لم تعد تقوى على الطيران، وحتى دبيبها على الأرض القاحلة الجرداء تتخلله توقفات، منتوفة الجناحين هذه الجرادة الخضراء التي استحال لونها شاحبا، تحرك راداريها وكأنهما يدان تلوحان للنجاة.
الجرادة المسكينة تسير ببطء شديد نحو هدف غير معلن تماما، تسير فوق الأشواك، بين شقوق الأرض التي شحب أديمها واعتلاه نقع وغبار أسود وكأن بالنار قد تقيأت دخانها ولطمته ريح شرقية.
توقفت الجرادة المقصوفة.من بطنها تدلى معي ممتقع اللون. تقدمت نملة متوحشة، أظنها لا تمت لنمل الحَب بِصِلة، جرت المعي جرا، فالتصق به ما تجمع على أديم الأرض من تراب متلكد، من تراب مصلوب بعيدان متفحمة، توقفت الجرادة وقفة نهائية ولم يعد يشتغل فيها غير ما تبقى من وعي متقطع.
استعادت المسكينة كل الذكريات، استعادت أيام البهجة والسرور، لما كانت تطير بين الحقول مزهوة، استعادت حديثها مع طيور الربى، وديدان الأرض وأسماك الجداول وضفادع المروج. هزت رأسها من على الأرض وقالت بصوت متهدج: «أح على ليام».
حطت ذبابة ذات عينين جاحظتين قربها، استلت سلاحها الفتاك ونهشت ما تبقى من جسمها وهي تستغيث، لم تبال لصرختها، انهالت عليها بكل أنواع التعذيب، مص وعض ولسع شديد، كانت تتفنن في تعذيبها في ما يشبه السادية.
توالى مشهد الاضمحلال تحت شمس حارقة، الكل مصدوم من هول الفاجعة، كل الكائنات الحية الناجية من الموت حملت رحالها وغادرت إلا فصيلة قيل أنها من صلب آدم، ما تزال ترابط في عين المكان دون نتيجة، والخطير حسب ما يصل من أنباء متقطعة، من هناك،أن عناصر من جنسهاتنفذ الغارات على الفصيلة ليل نهار، تتناوب مع فرق أخرى في التنكيل بها، ويقال أن عملها ذاك تنفيذ حرفي لكلام من استدرجوا «جرادة» ذات جمال ويسر فاغتصبوها وسلبوها ثم قتّلوها.
ذاكرة «جرادة»

الكاتب : محمد باجي
بتاريخ : 13/04/2018