواطنين لأنه جسد صوتهم الرافض لقتل السياسة وتبخيس المؤسسة البرلمانية، والتضييق على مناصرة المعارضة للقضايا الحقيقية لمختلف الفئات المجتمعية”.
موضحا أن الحكومة ضاقت ذرعا بهذا الأسلوب الراقي في التعبير الديمقراطي، ودفعت الأبواق الإعلامية التي تعمل تحت إمرتها إلى تسويق الحدث الديمقراطي الحر على أنه تعطيل للمؤسسة الدستورية، وهو ما يثير لدينا الكثير من السخرية.
فمن يا ترى يعطل عمل المؤسسة البرلمانية؟
من يعطل الحياة السياسية، ويعطل الدستور، ويعرقل عمل المؤسسة البرلمانية:
–    هو من لا يـأتي إلى جلسات المساءلة الشهرية للدفاع عن السياسات العامة للبلاد…
–    هم الوزيرات والوزراء الذين يتغيبون عن الجلسات الأسبوعية العامة للإجابة عن أسئلة وانتظارات المواطنات ولمواطنين…
–    هم عضوات وأعضاء الحكومة ومسؤولات ومسؤولو المؤسسات والمقاولات العمومية الذين لا يجدون وقتا لحضور اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة للخضوع للمحاسبة التي يفرضها الدستور…
–    هو المسؤول عن تجميد مخرجات الحوار الاجتماعي لبعض القطاعات العمومية، الذي يتنصل من التزاماته وقراراته الذي يعممها إعلاميا…
–    هو من يقوم بتهريب النقاش المؤسساتي إلى النوادي التي يسهر على ترتيب موائدها والمدعوين لحضورها…
–    هو من يضيق صدره لحرية التعبير والتظاهر السلمي ويستعمل خراطيم المياه لنساء ورجال لن ننسى أبدا تضحياتهم خلال مواجهة الجائحة الصحية.
إن أقل وصف نصف به حكومة تعلن أنها ليست مستعدة للحضور إلى البرلمان للجواب عن الأسئلة الطارئة التي يشهدها المجتمع، هي أنها حكومة نعامة لا تمتلك الجرأة لمواجهة المشاكل الحقيقية، وهي بهذا الوضع حكومة لا يستحقها المغاربة.
فما معنى الطارئ لدى الحكومة إذا لم تعنها طوارئ المجتمع؟ وعن أي حوار اجتماعي تتحدث الحكومة حين تنسحب من المشهد العمومي وتتركه للمزيد من الاحتقانات الاجتماعية التي ننبه إلى خطورة تداعياتها ومآلها؟
إن الحكومة مطالبة بتصحيح الوضعية المختلة في المشهد السياسي وإعادة الاعتبار للتوازن الضروري بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية كما ينص على ذلك الدستور، ومطالبة كجهاز تنفيذي بالالتزام بالمقتضيات الدستورية التي تؤطر عملها ومهامها.
إن الحكومة مطالبة بالإنصات للمعارضة الاتحادية التي أعلنت، منذ بداية الولاية الحكومية الحالية، أنها معارضة مسؤولة، بناءة، يقظة، هدفها تصحيح عثرات الجهاز التنفيذي، وتقويم اختلالاته، ودعمه بالمقترحات الناجعة لكسب الرهانات المطروحة على بلادنا…  “.
وفي شق آخر من التعقيب قالت عائشة الكرجي: “لقد شكل موضوع السكن إحدى أولويات جلالة الملك منذ توليه الحكم إذ أكد في سنة 2001 على “… الانشغال العميق والتفكير الجدي، في محاربة أحد تجليات العجز الاجتماعي الصارخة، المتمثلة في السكن غير اللائق” (الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 48 لثورة الملك والشعب، 22 غشت 2001 ).
وبفضل المبادرات الملكية المتواصلة، بذلت بلادنا منذ حكومة التناوب التوافقي مجهودا كبيرا في محاربة السكن غير اللائق والقضاء على مدن الصفيح، وتفعيل برامج متعددة للسكن الاجتماعي وتقليص العجز السكني. وكانت آخر مبادرات جلالة الملك جلسة العمل التي ترأسها يوم 17 أكتوبر 2023 والتي خصصها لقطاع الإسكان والتعمير، حيث تم اعتماد برنامجا جديدا يهم الفترة ما بين 2024 و2028.
وننتهز هذه المناسبة، لنسائل الحكومة عن مدى التقدم في تفعيل التوجيهات الملكية السامية، وعن التصور الحكومي، الشامل والمتكامل، لأدوار الدولة ومؤسساتها ذات الصلة لتوفير السكن اللائق باعتباره حقا دستوريا وخدمة عمومية يتعين تيسير الولوج إليها للجميع بكل الوسائل المتاحة، مهما كانت الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها المواطن، أو في أي حيز جغرافي يتواجد به، وذلك طبقا للفصل 31 من الدستور. الواقع أن الحكومة، بعد مرور أكثر من نصف ولايتها، ظلت حبيسة الرؤية القطاعية التي لم تساعدها على خلق التحول الذي ينشده المغاربة في مجال السياسة الإسكانية، والواقع أن السكن لم يرد أصلا ضمن الأولويات الحكومية الواردة في الالتزامات العشر. كما أن الأغلبية الحكومية لم تف بوعودها الانتخابية الحالمة ولم تنفذ التزامها اليتيم المتعلق باعتماد استراتيجية بديلة أو مكملة في مجال الإسكان وإعداد التراب.”
وأضافت الكرجي “إن ما يؤكد كلامنا هو محدودية تنفيذ الحكومة لأول قانون للمالية اعتمدته برسم سنة 2022، إذ من خلال دراسة نفقات الميزانية العامة بحسب القطاعات الوزارية والمؤسسات، يتبين أن التوقعات النهائية لنفقات الميزانية العامة، الخاصة بقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، لم تتجاوز ,641.190 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 6,43 % من مجموع النفقات المنجزة بالنسبة لقطاعات البنيات التحتية (أكثر من 18,50 مليار درهم). كما يتبين أن مستويات الإنجاز بالنسبة لنفقات الميزانية لم تتجاوز 966,64 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 6,59 % من مجموع النفقات المنجزة بالنسبة لقطاعات البنيات التحتية (أكثر من 14,66 مليار درهم).
أضف إلى ذلك أن التوقعات النهائية لنفقات الميزانية العامة الخاصة بقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير (أكثر من 1,19 مليار درهم)، لا تمثل إلا نسبة 0,30 % من المجموع العام لنفقات الميزانية العامة الخاصة بالقطاعات الوزارية والمؤسسات برسم سنة 2022. بينما تمثل إنجازات نفقات الميزانية العامة لنفس القطاع، نسبة 0,25 % من المجموع العام لإنجازات نفقات الميزانية العامة الخاصة بالقطاعات الوزارية والمؤسسات لنفس السنة.
كما أن التوقعات النهائية لنفقات الاستثمار الخاصة بقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، لم تتجاوز 714,29 مليون درهم؛ وهو ما يمثل نسبة 1,97 % من مجموع النفقات المنجزة بالنسبة لقطاعات البنيات التحتية. ونسجل أيضا أن مستويات الإنجاز بالنسبة لنفقات الاستثمار لم تتجاوز 235,81 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 2,74 % من مجموع النفقات المنجزة بالنسبة لقطاعات البنيات التحتية. بينما لم تتجاوز نسبة الإنجاز الخاصة بنفقات الاستثمار لقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير مستوى 54,88 %، وهي نسبة ضعيفة تعكس مستوى انخراط هذا القطاع الحكومي في إعمال الاستثمارات الخاصة به.
وتبين أيضا أن التوقعات النهائية لنفقات الاستثمار الخاصة بقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، لا تمثل إلا نسبة 0,36 % من المجموع العام لنفقات الاستثمار الخاصة بالقطاعات الوزارية والمؤسسات برسم سنة 2022؛ فيما تمثل إنجازات هذا القطاع نسبة 0,24 % من المجموع العام لإنجازات الاستثمار برسم الميزانية العامة الخاصة بالقطاعات الوزارية والمؤسسات لنفس السنة.”
وأوضحت البرلمانية الاتحادية أن هذه الأرقام الواردة في قانون التصفية الذي ناقشناه مؤخرا، سواء في جانب التوقعات النهائية أو في جانب الإنجازات، تظهر بالملموس الحجم الضئيل لهذا القطاع في بنية نفقات الميزانية العامة ونفقات الاستثمار، كما يفضح تصور الحكومة للأدوار المفترضة لهذا القطاع الهام وادعاءاتها بخصوص انعكاساته على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وكشفت أيضا أن الواقع المغربي الذي لا يرتفع أمام شعار الدولة الاجتماعية الذي تلوح به الحكومة دوما، ما زال عنيدا لأنه يكشف غياب العدالة المجالية بين وسط حضري يحظى بالاهتمام، ومجالات مهمشة في العالم القروي والمناطق الجبلية والقصور والواحات. كما يبرز غياب العدالة الاجتماعية نتيجة تهميش الفئات الفقيرة، وتعقد المساطر الإدارية، وتفاقم العديد من المشاكل من قبيل المساحات الضيقة التي لا توفر الشروط الدنيا للعيش الكريم، والدور الآيلة للسقوط، والمضاربات العقارية، ودفع المبالغ المالية غير المصرح بها، والترخيص لطرف بأربعة طوابق ولطرف آخر بطابقين في نفس المنطقة.
وختمت بالقول لذلك، نؤكد في المعارضة الاتحادية أن المدخل الإصلاحي الضروري هو سيادة القانون على الجميع، وأن تحقيق الأثر الملموس والإيجابي لأية سياسة تعميرية وإسكانية، عادلة ومنصفة، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، رهين بالرفع من حكامة الاستثمارات العمومية، والتحلي بالجرأة اللازمة للإسراع في تنفيذ الإصلاحات المؤسساتية والجبائية ذات الصلة، وتفعيل الجهوية المتقدمة الكفيلة بتطوير سياسات جهوية ومحلية ناجعة.


الكاتب : محمد الطالبي: مكتب الرباط 

  

بتاريخ : 17/07/2024