دعوة إلى عدالة جبائية وإرادة سياسية حقيقية الفريق الاشتراكي يعيد النقاش حول المقاولة الصغرى في مشروع قانون المالية 2026

 

الحكومة ركزت جهودها على دعم المقاولات الكبرى، وتركت المقاولات الصغرى والصغرى جدا تواجه مصيرها

 

 

في سياق النقاش العمومي حول التدابير المتضمنة في مشروع قانون المالية لسنة 2026، نظّم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، أمس الاثنين 3 نونبر 2025، مائدة مستديرة حول موضوع «المقاولة الصغرى في مشروع قانون المالية لسنة 2026»، بمشاركة نخبة من الخبراء والفاعلين الاقتصاديين والمؤسساتيين. اللقاء شكّل مناسبة لإعادة تسليط الضوء على وضعية المقاولات الصغرى والصغرى جدا، ودورها الحيوي في النسيج الاقتصادي الوطني، إلى جانب التحديات البنيوية التي تعيق تطورها واستمراريتها.
في كلمته الافتتاحية، أكد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، أن هذه المبادرة تندرج ضمن مساهمة الفريق في تطوير المنظومة التشريعية والمؤسساتية المؤطرة للمقاولات المغربية، انسجاما مع مقاربته الداعمة للحوار العمومي والمشاركة الفاعلة لمختلف المتدخلين. وأوضح شهيد أن الحكومة، منذ المصادقة على قانون الاستثمار، ركزت جهودها على دعم المقاولات الكبرى، بينما تُركت المقاولات الصغرى والصغرى جدا تواجه مصيرها دون تفعيل المراسيم التطبيقية الخاصة بالدعم الموجه لها.
واعتبر شهيد أن المرحلة تتطلب «رجة قوية» لدعم المقاولة الصغرى والنهوض بها باعتبارها محركا أساسيا للتنمية، مشيرا إلى أن اللقاء يشكل محطة أساسية للخروج بتوصيات عملية يمكن أن تشكل أرضية للنقاش والترافع خلال مناقشة مشروع قانون المالية بالبرلمان. ولم يفوّت رئيس الفريق الاشتراكي المناسبة دون الإشادة بالانتصار الدبلوماسي الذي حققته المملكة بخصوص قضية الصحراء المغربية، مؤكدا أن هذا الاعتراف الأممي ثمرة للجهود المتواصلة لجلالة الملك محمد السادس، الذي قاد هذا الملف الاستراتيجي بحكمة وتبصر.
وخلال المائدة المستديرة، قدّم عدد من الخبراء والممثلين عن هيئات مهنية واقتصادية مداخلات كشفت عن مجموعة من الاختلالات والانتظارات الكبرى. فقد أوضح رشيد الودغيري، رئيس الشبكة المغربية لهيئات المقاولات الصغرى، أن مشروع قانون المالية لم يتضمن إجراءات كافية لإنعاش المقاولات الصغرى، معتبرا أن تنزيل ميثاق الاستثمار ما يزال متعثرا في غياب خارطة طريق واضحة تضمن لهذه الفئة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ودعا إلى مراجعة الأعباء الضريبية المجحفة، واقترح تخصيص نسبة 20 في المائة من الصفقات العمومية لفائدة المقاولات الصغرى، كآلية عملية لدعمها وضمان إشراكها الفعلي في الدورة الاقتصادية.
أما حسن الصاخي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة، فاعتبر أن المقاولات الصغرى تعاني من تعدد المتدخلين وغياب مخاطب إداري موحد، مما يخلق ارتباكاً مؤسساتياً يعيق التواصل والولوج إلى الدعم. وأبرز أن القطاع غير المهيكل يشكل عبئاً إضافياً يحد من تنافسية هذه المقاولات، مؤكداً أن الحكومة مطالبة بتوفير مواكبة تقنية وإدارية ومالية جادة، لضمان اندماجها في الاقتصاد المهيكل.
من جانبه، انتقد محمد الرهيج، أستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء، النظام الجبائي الحالي واعتبره «غير عادل وغير منصف»، مشيرا إلى أن المقاولات الصغرى تواجه عبئاً ضريبياً ثقيلاً لا يتناسب مع قدراتها المالية ولا مع هشاشتها البنيوية. وأضاف أن الضرائب المفروضة تُضعف فرص نمو هذه المقاولات وتحد من قدرتها على المنافسة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة الولوج إلى التمويل والصفقات العمومية. ودعا إلى مراجعة شاملة للمنظومة الجبائية نحو فلسفة تشجع الإنتاج والاستثمار بدل التركيز على تحصيل الموارد.
وفي مداخلة تحليلية معمقة، أوضح علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن السياسات الحكومية مازالت تتعامل مع المقاولة الصغرى بمنطق الدعم الظرفي لا بمنطق الإصلاح البنيوي، وهو ما يجعلها خارج الرؤية الشمولية للنموذج التنموي الجديد. وأشار إلى أن الدعم الموجه في مشروع قانون المالية لسنة 2026 تستفيد منه أساسا المقاولات المتوسطة، في ظل معايير إقصائية تعرقل استفادة المقاولات الصغرى. وسجل الغنبوري أن آلاف المقاولات الصغيرة أعلنت إفلاسها في السنوات الأخيرة، ما يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح.
ولفت الغنبوري الانتباه إلى أن السياسات العمومية مازالت تعتبر المقاولة الصغرى مجرد وسيلة لتخفيف البطالة، وليس فاعلا منتجاً للقيمة المضافة. واستحضر فشل برامج سابقة مثل «مقاولتي» و»المقاول الذاتي» كمثال على غياب رؤية مندمجة، داعيا إلى إعادة تصنيف المقاولات وفق معايير منصفة تتيح لها الولوج إلى التمويل والصفقات العمومية والمواكبة التقنية الفعلية.
وفي الاتجاه ذاته، شدد نبيل النوري، رئيس النقابة الوطنية للتجار والمهنيين، على أن الحكومة لا تُولي قطاع التجار والمقاولات الصغرى العناية اللازمة رغم أهميته في الاقتصاد الوطني. وأبرز أن العدالة الجبائية غائبة، وأن التحديات الجديدة المرتبطة برقمنة الأداءات التجارية والانتقال إلى المعاملات الإلكترونية تفرض مواكبة حقيقية من مؤسسات الدولة، لاسيما في ظل التوجه نحو رقمنة قطاع تجارة القرب.
وخلص المشاركون إلى أن المقاولة الصغرى تظل الحلقة الأضعف في الاقتصاد الوطني رغم كونها تشغل مئات الآلاف وتساهم في تحريك الدورة الاقتصادية. وأجمع المتدخلون على ضرورة اعتماد إصلاح ضريبي شامل، وإطلاق برامج مواكبة مهيكلة، وتفعيل ميثاق الاستثمار بما يعيد الاعتبار لهذه الفئة الحيوية، باعتبارها رافعة أساسية لتحقيق التنمية المتوازنة وخلق الثروة ومناصب الشغل.

 

 


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 04/11/2025