«ذاكرة المدني في أنفا بارك» لتوفيق الوديع : رواية تنتصر للحياة..

 

من تخوم الصبا ومن ثنايا الطفولة المكسورة، يطل علينا هذه المرة الكاتب توفيق الوديع بإصدار جديد اختار له عنوان « ذاكرة المدني في أنفا بارك «نص سردي عصي عن التصنيف، يمتح من الحديث إلى الروح مثل مونولوغ داخلي في مصالحة تبدو غريبة مع الذات، جريئة في الحديث عن الماضي وما علق بالذاكرة من نتوءات ..نص بعيد عن السيرة الذاتية قريب منها، ، حين يصبح الطفل، الذي كان هو السادر، وقد بلغ عقده السادس !! ..بوح متسامح على قدر عال من الصفح والمصالحة مع نذوب الماضي وجروحه الدفينة ..
«ذاكرة المدني في أنفا بارك» سيناريو واقعي لطفولة واجهت العنف بكل امتداداته النفسية والمعنوية، عنف الدولة في محطات رهيبة كان الطفل شاهدا على تفاصيلها المرعبة.. وعنف مركب يحيط بطفل ظل يخفق قلبه ذعرا مما حوله ..
في ذات النص ، وعلى نقيض اللغة المنكسرة ، ينقلنا السارد لنطل على حياة طفل لم تكن تخلو من إشراقات جميلة ..حين كانت صفاء روحه تنتعش وهو بين أحضان أمه، تضمه إلى صدرها، فينصت لنبض قلبها الرؤوف، تحدثه بحنو، تضمد روحه المكسورة، مثل بلسم الجراح كانت .. تمسح بوداعة دموعه البريئة فيبستم…
قدرة رهيبة على الصمت كانت سلاح « المدني» لمواجهة درجات الإيذاء النفسي التي تعرض لها في محطات فارقة من حياة طفولته ، وظل يقاوم بقامته القصيرة وقلبه الكبير، يكابر ويعاند، يطاوع نفسه عن الحديث، فتمانع، يرمم وجدانه فينكسر ، يتعثر ويواصل ..متفائلا ظل، موقنا بأنه حتما سينتصر .. !
استمر «المدني» يحمل تفاصيل هذا الكتاب في سريرة قلبه طيلة عقود، كان الطفل الكامن فيه يمانع، وكان الكهل يميل إلى البوح والمصالحة… وما بينهما من مخاضات تطلب سنوات من جبر الضر بينهما…
أن يقول وداعا للألم ..أن يبتهج الطفل الذي كان، وأن يأذن للكهل بالكتابة، كان لابد من التوجس والانتظار … كان في حاجة لجرعة كبيرة من الإنصات للذات في أعمق صورها عبر تمارين «اليوغا» والاستئناس بتجارب إنسانية رائدة في تاريخ البشرية .. كان «المدني» يحتاج لقدر وافر من الحب والسعادة وسند وجده في رفيقة حياته … ليبتسم الطفل الذي كان..ويأتي راكضا مزهوا يعانق الكهل ذاته، فيصيحا معا ملء السماء .. ما أجملك أيتها الحياة .. !


الكاتب : منير الشرقي

  

بتاريخ : 17/06/2023