رغم الميزانيات الضخمة التي خصصتها الحكومة لمحاولة احتواء أزمة اللحوم الحمراء، فإن النتائج جاءت مخيبة للآمال. فقد بلغت تكلفة استيراد الأبقار والأغنام واللحوم الحمراء حوالي 13 مليار درهم، إلا أن أسعار اللحوم لم تعرف أي انخفاض يذكر، بل استمرت في الارتفاع لتصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 120 درهما للكيلوغرام، فيما بلغ سعر لحم الخروف 140 درهما. هذه الأرقام تعكس بوضوح فشل الحكومة في إدارة الأزمة، وتزيد من الضغوط على وزير الفلاحة أحمد البواري، الذي وجد نفسه في مواجهة تساؤلات برلمانية حول هذه السياسة المثيرة للجدل بعدما وجهت الفرق النيابية المعارضة مراسلات إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية للمطالبة بمناقشة هذا الملف وفتح تحقيق شامل حول الامتيازات الضريبية الممنوحة لاستيراد هذه المواد وعدد المستفيدين منها، مع طرح تساؤلات حول ارتباط هؤلاء بتربية المواشي. كما شددت المعارضة على ضرورة الوقوف عند احتمال تسرب المضاربين للاستفادة من الدعم، في وقت كان الهدف الأساسي هو خفض الأسعار وتحقيق توازن في السوق.
وعلى أعتاب شهر رمضان وعيد الأضحى، تزداد المخاوف بشأن قدرة السوق المحلي على تلبية الطلب المتزايد، خاصة أن المؤشرات الحالية لا تبشر بتحسن قريب. فالاعتماد على الاستيراد، في غياب خطط حقيقية لدعم الفلاحين والمربين، لا يمكن أن يكون حلا مستداما. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن إعادة التوازن إلى السوق تتطلب استثمارات حقيقية في قطاع تربية الماشية، تشمل تخفيض أسعار الأعلاف وتحسين الخدمات البيطرية وتحديث المجازر، بالإضافة إلى تشجيع الإنتاج المحلي من خلال برامج دعم واضحة وفعالة.
تفاقم الوضع دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات متتالية، من بينها فتح باب استيراد الأغنام الحية من أستراليا، وهو ما يعكس عدم نجاح الاستراتيجيات السابقة في تحقيق الاكتفاء الذاتي أو على الأقل تحقيق استقرار في الأسعار. فالقطيع المحلي يعاني من آثار الجفاف المتوالي، مما أدى إلى تراجع الإنتاج بنسبة كبيرة، في حين أن الخطوات الحكومية تركزت على حلول ظرفية مثل تعليق الرسوم الجمركية على اللحوم المستوردة، دون التطرق إلى إصلاحات جوهرية لدعم الإنتاج المحلي.
المعطيات المتوفرة من مكتب الصرف تشير إلى أن واردات المغرب من الماشية الحية بلغت 5.6 مليار درهم خلال 2024، أي بزيادة 95.2% مقارنة بالسنة السابقة. وعلى الرغم من هذه الزيادة، فإن الأسعار ظلت مرتفعة، ما يعكس استمرار الأزمة وعجز الحكومة عن تحقيق التوازن بين الاستيراد والإنتاج المحلي. وبينما يتم الحديث عن تأمين إمدادات ثابتة من اللحوم الحمراء عبر هذه الاتفاقيات، فإن الاعتماد المتزايد على الواردات يضعف القطاع الفلاحي المحلي ويهدد آلاف المربين بالإفلاس.
في هذا السياق، يطرح العديد من المهنيين تساؤلات حول طبيعة الدعم الحكومي، الذي يبدو أنه لم يصل إلى الفلاحين الصغار والمربين التقليديين، بل استفاد منه بالدرجة الأولى المستوردون والموزعون الكبار. هؤلاء المستفيدون من الإعفاءات الضريبية تمكنوا من تحقيق مكاسب ضخمة دون أن يكون لذلك أي تأثير إيجابي على الأسعار في الأسواق المحلية. في المقابل، استمرت معاناة الكسابين الذين يواجهون تكاليف مرتفعة للأعلاف وتحديات لوجستية معقدة، في وقت تظل فيه التدابير الحكومية غير كافية لدعمهم.
ولا يقتصر الفشل الحكومي على سياسة الاستيراد فحسب، بل يمتد إلى مشاكل أعمق تتعلق بالبنية التحتية لسوق اللحوم. فرغم أن المغرب يضم أكثر من 800 مجزرة، إلا أن 15 منها فقط معتمدة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أونسا، منها 7 فقط تابعة للقطاع الخاص. هذا النقص في المجازر العصرية المجهزة بأنظمة تبريد حديثة انعكس بشكل سلبي على جودة اللحوم الحمراء المتوفرة في الأسواق، كما أن ضعف اللوجستيك أدى إلى ارتفاع التكاليف وتفاقم أزمة الأسعار. وكانت الحكومة قد لجأت إلى استيراد اللحوم المجمدة كإجراء مؤقت، لكنها أوقفت هذه العملية بعد ثلاثة أشهر فقط، بسبب مشاكل تقنية وقانونية، ما زاد من تعقيد الوضع.
وإلى أن يتم تبني إصلاحات جذرية، ستظل الحكومة المغربية تدور في حلقة مفرغة من الإجراءات الترقيعية، بينما يبقى المواطن المغربي المتضرر الأكبر، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وغياب حلول مستدامة تضمن استقرار السوق وتحمي القدرة الشرائية.