خمس فنانات من التشكيليين والفوتوغرافيين الشباب، بخنيفرة، يخلدن يوم المرأة بمعرض جماعي

احتفاءً باليوم العالمي للمرأة، شهد «المركز الثقافي أبو القاسم الزياني»، بخنيفرة، مساء السبت 8 مارس 2025، حدثًا فنيا مميزا، حيث افتُتح معرض جماعي بعنوان «إبداعات نسائية بألوان الأطلس»، وهو فضاء مفتوح أمام الإبداع النسائي يجمع بين فنون التشكيل والتصوير الفوتوغرافي، بمشاركة خمس فنانات شابات قدمن أعمالًا تعكس رؤيتهن الجمالية وتجاربهن الإنسانية، حيث شكل هذا المعرض فرصة لتقديم لوحات فوتوغرافية وتشكيلية تنتمي لعدة قراءات واتجاهات فنية، جمعت بين التشخيصي والتجريدي والتعبيري والسيميائي، ومن المقرر أن يستمر المعرض إلى غاية 31 مارس 2025، مما يتيح للزوار فرصة اكتشاف عوالم مختلفة من الإبداع النسائي الشبابي.
حفل الافتتاح شهد حضورا نوعيا، حيث ألقى مدير المركز الثقافي والفنانات المشاركات كلمات عبّرن فيها عن أهمية مثل هذه الفعاليات في دعم المواهب النسائية وإبراز قدراتهن الفنية، كما كان للفنان المحجوب نجماوي مشاركة خاصة ساهمت في إضفاء لمسة ثقافية على الحدث، فيما لم يخلُ الحفل من لحظات تكريم واحتفاء، حيث تم توزيع شهادات تقديرية على الفنانات المشاركات، كما تم تقديم الورود للنساء الحاضرات في بادرة ترمز إلى التقدير لدور المرأة في المجتمع، وتميزت الأجواء العامة بالحيوية والتفاعل بين الفنانات والجمهور، حيث أتيحت الفرصة للزوار للتجول بين الأعمال الفنية والاستماع إلى شروحات من الفنانات أنفسهن حول تقنياتهن وأساليبهن الفنية.
ليلى عجماوي، المصورة الفوتوغرافية الشابة التي راكمت عدة جوائز وألقاب عالمية، اختارت أن تجسد في لوحاتها المتسلسلة، الملونة بلون الحياة، مراحل حياة المرأة القروية في لحظات من الصمود والكفاح، حيث جسدت بعدستها مشاهد تنبض بالحياة، ملتقطة تفاصيل دقيقة تعكس شجاعة النساء في مواجهة تحديات الحياة اليومية لأجل حياة الأسرة والأبناء والعيش الكريم، وتتميز مشاركة عجماوي في هذا المعرض بمزيج من المشاعر والضوء، حيث استخدمت درجات لونية مستوحاة من أوقات الغروب، مما منح صورها بعدا دراميا وإنسانيا عميقًا، واستطاعت أن تخلق حوارا بصريا مع الجمهور عبر صورها التي توثق لحظات نادرة من الحياة القروية.
أسماء الطالبي، فنانة تشكيلية شابة متخصصة في الفن الفيلوغرافي، اختارت أن تقدم لوحاتها في المعرض المذكور بأسلوب فريد، وهي الفنانة العاشقة أصلا للمزج بين الرسم والنحت وتثبيت المسامير والخيوط على الخشب، مما يمنح أعمالها طابعا ثلاثي الأبعاد يجمع بين الدقة والخيال والأمل الممتد عبر الألوان، وتستوحي لوحاتها من تفاصيل الحياة اليومية وجمال الطبيعة، حيث تجتهد بكل قوة فنية في أفق تحويل لحظات عادية إلى أعمال فنية تنبض بالمشاعر والأفكار العميقة، وكل لوحة بالنسبة لها كانت تعبيرا عن جزء من ذاتها، ورؤيتها للعالم بأسلوب بصري يزاوج بين الإبداع والابتكار، حيث نجحت في خلق أعمال فنية تتجاوز الحدود التقليدية للفن التشكيلي.
كوثر إسماعيلي قدمت أعمالا تأثرت فيها بالمدرسة الانطباعية، حيث لعب الضوء والألوان دورا محوريا في إبداعها الفني، استمدت إلهامها من الفروسية المغربية والطبيعة الغنية بتنوعها، وسعت من خلال لوحاتها إلى التقاط لحظات ومشاعر تعكس تجارب شخصية، وكانت المرأة المغربية، وخاصة والدتها، مصدر إلهامها الرئيسي، حيث اعتبرتها رمزا للرقي والقوة والحفاظ على الهوية الثقافية، في أعمالها، تمزج بين الألوان الزيتية والأكريليك لخلق ملمس فني متفرد، مع إضافات تحاول ربط الماضي بالحاضر من خلال رؤية فنية حديثة، وتطمح كوثر إلى توسيع نطاق تأثيرها الفني من خلال التعاون مع فنانين آخرين والمؤسسات الثقافية، مما يعكس طموحها في تطوير أسلوبها والانفتاح على تجارب جديدة.
زينب أسرتي، من جهتها، قدمت لوحات تنتمي للفن الحركي التجريدي، حيث استخدمت ألوانا قاتمة امتزجت بأشعة أمل، مع أعمال تحمل رموزا فلسفية وإنسانية تعبر عن الرحم الأمومي والولادة والتجدد، تميزت أعمالها بالبعد البصري العميق، حيث استطاعت أن تحول مشاعرها إلى رموز تعكس أحاسيس داخلية وتجارب ذاتية، مما يجعل من لوحاتها مليئة بالتأمل والمعاني الخفية، وحاملة لبصمة خاصة، حيث استطاعت من خلالها التعبير عن هواجسها وتساؤلاتها حول الحياة والوجود، مقدمة للجمهور تجربة بصرية متميزة تحفز التأمل والتفكير، وتطمح إلى تطوير مهاراتها الفنية باستمرار ومشاركة أعمالها مع عقول مبدعة لرؤية الجمال من زوايا مختلفة، ومن بين لوحاتها هناك المعنونة ب «النشأة» وأخرى ب «إلى أين».
أما شيماء أبلعوع، فكانت مفاجأة المعرض بلا منازع، حيث تمكنت من كسر حواجز الإعاقة بالإبداع، وأثبتت أن الفن لغة عالمية لا تحتاج إلى كلمات، وتنتمي شيماء لفئة الصم والبكم، ورغم التحديات، والتحقت بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التطبيقية كأي شخص من اقرانها وتخطت كل العراقيل والصعاب بمساعدة عائلتها، سيما والدتها وعمتها، حيث حصلت على اجازة مهنية سنة 2024، ووجدت في الريشة والألوان متنفسا للتعبير عن مشاعرها، درست الفن التشكيلي لمدة سنتين بمؤسسة الإبداع الأدبي والفني بخنيفرة، تحت إشراف الفنانة فوزية المالكي، وتمكنت من إنتاج «لوحات ناطقة» برؤيتها للحياة، لقاؤها بالفنان مصطفى شعيرة كان نقطة تحول في مسيرتها، وكل لوحة بالنسبة لها كانت بمثابة مرآة تعكس جزءً منها.
معرض «إبداعات نسائية بألوان الأطلس» لم يكن مجرد حدث فني عابر، بل كان تجربة ثقافية ملهمة حملت في طياتها رسائل متعددة، أبرزها أن الفن ليس مجرد ألوان وخطوط، بل هو وسيلة تعبير تعكس قصصا وتجارب إنسانية، كان هذا الحدث مساحة للحوار الثقافي بين الفنانات والجمهور، وساحة لاكتشاف مواهب شابة تسعى لإثبات ذاتها في الساحة الفنية المغربية، عبر هذا المعرض، استطاعت الفنانات المشاركات أن يثبتن أن المرأة قادرة على ترك بصمتها في المشهد الفني، وأن الفن يمكن أن يكون أداة لتجديد الأمل وإلهام التغيير الإيجابي، كان اللقاء فرصة للتأكيد على أهمية دعم المواهب الشابة وتشجيعهن على مواصلة المسيرة، في ظل فضاء فني يحتاج إلى مزيد من المبادرات التي تفتح الأبواب أمام الطاقات الواعدة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 15/03/2025