خلال مناقشة مشروع المسطرة المدنية : الفريق الاشتراكي يؤكد أن المشروع يميز بين المواطنين ويمنعهم من حق التقاضي 

التعديلات تعود بالمغرب إلى منطق « كل ما من شأنه» 

 

أكدت النائبة البرلمانية عن المعارضة الاتحادية مليكة الزخنيني أن مراجعة القانون المتعلق بالمسطرة المدنية حاجة مجتمعية ملحة بالنظر لحجم المستجدات التي عرفتها الحياة العامة في مجتمعنا، وحجم القضايا المستجدة، وقصور التعاطي الإجرائي الحالي معها،
وقالت الزخنيني: «تقدمنا بتعديلات بلغت 593 تعديلا، لكن ما أتيتم به نسف روح قرينة البراءة وجعل المتقاضين مشتبها بهم، وكذا التمييز بين المتقاضين بمنطق أساس هذا القانون،  وعودة منطق «كل ما من شأنه» المشؤوم .  إنه قانون للتغريم وطرد الفقراء خارج العدالة…».
وشددت الزخنيني، في مناقشة مشروع القانون 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية أثناء الجلسة العامة التي عقدها مجلس النواب، أمس، على «أننا نعتبر في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية مراجعة قانون المسطرة المدنية من أهم المطالب المجتمعية وبوصفها حاجة ملحة بالنظر لحجم المستجدات التي عرفتها الحياة العامة في مجتمعنا، وحجم القضايا المستجدة، وقصور التعاطي الإجرائي الحالي معها، وبالتالي كنا دائما نطالب بمراجعة الترسانة القانونية الوطنية سواء في شقها الإجرائي أو الموضوعي، ومطلبنا في هذه المراجعة هو حفظ الحقوق، وإرساء العدالة، والتكيف مع مقتضيات دستور البلاد الجديد، والتزام بلادنا باحترام منظومة حقوق الإنسان والنهوض بها، والاجتهاد للإجابة على الاختلالات التي يعرفها مجال العدالة كما رصدها تقرير النموذج التنموي الجديد التي شخصها بوجـود «فجـوة بيـن بعـض القوانيـن ذات «المناطـق الرماديـة» والواقـع الاجتماعـي؛ وكونها عدالـة تعانـي مـن ضعـف ثقـة المواطنيـن ومـن جهـاز بيروقراطـي وسـبل انتصـاف غيـر فعالـة»، ناهيك عن ملاءمة أحكام قانون المسطرة المدنية مع مجموعة من النصوص القانونية التي دخل العمل بها حيز التنفيذ، والتي تعتبر من النصوص المهيكلة لمنظومة العدالة ببلادنا، خاصة القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقانون التنظيمي رقم106.13  المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والقانون  38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، والقانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، والقانون 37.22 المنظم للمعهد العالي للقضاء.»
وأضافت:» لذلك انخرطنا في الفريق الاشتراكي في مناقشة مضامين هذا المشروع بكل مسؤولية، وعبرنا عن مواقفنا المبدئية من العديد من القضايا التي جاءت فيه انسجاما مع مرجعيتنا الاشتراكية الديمقراطية، ومسارنا في الدفاع عن الحقوق والحريات، وتشبثنا بالحفاظ على المكتسبات، التي من أجلها بذلت تضحيات جسام،  ومناهضة لكل تراجع عنها. وفي هذا الباب، تقدمنا بتعديلات مهمة ترجمنا فيها توجهنا هذا بلغت 593 تعديلا. لذلك أكدنا ونؤكد على ما يلي:
أولا، حرصنا وتأكيدنا على أن الحق في التقاضي، كحق يضمنه الدستور في مادته 118 لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون، والذي لا يجوز بأي حال تقويضه بترهيب الغرامات ولا بتسقيف الولوج إليه.
ثانيا، أن حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع محاكم المملكة، وكل اختلال في التوازن بين أدوار هيئة الدفاع وموقعها في منظومة العدالة، وحقوق مرتفقي العدالة، من شأنه أن ينأى بمشروع القانون هذا عن ما نتطلع إليه.
ثالثا، أن المشروع قد أسس لمفهوم جديد هو قرينة سوء النية فالمتقاضي سيء النية حتى يثبت العكس، بما يشكل نسفا لروح قرينة البراءة التي كرستها المادة 119، والمادة 23 من الدستور لصالح المتهم، فبالأحرى المتقاضي.
رابعا، أن الحق في المحاكمة العادلة وحكم يصدر في آجال معقولة كما تنص على ذلك الفصل 120 من الدستور، يستدعي إجراءات مواكبة بتوفير الخدمة القضائية إن على مستوى البنية التحتية أو الموارد البشرية، وليس تقويض الحق في التقاضي الذي كان عنوان المشروع.
خامسا، أن تحقيق الأمن القضائي، لا يمكن تصوره إلا بتحقق أحد أركانه وهو اعتبار «الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع»، والذي بالمناسبة، ننوه في هذا الباب بحذف المادة 17 من المشروع والتي نبهنا لخطورتها في المساس بالأمن القضائي وبحجية الأحكام النهائية، واستقرار المعاملات.
سادسا، أن المساواة أمام القانون، أهم دعائم الاطمئنان إلى العدالة، فلا يستقيم التمييز بين المتقاضين، والقول بالإصلاح، وما تضمنه هذا المشروع من تمييز صريح أو ضمني بين المتقاضين يسائل البعد الحقوقي»، وشددت النائبة الاشتراكية على أن «انتصارنا لهذه المبادئ والقواعد الدستورية، في مناقشتنا لمشروع قانون المسطرة المدنية، كان سند اعتراضنا على عدد من المقتضيات التي جاء بها هذا المشروع، والذي اعتبرنا أنه قوض حق التقاضي العادل للمواطنين كما قوض مركز المحامين ضمن مجال العدالة وأثر على دور الدفاع، وهو ما من شأنه التأثير على توفير شروط المحاكمة العادلة، وتحقيق النجاعة القضائية.
لقد جاء مشروع القانون هذا، مؤطرا بفرضية التقاضي بسوء نية، بل ومهووسا بها، حيث أصبح المتقاضي متهما منذ طرقه باب العدالة للانتصاف كما تنص عل ذلك أبجديات دولة الحق والقانون، واعتبر عمل هيئة الدفاع في استثمار الإمكانات المسطرية والموضوعية لصالح المتقاضي في البحث عن إثبات حقوق مفترضة ضربا من ضروب ما تسمونه، السيد الوزير ، «تمطيطا للزمن وتأخيرا  للأحكام واغتيالا للحق إما واقعيا أو نفسيا.
نتفق معكم السيد الوزير في كون المحاكم تئن تحت وطأة كثرة الملفات، ونتفق معكم أن «ما كل مدعي حق هو فعليا صاحب حق»، ونتفق معكم في أن الواقع يعج بحالات ضاعت فيها حقوق بسبب قصور القواعد المسطرية، أو بسبب عدم كفاءة البعض في استثمارها على نحو يضيع الحقوق، لكن بالمقابل، لا بد لكم أن تعترفوا أن مقاربتكم لهذه المشاكل في مشروع القانون هذا لم تكن موفقة، حيث اعتمدتم الحلول السهلة، كما عودتنا هذه الحكومة؛
ألقيتم كل العبء على المتقاضي باعتباره الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، ونسفتم مبدأ حسن النية الذي يعتبر اللبنة الأساس للبناء القانوني برمته، وفتحتم باب «كل ما من شأنه»، على مصراعيه بعبارات فضفاضة غير قابلة للتحديد ولا القياس كما أصررتم على الإبقاء عليها في المادة العاشرة مثلا «ما لا يعرقل سير العدالة»، وما يترتب عليها من تغريمات.
قوضتم دور هيئة الدفاع، وها أنتم اليوم بصدد إخراجها إلى الشارع مرة أخرى كما دأبت عليه هذه الحكومة، بل إن أكبر نجاح حققته، هو نجاحها في دفع كل الفئات للاحتجاج، حيث هربتم مناقشة اختلالات المهنة ومشاكلها إلى قانون المسطرة المدنية؛
اعتمدتم فزاعة الغرامات التي تخترق القانون من ألفه إلى يائه حتى أصبح هذا المشروع قانونا للتغريم بامتياز، ودعوة مبطنة لطالب الحق للإحجام الذاتي عن الولوج للعدالة، وهنا نسألكم، إذا لم يجد الباحث عن حقه ملاذا في عدالة بلده، فما عساه يفعل في نظركم؟
عمدتم إلى التركيز على السرعة على حساب الجودة، وكان سندكم تفعيل الحق في الحصول على حكم في أجل معقول، لكنكم تناسيتم أن معقولية الآجال مرتبطة بمصلحة المتقاضي، وليست مبدأ مبهما يجب الوصول إليه بأي ثمن وإن على حساب مصلحة المتقاضين، وشروط المحاكمة العادلة ومبدأ التواجهية.
قلصتم حماية الحقوق باعتماد اختصاص قيمي خلاصته تفييئ يضرب في العمق كل مجهودات الحد من السطو على الحقوق، ويكرس طبقية الدفاع عنها، ويجهز على الحق في التقاضي على درجتين، بل يسائل مبدأ المساواة أمام القانون.
أصررتم على مخالفة الموعد بالإبقاء على دور المدعي والوكيل في المساطر الكتابية، في حين كان من الواجب تثبيت دور الدفاع وهيئة الدفاع كمسؤول عن المقالات والمذكرات المقدمة، سواء كان المحامي مختارا من المتقاضي أو معينا في إطار المساعدة القضائية، كان من الواجب قصر تدخل المدعي والوكيل على المساطر الشفوية، وكان من الواجب نقل معالجة كل الادعاءات التي بنيتم عليها موقفكم لإصلاح قانون المهنة بما يوازن بين حقوق المحامي وواجباته، ومسؤوليته في إصلاح منظومة التقاضي وتخليقها…
بقدر ما اعتبرنا إتيانكم بمشروع قانون المسطرة المدنية إلى البرلمان مجهودا يستحق التنويه به، بقدر ما نتأسف للنفس الذي طغى عليه، والخلفية التي أطرته، والتي تعكس فلسفة هذه الحكومة في «تبضيع» كل شيء، وفي تهريب النقاشات عن فضاءاتها الحقيقية:
التقاضي بسوء نية يعالج في إطار منظومة القانون الجنائي بتصور جديد وواضح، يرتب المسؤوليات حول الاستثمار القذر الدائر اليوم في قطاع العدالة، المبني على الزواج الشاذ بين المال والسلطة، وتغولهما على مرفق العدالة…
التقاضي بسوء نية يعالج في إطار مخرجاته، المتمثلة أساسا في الاغتناء غير المبرر والذي يحتم مجددا فتح النقاش حول تأطير الإثراء غير المشروع ومحاصرته في الدنيا وليس في الآخرة…
وأكدت أن التقاضي بسوء النية يقتضي النظر في أخلاقيات مهنة المحاماة، باعتبار المحامي هو الساهر على إعمال المساطر، والضامن لوجهة إعمالها، ومنطق ربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي جعل المحامي المعني الأول والأخير بمباشرة المساطر الكتابية، وبتأطير المساعدة القضائية خدمة لكل الأطراف.
الاكتظاظ في المحاكم، لا يحل بتقويض الحق في التقاضي، لكن بتوفير شروط التقاضي الفعال والناجع، من بنية تحتية وموارد بشرية وتعزيز تحول المحكمة الرقمية، ومن إعمال للوسائل البديلة لفض المنازعات، بما تتطلبه أيضا من بنية استقبال وموارد بشرية.
لا يسعنا، في الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، إلا أن نذكر أن بلادنا قد توفرت على المسطرة المدنية منذ أزيد من قرن من الزمن، وعدلتها منذ أزيد من خمسين سنة، ونحن اليوم بصدد مناقشتها في البرلمان بعد مخاض عسير، وقد يستمر هذا القانون خمسين سنة أخرى حتى يأتي للبرلمان لمراجعته، لذلك نقول إننا لا نشرع لسنوات بل لعقود، ولا نشرع لليوم بل نشرع للمستقبل، ولا نشرع لحالات خاصة، بل لعموم المغاربة، نشرع للوطن ولعموم الوضعيات. لذلك فنحن أمام مسؤولية تاريخية تقتضي منكم السيد الوزير، وأنتم ستحملون وزر هذا المشروع، الإنصات بكثير من سعة الصدر ومرونة الفعل وسعة الأفق أيضا لكل الأصوات المختلفة، لتنقيح هذا المشروع من كل التراجعات الخطيرة عن مكتسبات بلادنا التي اعترته، والتي لا نشكك بصددها في حسن نيتكم، بقدر ما نؤكد فيها عن غياب إبداعكم للحلول الفعلية للإشكالات الفعلية التي تعاني منها المنظومة، فلا التغريم يحل إشكالية التخليق، ولا تقويض الحقوق يحل أزمة اللافاعلية، ولا دس مقتضيات قوانين في قوانين أخرى يساعد على بناء الثقة…».


الكاتب : محمد الطالبي  

  

بتاريخ : 25/07/2024