احتفت خيمة الإبداع ، أمس الأربعاء 30اكتوبر ضمن فعاليات الموسم 45 لمنتدى أصيلة هذه السنة، بالشاعر والروائي والصحفي محمد الأشعري، تكريما واعترافا بتجربته الإبداعية المتعددة، في الشعر والقصة والرواية والصحافة من طرف ثلة من النقاد والإعلاميين والذين ضمنت شهاداتهم هاته في كتاب حمل عنوان «محمد الأشعري..سيرة قلم» صدر عن مؤسسة منتدى أصيلة، وأعده ونسق أعماله الإعلامي عبد الإله التهاني.
تكريم الاشعري، هذه السنة، اعتبره الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة محمد بنعيسى احتفاء بأعمال وسيرة أديب لامع وصحفي مقتدر هو محمد الأشعري الذي جاء إلى الصحافة من العمل الثقافي وجاء من بوابة السياسة الى العمل الحكومي. وأثار بنعيسى المسؤوليات المشتركة التي نسجت علائق أدبية وإنسانية بينهما من خلال في الساحة الثقافية من موقع المجتمع المدني التطوعي ثم من موقع المسؤولية السياسية. واعتبر بنعيسى أن الشخصية التي تكرم اليوم باستعراض جوانب من عطاءاتها التي تؤسس لخصوصية هذه التجربة ،حيث جمع الأشعري من كل فن طرفا.. هو الشاعر والمبدع والروائي والقاص والكاتب الصحفي الذي تفرد بأسلوبه في عموده الشهير «عين العقل» بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» عمود جذاب وشيق في مواضيعه وعميق في حمولته الفكرية والسياسية».
لقد استطاع الأشعري، كما جاء في تقديم الإعلامي ومنسق الندوة الاحتفائية عبد الإله التهاني» استطاع أن يوجد لنفسه إقامة في عدة خيمات»، هو المتنقل بين أرخبيلات إبداعية، يتتالى مدها وجزرها، نثرا وشعرا، بينما هو يراقب نوارس أحلامه بعيون ترى من كل الاتجاهات ، وفي آن واحد.
وأضاف التهاني أن المحتفى به عمد من خلال تجربته الإبداعية الى النبش في ذاكرة المرحلة التاريخية الاي عاشها وكان واحدا من شهودها الأساسيين ومن أبرز الفاعلين في سياقاتها الثقافية وفي حركيتها الاعلامية والسياسية والنقابية».
من جانبه تناول الناقد عبد الفتاح الحجمري العمل الأخير الذي يكشف الأشعري المسرحي والمعنون بمسرحية «شكون أنت» المستوحاة من الرسالة المفتوحة التي وجهها الأستاذ خالد الجامعي إلى وزير الداخلية آنذاك البصري، وتتحمور حول التنازلات الصغيرة التي تتحول مع مرور الوقت إلى تنازلات كبيرة وإلى خنوع واستسلام. ففي هذه المسرحية استلهم الأشعري مواقف شخصياتها من رسالة الجامعي هاته التي تعكس في العمق العلاقة بين الأدب والسياسة، مميزا بين سياسة الأدب التي يمارسها الكتاب بشكل مباشر، مضيفا أن سياسة الأدب تشير إلى أن الأدب يمارس دوره السياسي باعتباره أدبا خالصا،يتميز كذلك بحضوره الشامل وكذلك غيابه عن أية قيود. و من هنا تتم القراءة المتجددة للأدب متجاوزة حدود والزمان والمكان. ليخلص الحجمري الى أن الأدب ساحة لتقاطع الصراع بين الرؤى المختلفة للعالم.
وتوقف الحجمري عند مكونين أساسيين في هذه المسرحية هما:
1- البطل من خلال رمسيس الشخصية المركبة التي تجسد صورة معقدة تنسج خيوطا عميقة تعكس تصورات غامضة حول مفهوم السلطة، ثم المرآة في النص وفي الخشبة و التي لها أكثر من دلالة حيث يكمن دورها في كونها تعكس هذا الصراع الداخلي وتعدد وجهات النظر كما تبدت من خلال علاقة رمسيس بالمرآة التي ترمز إلى تكرار التاريخ وإعادة إنتاجه من جديد، لافتا إلى أن مسرحية «شكون أنت» ترجمة للتجاذبات بين الأدب والسياسة ضمن ثنائية تصادمية هي صراع السلطة المادية في مواجهة القوة الأخلاقية.
من جانبها أثارت الناقدة زهور كرام سؤال الكتابة الإبداعية بواسطة الرواية، متوقفة عند التركيبة السردية المختلفة التي تبنتها روايات الأشعري منذ القوس والفراشة الى روايته الأخيرة «من خشب وطين» بـ»اعتماد بناء شبكي تداخلي تتفاعل فيه الحكايات/المحكيات في ما بينها، وتسرد التحول التاريخي الذي يعرفه المغرب السياسي والاجتماعي والاقتصادي منذ بداية القرن 21، بناء تضيف أنه «يأخذ طابع المراجعة للمنظومة الذهنية والأيديولوجية والثقافية».
أما الناقد والرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب عبد الحميد عقار فقد تناول التجربة الروائية للأشعري من خلال روايته «جنوب الروح»، لافتا الى أن هذه الرواية «صهر فيها الاشعري عناصر ثقافة آيلة للنسيان أو الاندثار في الظاهر والمقول، لكن المستمرة التأثير بالفعل في الذهنيات وطرائق إدراك العالم والسلوكات».
في تقديمه لرواية «العين القديمة»، ركز الناقد والمترجم إبراهيم الخطيب على مفهوم القرين أو الثنائي، في مختلف تجلياته الذي بدا أحيانا هو الأنا، وأخرى الأنا الأخر، وهو ما يعكس – حسب الخطيبي – مسألة الهوية داخل الرواية، ولأنها تعكس ضمنيا «هشاشة الذات في مواجهتها لسرد أحادي»، ومن جهة أخرى تعكس المنظور السردي المرآوي، حيث التوتر القائم «بين الذات وصورتها النرجسية التي تحلم بالتطابق».
وجه آخر من «الأشعري المتعدد» كشف عنه الكاتب والإعلامي لحسن لعسبي وهو يستعيد المحتفى به «كعنوان على جيل يمكن وصفه إجرائيا ب»جيل صدمة الاستقلال» جيل ناضج ناهض وفاعل، وأضاف لعسبي أن الاشعري «ابن شرعي لهذا الجيل الذي انخرط بعنفوان ضمن التيار الجارف لما أفرزته قوة المجتمع المنافحة، والمعارضة لقوة الدولة الطامحة لإعادة تنظيم ذاتها».
من جهته قارب الناقد والمترجم محمد ايت لعميم رواية الاشعري الموسومة بـ»من خشب وطين» من زاوية انخراطها في يطلق عليه ب»الرواية الإيكولوجية» تلك التي تعنى بسؤال البيئة وعناصر الطبيعة، ومن هنا، أشار آيت لعميم الى أن الأشعري أسس لمشروعه الروائي عبر «مساءلة الأشياء المنسية في الرواية المغربية، مثل المكون الطبيعي والتنوع البيئي المغربي الذي لم ينل حظه من السرد»، حيث انتبه المحتفى به الى هذا الخصاص ليعيدنا مع بطله إبراهيم الهارب من سطوة الحداثة المعطوبة، التي تمثلها المدينة، إلى الغابة «لإعادة تأسيس الوجود من جديد، واستئناف حياة أخرى تنأى عن التكرار والرتابة».
ومن مجال الرواية والسياسة، انتقل المفكر والصحافي عبد الصمد الكباص الى الحديث عن الأشعري الصحافي، متوقفا عند تجربته الصحفية وبالضبط عند عموده الشهير «عين العقل» والذي عاد بعد أكثر ثلاثين سنة الى تجميع فصوصه في عقد فريد، صدرت في كتاب «جعل ما تشتت في التاريخ، متوجا في وحدة كتاب» أعاد تذكير الجيل الجديد بصحافي كان «اختياره كتابة العمود ينطوي على عقد التزام مع الذات لصالح النص، مستكشَفا كحقل لتعقل الحدث. فما كان يتعهده ليس فقط الحدث وإنما فهم الحدث، أي أنه «لم يكن ناقل حدث وإنما مفكرا فيه بشكل يكشف أن في الطارئ والعابر، دروبا للحقيقة يمكن ارتيادها.»
باقي المداخلات ركز فيها المتدخلون على إصرار الاشعري على خوض غمار التجريب في أعماله الروائية، منوعا في طرح قضايا وإشكالات قديمة لم يتم القطع معها أو جديدة تفرضها التحولات الطارئة على المجتمعات، أو مثيرا أسئلة حول الذاكرة والنسيان، ذاكرة الإبداع والسياسة والتاريخ. كما لامست شهادات أخرى كيفية تشكيل المكان والوعي الشعري في تجربته، من خلال علاقته بمدينة الرباط بأفضيتها المغلقة (سجن لعلو) أو المفتوحة ( الحي الجامعي) كما جاء في شهادة الشاعر والناقد أحمد زنيبر.