في مناقشة مشروع القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث
»إن لحظات التشريع من أجل حماية التراث تعتبر من أرقى وأسعد اللحظات التشريعية ،لذا يسعدني أن أتناول الكلمة في هذا السياق باسم المعارضة الاتحادية، خصوصا وأن حماية التراث وتثمين الثقافة يشكلان عندنا العمق الرمزي لمرجعيتنا الاشتراكية .
عندما يصبح هاجس دولة بكل مكوناتها هو جرد وتصنيف وتوثيق التراث وحمايته من كل أنواع التطاول والائتلاف عبر مبادرات تشريعية ، نكون أمام تطور فارق في الارتقاء بالوعي الجماعي والمجتمعي العام . الوعي بأهمية تراثنا باعتباره مرآة لهويتنا الوطنية الثرية والمتعددة وباعتباره جزءا لا يتجزأ من التراث الإنساني الكوني .
وفي هذا السياق وتفاعلا مع مشروع القانون 33.22 المتعلق بحماية التراث، نظمنا في الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية يوما دراسيا تميز بمداخلات مهمة لمختلف الفاعلين في مجال حماية التراث من خبراء وأساتذة باحثين مختصين وأطر الوزارة وأيضا المجتمع المدني .
وبعدها أكدنا كفريق اشتراكي معارضة اتحادية في مناقشة المشروع والتعديلات على أهمية تضمين المشروع جميع التعاريف الجديدة المتعلقة بمختلف أصناف التراث الثقافي والطبيعي والجيولوجي، والتي تواكب المفاهيم الجديدة المعترف بها دوليا في ما يتعلق بالتراث الثقافي.
إن صون هذا التراث هو مسؤولية وطنية تتطلب العمل المشترك وتفعيل مختلف الالتقاءات القطاعية ذات الصلة لضمان استدامة الحماية والحفاظ على الذاكرة الوطنية من التآكل والاندثار.
نستحضر في هذا السياق مقتطفا من الرسالة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس للمشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي سنة 1999 « على أننا لابد ان نؤكد مرة أخرى على ضرورة اعتماد رؤية ديناميكية بخصوص هذه الحماية ، قوامها إدماج تراثنا في مشاريع التنمية وليس فقط تحنيطه في إطار رؤية تقديسية للماضي ، ومد الجسور بين الماضي والحاضر لان تراث الغد هو أيضا ما نبتكره اليوم ، فلا مناص إذن من جعل التراث فضاء مشتركا لحوار الحضارات وحوار الأجيال والأزمنة».
فإذا كان التراث ذاكرة جماعية ورافدا أساسيا للهوية الوطنية، فإنه يفترض أن يكون محركا للتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال تطوير السياحة الثقافية وإبراز معالم المواقع الأثرية، والمدن العتيقة التي تستقطب اليوم في العالم الملايين من الزوار ، كما يتطلب الأمر تثمين الصناعات التقليدية والحرف اليدوية وتحصينها ضد التراجع والاندثار .
ورغم كل الجهود المبذولة، لا يزال التراث المادي عرضة للعديد من المخاطر كالإهمال والتوسع العمراني الذي يطال المواقع التراثية خاصة في المدن العتيقة، بالإضافة الى ما تحمله التغيرات المناخية من تهديد مباشر للمواقع التراثية، كما أن الانصهار الهوياتي اليوم في ظل العولمة يشكل خطرا على التراث اللامادي، يتعين معه تحصين الهوية الثقافية الوطنية ورسم حدود تفاعلها مع ما هو إنساني وكوني.
وبمناسبة الحديث عن المدن العتيقة تحضرني مدينة فاس العاصمة الروحية للمملكة، والتي لم تلتقط بعد مؤهلاتها الثقافية والتراثية بالجدية والعناية الكافيتين، من هنا أوجه لكم السيد الوزير نداء فاس .
ونحن نناقش مشروع القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث، سجلنا مجموعة من الملاحظات تمت بلورتها في تعديلات أهمها :
1. غياب شمولية التعريفات، الاعتماد المفرط على النصوص التنظيمية، مخاطر تفويت الممتلكات التراثية ومحدودية إشراك المجتمع المدني ، وضعف العقوبات لذا انصبت أهم تعديلاتنا من أجل حماية التراث الوطني بشقيه المادي واللامادي على:
* ضرورة اعتماد الرقمنة والتوثيق وعلى ضرورة اعتماد البحث العلمي كإنشاء معاهد بحثية متخصصة تهتم بدراسة التراث وتقترح حلولا مبدعة لحمايته .
ضرورة التربية والتوعية على تملك التراث وحمايته، خصوصا في المناهج الدراسية ليتم التعامل مع التراث الملكية الجماعية كما لو كان ملكية فردية للمواطنات والمواطنين .
دعم وتعزيز المبادرات المدنية باعتبارها شريكا أساسيا في حماية التراث وتثمينه، خصوصا منها جمعيات المجتمع المدني المتخصصة في مجال التراث .
تشجيع وتحفيز التعاون بين القطاع الوصي والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ختاماً، نؤكد أن حماية التراث الوطني ليست مجرد التزام قانوني، بل هي مسؤولية وطنية وأخلاقية تفرضها علينا الأجيال القادمة. التراث هو مرآة هويتنا وركيزة تنميتنا وجسرنا نحو العالم. إن التراث الوطني بشقيه المادي واللامادي هو إرث مشترك يجب أن نحميه جميعاً. إنه يعكس هويتنا، يعزز وحدتنا الوطنية، ويمثل مصدر فخرنا أمام العالم. فالتراث الوطني ليس فقط ذاكرة الماضي، بل هو أيضاً أساس بناء المستقبل.
إننا اليوم أمام لحظة فارقة لمناقشة موضوع يتعلق بجوهر هويتنا الوطنية وذاكرتنا الجماعية، نحن مدعوون جميعاً لتحمل مسؤولياتنا تجاه هذا الإرث من خلال تحسين التشريعات، دعم المبادرات المدنية، وتطوير سياسات متكاملة لحمايته وتثمينه. فلنكن جميعاً في مستوى هذه المسؤولية ونعمل سوياً لضمان أن يبقى هذا التراث مصدر إلهام للأجيال القادمة.
لأن التراث مسالة هوية، ولأن القناعة والتعبير عن هذا المشترك الجماعي يقعان خارج دائرة الاختلاف والسجال، ولأن في مشروع القانون هذا تطورا ملحوظا مقارنة بالمبادرات التشريعية السابقة المسبوقة بدورها بالظهائر الشريفة، ولأن إمكانية التجويد تظل مفتوحة على مستوى التشريع وعلى مستوى السياسات العمومية التي تحمي التراث، ولأنكم السيد الوزير تجاوزتم الصيغة النمطية في التعامل مع تعديلات المعارضة، واستجبتم بقدر معقول من الموضوعية لتعديلاتنا ، فإننا تثمينا لهذا المناخ ووفاء لهذا السياق قررنا في الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية التصويت لصالح مشروع القانون 33.22 ».
04 فبراير 2025