دراسة جديدة تؤكد أن مؤشر سمعة المغرب تحسن سنة 2017 لكن التحديات المطروحة تبقى جدية

صدرت مؤخرا النسخة الثالثة من الدراسة التي ينجزها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (IRIS) بشراكة مع مؤسسة “معهد السمعة “ (Réputation Institute) حول سمعة المغرب في العالم. وتهدف هذه الدراسة إلى دراسة نقط القوة ونقط ضعف المغرب في ما يتعلق بالسمعة الخارجية والداخلية وكذا العناصر التي يمكنها أن تشكل فرصا للتواصل وتسويق صورة المغرب في الخارج.
نسخة 2017 ترتكز على عينة من 22 دولة تشمل دول مجموعة السبعة (G8) ودولة متقدمة / صاعدة تنتمي لأهم مناطق العالم والتي تشكل أولوية استراتيجية تموقع المغرب على المستوى الدولي.
وإذا كان من المفيد التوضيح أنه من الصعب قياس السمعة، فلا أحد ينكر أهميتها ولا القيمة الاقتصادية التي تخولها لاسيما بالنسبة لمقاولة ما أو بلد ما، لأن للمؤسسات والمقاولات وحتى الدول سمعة تشمل مجمل التصورات التي يكونها الأشخاص انطلاقا من تجربتهم المباشرة أو من تجارب منقولة عن آخرين.
كما أن السمعة تؤثر على اختيارات وقرارات الفاعلين الاقتصاديين، بحيث إن اختيار منتوج أو علامة يتم على أساس التصور الذي تشكل لدى المستهلك عن المقاولة التي تنتجه.
وإذا كان اقتصاد السمعة حقيقة معروفة في عالم المقاولة، فإنه ينطبق أيضا على الدول، بل إن هذا المفهوم حاسم أكثر لكونه يؤثر، إلى جانب عناصر أخرى، على دينامية الصادرات وجاذبية المستثمرين وجاذبية السياح كما يؤثر على التحرك الدبلوماسي للبلد وتموقعه داخل المجموعة الدولية.
وتحدد سمعة بلد ما على أساس مجموعة من المتغيرات والعناصر منها: أسلوب الحياة، الجاذبية الطبيعية، التاريخ والثقافة، البيئة الاقتصادية، المؤسسات السياسية والقانونية، جاذبية القادة، الشركات والعلامات، إمكانيات النمو، الموارد الطبيعية، جودة المنتوجات، العرض السياحي والترفيه…والتصورات المتعلقة بكل واحد من هذه العناصر ناجمة عن التجارب الشخصية أو تجارب آخرين أو بشكل المعلومة المتوصل بها ( مباشرة أو غير مباشرة، متحكم فيها أم لا )، لكن وفي بعض الأحيان ترتبط بالأحكام النمطية والجاهزة المتراكمة.
ولإظهار أهمية مفهوم السمعة بالنسبة للدول تم اللجوء إلى دراسة مزدوجة : أولا كان لا بد من إثبات وجود علاقة بين المؤشر العام لسمعة البلد وتصرفات الدعم تجاه هذا البلد، ثم ثانيا دراسة إلى أي حد تؤثر هذه المؤشرات على المعطيات الواقعية التالية: الصادرات، الاستثمارات الخارجية المباشرة، توافد السياح، توافد المهاجرين، توافد الطلبة.
وسمحت هذه التحاليل مرة أخرى بتأكيد أن اقتصاد السمعة لا يقتصر فقط على المجال المقاولاتي بل ينطبق أيضا على حالة الدول بحيث توجد علاقة قوية بين سمعة بلد ما ومظاهر وتصرفات الدعم المعلنة مثل النصح بالعيش فيه أو زيارته أو الاستثمار فيه أو شراء منتجاته.
كما أثبتت هذه التحاليل وجود علاقة مباشرة بين السمعة وإنتاج قيمة اقتصادية ملموسة، فمثلا تحسن سمعة بلد ما قد ترفع عدد الوافدين لزيارته وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية المباشرة.
وانطلاقا مما سبق ركز التقرير على العناصر المهمة للصورة التي يسوقها المغرب لدى مواطني الدول الأخرى لاسيما دول مجموعة الثمانية التي تشكل أسواقا واعدة بالنسبة للعرض التصديري للمغرب وتشكل أسواقا واعدة لجذب السياح والاستثمارات المباشرة نحو المغرب. وإلى جانب مجموعة 8 تم هذه السنة تقييم صورة المغرب لدى 14 دولة متقدمة أو صاعدة.
وأظهرت الخلاصات الكبرى لتقرير هذه السنة أن المغرب يحظى بسمعة خارجية متوسطة لدى دول مجموعة 8 بالمقارنة مع 70 دولة التي شملتها الدراسة وهي نفس مرتبة إندونيسيا وتتجاوز بكثير سمعة تركيا ومجموع الدول الإفريقية والعربية، وتتجاوز سمعة المغرب المعدل العالمي في كل من روسيا والمكسيك والهند وفي الولايات المتحدة وهي متوسطة في كندا والمملكة المتحدة وتصل هذه السمعة أدنى مستوياتها في إسبانيا وألمانيا وهولندا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا والسويد.
وتهم أهم التقييمات الإيجابية للسمعة الخارجية للمغرب المؤشرات المرتبطة بجودة الحياة( البيئة الطبيعية، سكان طيبون ومرحبون، الترفيه وأسلوب العيش) وأيضا نوعية وجودة المؤسسات لاسيما الأمن والاستعمال الفعال للموارد.
أما التقييمات الأقل إيجابية فقد جاءت في التقرير مرتبطة ببعد « مستوى النمو»لاسيما نظام التعليم والتكنولوجيا والابتكار.
وتبرز المقارنة بين السمعة الداخلية والسمعة الخارجية للمغرب الخلاصات الكبرى التالية : أن المغرب لا يشكل استثناء للقاعدة بحيث أن مؤشر سمعته الداخلية تتجاوز سمعته الخارجية بحوالي 10 نقط، فالمغاربة يعتبرون أكثر من الأجانب أنهم يعيشون في بلد يسوده الأمن وحيث السكان طيبون وودودون وحيث البيئة الطبيعية جيدة وأن المملكة محترمة على الصعيد الدولي وتتوفر على موروث ثقافي جيد. وتشكل هذه المؤشرات فرصا يجب أن يركز عليها المغرب سياسته التواصلية من أجل إرساء صورته الدولية على أسس صلبة.
بالمقابل تبقى السمعة الداخلية سلبية بالمقارنة مع السمعة الخارجية بالنسبة للمؤشرات المرتبطة بالنظام التربوي واستعمال الموارد والتكنولوجيا والابتكار والمناخ السياسي والمؤسساتي والأخلاق والشفافية والرفاهية الاجتماعية . وهذه النقائص التي يمكن أن تشكل مخاطر حقيقية على سمعة المغرب، سواء في الداخل أو الخارج، تشكل تحديات حقيقية سيتعين مواجهتها بكل الجدية اللازمة.
بالنسبة لتطور سمعة المغرب خارجيا، أشار التقرير إلى الملاحظات الأساسية التالية: أن سمعة المغرب شهدت بعض التحسن في سنة 2017 بالمقارنة مع سنة 2016 في كل من فرنسا ونيجيريا والصين وألمانيا، بالمقابل تدهورت بشكل ملموس في كل من تركيا والشيلي والهند وبلجيكا.
كما تم تسجيل تحسن ملموس على مستوى المعطيات المرتبطة بجودة الحياة، أما بالنسبة لمؤشر «الأمن» فقد سجل تحسنا ملموسا سنة 2017 بعد تراجع مسجل سنة 2016. كما أن مؤشرات «التكنولوجيا والابتكار» و «العلامات والمقاولات المعترف بها « واصلت اتجاهها التراجعي.
كما سجل التقرير أن تصرفات الدعم والمساندة للمغرب تحسنت سنة 2017 بعد التراجع المسجل سنة 2016 لاسيما عندما يتعلق الأمر بزيارة المغرب أو شراء منتوجاته.


بتاريخ : 23/03/2018