افتُتح منتزه آنفا بارك المتواجد في القطب المالي للدارالبيضاء أبوابه في وجه العموم سنة 2020، مما جعل منه متنفسا وملاذا ليس فقط للساكنة المجاورة لهذا الحي الراقي الجديد، الذي يتطور يوما عن يوم، ويزداد عدد عماراته الشاهقة المعانقة للسماء، بل وحتى لمواطنين يفدون إليه من أحياء أخرى، رغبة منهم في المشي بين أشجاره ووروده المتنوعة، ومسالكه المختلفة، إضافة إلى الاستفادة من مختلف المرافق التي يتوفر عليها، سواء ما يتعلق بممارسة المشي والرياضة أو ما يخص الألعاب الموجّهة للأطفال.
وإذا كان هذا الفضاء يشكّل نقطة ضوء تنير عتمة الإسمنت المنتشر في تراب مقاطعة الحي الحسني خاصة، والدارالبيضاء عامة، فإن استمرار حضور مجموعة من الممارسات والسلوكات الطائشة والعدوانية يمكن أن يحول متعة زيارة المنتزه إلى نقمة، وأن يؤدي إلى تقهقر معالمه، خاصة إذا لم يتم كبح هاته الممارسات وإصلاح ما أفسده المتهورون، كما هو الحال بالنسبة للمرور وسط الأحواض المائية التي تزيّن المسار الذي يربط المدخل الرئيسي بالبوابة الخلفية المؤدية إلى خط سكة الترامواي، وهو السلوك الذي يتكرر بين الفينة والأخرى، ويجعل حراس الأمن الخاص في مواجهة مفتوحة مع «الطائشين»، الذين منهم من يدّعي عدم معرفته بأن ما أقدم عليه يدخل ضمن خانة «الممنوع»، ومنهم من لا يهتم بعتاب المعنيين، خاصة الذين يكونون في جماعات يوحّد أفرادها الاندفاع والتحدّي!
مظاهر شائنة لا يقوم بها اليافعون فقط بل حتى الأشخاص البالغين، الذين لايهتمون لعلامات المنع المنصوبة في محاور مختلفة من المنتزه التي تفيد بمنع «النزهة»، ورغم اليافطات وضدا عن الكاميرات وعن حراس الأمن الخاص، حوّل المعنيون العشب الأخضر إلى أزقة وشوارع، وجعلوا منها طاولة للأكل بل وحتى لإيقاد الشموع من أجل الاحتفال بأعياد الميلاد وتقاسم كعكاتها، دون إغفال بعض الممارسات الأخرى المنافية لـ «الذوق الجماعي» التي تقع بين الفينة والأخرى هنا وهناك، التي لا يعير أصحابها اهتماما للأسر التي تختار رفقة فلذات أكبادها التجول في المنتزه واقتناص لحظات استرخاء تخرجهم من دوامة الضغط والقلق التي تفرضها الدارالبيضاء على ساكنتها؟
أعطاب بشرية ومادية، هي بمثابة اللطخة المسيئة لجمالية اللوحة بامتداداتها، التي لا تقف عند حدود المنتزه بل تمتد إلى كل ما يحيط به من عمران، الذي مهما ظهرت ملامح القوة فيه و»الشموخ»، فإن حضور مثل هذه التفاصيل يؤكد مرة أخرى على أن الاستثمار في التربية والتعليم يبقى أولوية أساسية لكي تكون الناشئة مستوعبة لأهمية كل ما يحيط بها، حريصة على حماية «الذوق» والملك العامين، مساهمة في المجهود الوطني للارتقاء بالوطن وبكل ما يهم المواطنين، لا أن تكون الأجيال القادمة غير معنية بالتفاصيل الجماعية المشتركة.