مركب محمد الخامس، ليس فقط معلمة كروية تعد فخرا للعاصمة الاقتصادية وأنديتها شاهدة على العصر الذهبي لكرة القدم الوطنية، بل هو، إضافة إلى كل ذلك، مقبرة لتبديد المال، وشاهد على سوء التدبير المعشش في دواليب التسيير بالمدينة.
ظل المركب محط أطماع عدد كبير من المنعشين العقاريين الذين ابتُليت بهم هذه المدينة، ما جعله عرضة للإهمال، حتى يقتنع الجميع بأنه لم يعد صالحا لاستقبال المباريات، وخرجت العديد من الأصوات تُروّج لكونه مصدر إزعاج للسكان المجاورين، وذلك في محاولة لجعله لقمة سائغة على مائدة أطماع المنعشين العقاريين، وبعد فشل هذه المحاولات إلى حد ما، جاء البرنامج التنموي للدار البيضاء سنة 2015، ليُخصص له مبلغ 22 مليار سنتيم بهدف إعادة تأهيله، وقد أُغلق المركب لفترة طويلة، وهو ما أنهك خزينة ناديي الوداد والرجاء، وجعلهما عرضة للتشرد الكروي يبحثان عن أي سياج للإيواء، وبعد افتتاحه سيظهر أمام أعين الجميع بأن الإصلاحات كانت ترقيعية لا ترقى إلى حجم الأموال التي خصصت له… ، بعد تعالي التنديدات ستخرج شركة الدارالبيضاء للتهيئة المشرفة على تلك الإصلاحات لتعلن، في بلاغ لها، بأن الإصلاحات لم تكتمل بعد، وبأن الأموال التي صرفت لم تتجاوز 13 مليار سنتيم.
لم تمر 48 ساعة على صدور ذلك البيان، حتى صدر بلاغ جديد، هذه المرة من طرف ولاية جهة الدار البيضاء-سطات، يؤكد بدوره أن الإصلاحات لم تكتمل، لكنه يشير إلى أن ما أُنفق على المركب إلى حدود افتتاحه لا يتجاوز 10 ملايير سنتيم. وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام في أذهان المتتبعين، خاصة إذا علمنا أن رئيس مجلس إدارة الشركة التي أعلنت الرقم المخالف لما ورد في بلاغ الولاية، ليس سوى الوالي نفسه، الذي وقع على بلاغ يقر بأن التكلفة لم تتجاوز 10 ملايير سنتيم. المعضلة الكبرى أن ساعات قليلة بعد صدور البلاغين المتضاربين، خرج نائب العمدة في الولاية السابقة، المكلف بالشؤون الرياضية بجماعة الدار البيضاء، التي تُعد المالكة الفعلية للمركب، ليعلن أن الجماعة لا علم لها بهذه الإصلاحات، ولم تتوصل بأي إخبار من أي جهة حول الأشغال الجارية. بل إن الشركة التي تتولى عملية الإصلاح لم تحصل على أي ترخيص، كما تنص على ذلك القوانين الجاري بها العمل.
هنا ستزداد حيرة الجميع، خاصة وأن برنامج تنمية الدارالبيضاء جاء عقب الخطاب الملكي لسنة 2013، الذي أبرز بأن الدارالبيضاء تفتقد للحكامة الجيدة، وجاءت قضية «دونور» لتعلن بأن دار لقمان لاتزال على حالها.
فجأة، وبعد أن تقرر أن المغرب سينظم كأس إفريقيا للأمم ومونديال 2030، سيظهر فاعل جديد على أرضية المركب، وهي وزارة التربية الوطنية، التي أعلنت أنها ستخصص 25 مليار سنتيم من أجل إصلاح جديد للملعب، غير أنها اشترطت أن تُسند الأشغال إلى شركة ‹سونارجيس›. وقد أثار هذا الأمر استغرابا واسعا، نظرا لكون الشركة تم اختيارها خارج إطار مبدأ المنافسة ودون احترام لقانون الصفقات العمومية، بل ودون أي اعتبار للمؤسسات، خصوصاً مجلس المدينة المالكة للمركب، التي فوجئت بالقرار وكأنه نزل عليها كالصاعقة، من دون أن تحرك ساكنا للدفاع عن اختصاصها وحقها.
ولأن الجميع أصرّ على تكريس سوء الحكامة، فقد جاءت مباراة «الديربي» الأخيرة لتفضح عيوبا كثيرة في الملعب، وهو ما أثار استغراب المتابعين، خصوصا أن ‘سونارجيس› لم تلتزم بدفتر التحملات، وقلّصت من عدد المقاعد، ما أدى إلى إقصاء الملعب من احتضان المقابلات الدولية المعترف بها من طرف الفيفا.
كل هذا يتطلب وقفة حقيقية وتدقيقا في كل ما جرى في الملعب منذ تخصيص 22 مليار سنتيم، والتي لم نعد نعرف تفاصيلها، حيث ما زلنا في سرد الحكاية التي أثارت الكثير من الجدل. إذ أصبح المتداول هو أن الإصلاحات تحتاج إلى أموال أكثر، وهو ما أكدته شركة «سونارجيس» نفسها فور بدء أعمالها في البناية !
«دونور» .. الروضة المنسية للملايين من الدراهم والشاهد الأكبر على سوء الحكامة

الكاتب : ع.رياض
بتاريخ : 16/04/2025