لاشك في أن الموسم الرمضاني التلفزي موسم درامي بامتياز نظرا لغزارة الأعمال الفنية التي يعرضها التلفزيون المغربي من مسلسلات وأشرطة تلفزيونية، ما يعزز الإنتاج الدرامي الوطني بمختلف أشكاله وأنواعه، بغية تقديم فرجة ممتعة وهادفة لدى المشاهد المغربي الذي يكتشف خلال كل موسم تقدم وغزارة هذه الانتاجات الفنية التي فرضت نفسها بقوة، وحجزت لنفسها حيزا مهما بشاشات البيوت المغربية حاصلة على اهتمام أكبر مقارنة مع الدراما العربية المشرقية، ورغم اقرار الجميع بتميز المنتوج الفني المغربي إلا أنه لازال ينتظره مسار طويل من أجل التقدم أكثر نحو محاكاة حقيقية لواقعنا وهمومنا وتحدياتنا بل وحتى آمالنا وأحلامنا.
ولنتمكن أكثر من تقريب قرائنا الأعزاء من هذه الأعمال الدرامية خاصة في تعاطيها مع تمثلات المرأة داخلها، بعين فاحصة ناقدة، حاورنا في جريدة الاتحاد الاشتراكي الأستاذ عبد الله الساورة وهو كاتب مغربي وناقد سينمائي وتلفزيوني لنتعرف أكثر على وجهة نظر الناقد المتابع لهذه الأعمال الدرامية والمتتبع لمسار تمثلات المرأة داخلها، والصورة التي تكرسها عنها، بغية الإجابة على مجموعة من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة والحاج أمام تنوع الأدوار النسائية خلال هذا الموسم التلفزيوني الرمضاني المختلف والمتنوع
1 – مسار تشكل الدراما الرمضانية بالتلفزيون المغربي
تعتبر الدراما الرمضانية حسب الناقد عبد الله الساورة بمثابة جزء من الدراما المغربية بتاريخها منذ ثمانينات القرن الماضي حتى اليوم بكل تطورها البطيء، وذلك بالانتقال من الحلقات الأربع أو الخمس إلى أكثر من ثلاثين حلقة، بل تعدت هذه الدراما أن تخلق أجزاء تتوالد منها وهي سابقة في تاريخ الدراما المغربية نموذج سلامات أبو البنات… وهذا نموذج فقط ليس أبدا للحصر.
ويمكن أن ننظر إلى الدراما الرمضانية من حيث الكم ومن حيث الكيف ..إن ازياد عدد المسلسلات
والأفلام التلفزية الدرامية ازداد بحكم ازدياد عدد القنوات التي تبحث عن الجديد لإشباع رغبات الجمهور المغربي المتعطش للدراما المغربية المحلية بعدما تدرب طويلا على دراما قادمة من مصر وتركيا ومن
المكسيك، وبالتالي أضحت له قدرة كبيرة على التمييز بين هذه الأعمال بتوجهاتها الثقافية وتمثلاتها، وكذلك ما تحمله من رسائل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو مبطن، وبالتالي التوجه نحو دراما محلية تنحت شخصياتها من الواقع المغربي، ومن المخيال الشعبي.
ورغم تراكم هذه الدراما عبر أزيد من أربعين عاما وأنها كانت متقطعة في بداياتها وفي سيرورتها، لكنها الآن أصبحت تُنتج بشكل موسمي يلبي حاجيات المواطن المغربي عبر أكثر من قناة تلفزيونية.
2 – غزارة الأعمال الدرامية في رمضان بين الكم والكيف
فيما يخص سؤال الكيف، فهذه الدراما وخاصة في رمضان وبحكم تقليد رمضاني منذ سنوات عديدة
أضحت هذه القنوات المنتجة أو المتحكمة في عمليات الإنتاج أو من خلال الوسطاء، وفي ظل المنافسة
السائدة والبحث عن دراما تحصد بها عددا كبيرا من المتابعين، وتحصل بها على نسبة مشاهدة عالية كما حصل مع مسلسل بنات العساس موسم 2021 ، أو مع مسلسل لمكتوب لموسم 2022.
المحصلة النهائية أن هذا الكم من إنتاج المسلسلات ومن بعض التراكم التاريخي غير المفكر فيه على
المستوى النقدي يمنح كل سنة أعمال درامية لها شعبيتها تتسم بالجرأة، سواء على مستوى المواضيع أوعلى مستوى الأداء أو على مستوى التصوير وطرق الكتابة الدرامية وطرق المعالجة. مع ما يستحضره انتقال هذه الدراما من البادية إلى المدينة، وما أضحت تشكله المدينة المغربية من تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية في مغرب يعرف الكثير من التحولات العميقة في فترة انتقالية تتسم بمجال معولم بامتياز.
3 – الأعمال الدرامية التلفزيونية المغربية بين العمق والاستهلاك
يرى الناقد ذ. عبد الله الساورة على أن بعض الأعمال تتسم بالعمق وبعضها يكون فقط مجرد للاستهلاك وللإشهار المجاني. وهنا يعود الأمر بالنسبة إليه، إلى الكتابة الدرامية نفسها التي ترتهن للموسمية، موسم رمضان وموسم الصيف وموسم العام الجديد، وبالتالي يطغى عليها التسرع وعدم البحث في مضامينها وأبعادها، خصوصا في ظل اشتغال النقاد المغاربة على أفلام وأعمال درامية مصرية أو سورية أو غربية تتسم بالجودة، وتمنح للناقد تتبع هذه الأعمال وأنساقها الإبداعية ومنطلقاتها الفكرية.
الأمر السيء في الدراما المغربية ما يتعلق ببعض الجوانب التقنية وتحسين تقنيات التصوير والتي تكمن في النص المعالج دراميا، بحيث يتسم بالضعف وعدم البحث الجيد وبالفراغات الكبيرة. كما يؤكد ذ. عبد الله الساورة بأن حضور الدعم العمومي وكذلك الأموال القادمة من الخليج العربي ومن الشرق عموما، قد سمح بانتقال هذه الدراما من ديكورات البيوت المهترئة ومن دراما البادية إلى دراما البذخ في المدن بمناظر الفيلات والقصور والديكورات الجميلة والآسرة التي تعكس تحولات المجتمع المغربي وطبقاته المتنوعة.
يضيف ذ. عبد الله الساورة في هذا السياق، ملاحظة أخرى وهي تقديم دراما رمضانية من الحارات الشعبية ومن الطبقات الدنيا ومن قاع المجتمع، بحضور الممنوع المسموح به بما فيه سواء من حيث الحوار أو من حيث بعض المشاهد الجريئة، والتي يجد فيها المشاهد المغربي ذاته ويتابعها ويتماهى معها بل وتعكس الكثير من جوانبه الحياتية والشخصية.
هذه التحولات في الدراما المغربية وفي مواسمها طيلة السنة نجدها تتكرر في كثير من الأحيان، نتيجة قلة المختصين في كتابة السيناريو أو الحوار أو التقطيع الدرامي للمشاهد أو أحيانا حتى الموسيقى التصويرية.
4 – الدراما المغربية بين التكرار والتجديد
يرى ذ. عبد الله الساورة بأن ما يعاب على هذه الدراما هو تكرار نفس الوجوه بل وحتى حركاتهم وطريقة اللباس، لكن هذا لا يمنع أنه خلال العشر سنوات الأخيرة أضحت هذه الدراما مجددة، بل أبانت عن وجوه رجالية و نسائية لها قدرة كبيرة على الانغماس في الأدوار المسندة إليها.
إذن، نحن أمام أجيال جديدة من الممثلين لهم ما لهم من تكوين معرفي جيد، ولهم قدرة كبيرة على البحث والتحري في أعمال أجنبية يستلهمون منها في الكثير من الأعمال والشخصيات تنضاف إليها لمستهم الخاصة.
وأردف ذ. عبد الله الساورة القول بأن من سلبيات هذه الدراما هو تكرار هذه الوجوه سواء النسائية أو الرجالية بشكل نمطي مما يخلق نوعا من النمطية، تنضاف لها نمطية المواضيع والتيمات المعالجة، مما يخلق نفورا لدى المشاهد المغربي باعتباره المستهلك الأول لهذه الدراما.
كما أن الملاحظ أيضا في هذه الدراما هو ظهور وجوه نسائية شابة لها قدرة كبيرة على احتواء الأدوار المسندة لها، ولها أيضا قدرة كبيرة في تقمص شخصيات مرة تنتمي لقاع المجتمع ومرة تنتمي للبورجوازية المغربية.
5 – تمثلات المرأة في الدراما التليفزيونية المغربية خلال موسم رمضان 2022.
الملاحظ أيضا في هذه الدراما ودائما حسب ذ. عبد الله الساورة هو ظهور وجوه نسائية شابة لها قدرة كبيرة على احتواء الأدوار المسندة لها، ولها قدرة كبيرة في تقمص شخصيات مرة تنتمي لقاع المجتمع ومرة تنتمي إلى البورجوازية.
هذا التحول في الأداء النسائي بين النقيضين يعكس مواهب نسائية تدربت كثيرا في الدراما المغربية، إذا ما استحضرنا دراما رمضان 2021 و2022 على التوالي. بل هنا، نجد أنفسنا أمام حضور طاغ وكبير للوجوه النسائية، بحيث نجد الكثير منها تؤدي أدورا مقنعة بدرامية كبيرة ومهنية.
هذا الحضور النسائي في الدراما المغربية صاحبه أيضا جرأة كبيرة لدى الممثلات، تجاوز في كثير من الأحيان عتبات الممنوع والمقدس لدى المشاهد المغربي، مثل معالجة موضوعات حساسة تهم مهن منبوذة مجتمعيا من قبيل: الشيخة والعاهرة والمقامرة و الانتهازية والمتسلقة والمهاجرة والمجرمة والسارقة… وما تحدثه هذه الأدوار الجريئة من انقسامات في مجتمع منقسم على نفسه على أكثر من اتجاه.
إن حضور الممثلة المغربية بهذه الجرأة وبهذا النمط المختلف في بعض الأعمال الدرامية يمنحها قدرة على تأدية العديد من الشخصيات ولعب أدوار مختلفة. وبالتالي، اكتساب خبرة لا محالة ستخدم الدراما المغربية حيث لن تكرس الطابع النمطي لهذه الدراما بل ستساهم في تجديدها في مواسمها المختلفة وما يصاحبها من متابعة جماهيرية.
6 – الدراما المغربية وعلاقتها بتكسير الصورة النمطية عن المرأة.
تعددت الأدوار النسائية في الدراما المغربية حسب ذ. عبد الله الساورة بين التمثيل والأداء والإخراج والتصوير والملابس والمونطاج…. هذه الوظائف الفنية اقتحمتها المرأة المغربية ووجدت مكانا لها. وبقدر ما تعددت هذه الأدوار، فإنها تحاكي قضايا المرأة الملحاحة من عنف وذكورية وتهميش بين البادية والمدينة والمرأة المهاجرة وحقوق المرأة وقضايا الحريات الفردية… لكن تعنل هذه الدراما أحيانا على تسطيح هذه القضايا دون النفاذ إلى أعماقها باعتبارها دراما موسمية تقتل نكهة الإبداع فيها، وتجعلها فقط خطابا استهلاكيا لحظيا. إن تحول هذه الدراما عوض أن توجه خطابها نحو هذه القضايا تصبح عنفا موجها نحو قضايا المرأة وفرصة للتنمر من خلال مجموعة من الأعمال التي أضحت وجها للتهكم والسخرية على حد السواء.
7 – الدراما المغربية.. جهود محمودة.
يرى ذ. عبد الله الساورة من جهة أخرى بأنه يجب ألا نغفل بأن الدراما المغربية هي عمل جماعي تتضافر فيه العديد من عوامل النجاح، من الفكرة إلى معالجتها الدرامية إلى الأداء والإخراج والتصوير و عمليات الانتاج، وكذلك توقيت عرض هذه الدراما والترويج لها مسبقا في وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها. إن هذا العمل الجماعي يتطلب الصبر والمرونة وتشجيع هذه الأعمال مع التنبيه إلى السلبيات والايجابيات. وأن ما يجب التأكيد عليه هو ما تعكسه هذه الدراما المغربية من هوية مغربية بمختلف مكوناتها بنوع من التسامح والتعايش وتسعى لتقديم الراهن والمرتهن المغربي بكثير من الإبداع وبجماليات فنية مقبولة فنيا تضعها لم لا، على عتبة منافسة دراما قادمة من الشرق ومن الغرب معا.