رؤساء هيئات تنظيم الطاقة بالمتوسط يؤكدون على إدماج الطاقات المتجددة من أجل تدبير أكثر فعالية للطلب وتأمين الإمداد

احتضنت مراكش، يوم الخميس 23 يونيو الجاري، الاجتماع الثاني لورشة الرؤساء لجمعية هيئات تنظيم الطاقة بحوض المتوسط MEDREG تحت شعار»تنظيم منسجم لتسريع انتقال الطاقة بهدف تأمين الإمدادات» بمشاركة رؤساء هيئات تنظيم الطاقة الأعضاء وعدد من الخبراء الباحثين والمهنيين والفاعلين في حقول الطاقة.
واستحوذ موضوع الانتقال الطاقي وقلق الإمداد في ظل وضعية جيوسياسية صعبة خاصة بأوروبا وانعكاساتها على سوق الطاقة الدولية، على تفكير المشاركين في هذه الورشة. وفي هذا الإطار أكد الألباني أحماتي بيتري PETRIT AHMATI رئيس جمعية هيئات تنظيم الطاقة بحوض المتوسط أن الانتقال الطاقي أصبح هاجسا عالميا، وخاصة في بلدان المتوسط التي تعد الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، وذلك بغرض إدماج الطاقات المتجددة من أجل تدبير أكثر فعالية للطلب وتأمين الإمداد. موضحا أن النزاعات التي تشهدها أوروبا أظهرت الكثير من المشاكل ومناطق الهشاشة في ما يخص المنظومة الطاقية ولاسيما على مستوى ضمان الإمداد وتنويع المصادر.
وأشاد أحماتي بيتري بالتجربة المغربية في مجال الانتقال الطاقي معتبرا إياه رائدا على المستوى العالمي في التنمية الخضراء، وهو ما يظهره رهانه الاستراتيجي للوصول بمساهمة الطاقات المتجددة إلى 52 بالمائة من المزيج الطاقي في سنة 2030. واستحضر الأوراش الطاقية الكبرى التي دشنتها المملكة من أجل هذا الرهان على مستوى الطاقة الشمسية والطاقة الريحية والنجاعة الطاقية، وهو ما يعتبر، حسب المتحدث، تجليا واضحا لصدق هذه الإرادة وجديتها.
وذكّر أحماتي بأهداف ال MEDREG التي ترمي إلى تحديد الشروط اللازمة لتأسيس مجتمع الطاقة المتوسطي المستقبلي، وتوفير ظروف تنافسية عادلة لجميع اللاعبين في مجال الطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​من خلال تشجيع وتسهيل إنشاء إطار قانوني وتنظيمي قوي، وتشجع الممارسات العادلة مع المستهلكين.
و دعا أحماتي إلى التفكير العميق في سبل تأمين الانسجام والتماسك بين ضفتي حوض المتوسط وخاصة في ما يتعلق بالطاقات المتجددة والإمداد والتعاون المكثف من أجل منظومة طاقية مستقرة قادرة على الصمود في وجه الأزمات الصحية والجيوسياسية والمالية، وتكون في خدمة التنمية وحامية للبيئة.
استكشاف مختلف حقول الانتقال الطاقي والتنظيم المستقر لهذا المجال بمنطقة المتوسط، شكل محور كلمة عبد اللطيف برضاش، رئيس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء ونائب رئيس الجمعية المتوسطية لهيئات تنظيم الطاقة بحوض المتوسط، الذي اعتبر أن الإمكانات وتحديات الطلب بضفتي المتوسط باختلاف العوامل المتدخلة في تحديد طبيعة المنظومة الطاقية بالضفتين سواء بالنسبة للعامل الديمغرافي والاقتصادي، تدفع في اتجاه مزيد من التعاون بينهما من أجل رفع التحديات الطاقية التي تتقاطع فيها الرهانات التنموية والاعتبارات البيئية وحقوق المستهلكين والحفاظ على وتيرة النمو.
واستمرارا في نفس السياق، أكد برضاش أن بلدان جنوب المتوسط تزخر بإمكانيات مهمة غير مستغلة على مستوى الطاقات النظيفة، مبرزا أن الانتقال الطاقي يهدف إلى تسريع المرور إلى طاقة متجددة في سياق معقول وتحريك الموارد الطاقية المتجددة خاصة في الجنوب، وتنويع المصادر لتلبية الطلب، وإحداث سوق مشتركة للطاقة وخاصة على مستوى الكهرباء، مثلما يستدعي تنظيما ناجعا واحتراما لمعايير الجودة في الخدمات، وعقلنة للنفقات.
وبعد تقديمه لتفاصيل الاستراجية الطاقية للمملكة، أكد برضاش أن هذه الاستراتيجية تطوير للصرح الطاقي المتجدد لتحقيق الاستقلال تجاه الوقود الأحفوري. وختم كلمته بالدعوة للعمل المشترك بين بلدان حوض المتوسط لجعل الطاقة عاملا للسلم والازدهار عوض أن تكون عاملا للحرب والاضطراب.
وفي رسالة مرئية لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي التي تعذر عليها الحضور، شددت على أهمية تنظيم مندمج للمجال الطاقي مستوعب لرهانات التنمية وأهدافها، متسائلة عن دور هيئات التنظيم في ظل هذه الأزمات المتوالية التي تعصف بالعالم. ومؤكدة على أهمية اندماج الأسواق والتعاون بين ضفتي المتوسط لرفع التحديات المطروحة في هذا المجال خدمة للمصالح المشتركة. و اعتبرت الوزيرة أن أزمة الإمداد وقضايا الانتقال الطاقي تفرض على الجميع إعادة التفكير في عالمنا.
ومن جهته استحضر وزير الصناعة والتجارة رياض مزور في رسالة مرئية بعدما تعذر عليه الحضور أيضا، المجهودات التي يبذلها المغرب في سياق إنضاج اقتصاد أخضر بتطوير استراتيجية طاقية طموحة لحماية البيئة وتشجيع الاستثمار في الطاقة المستدامة. مبرزا الإجراءات التي اعتمدتها المملكة لتشجيع الولوج للطاقات النظيفة ودعم المقاولات التي تستهدف الطاقات المتجددة.
أما محمد رشيد الإدريسي القيطوني، رئيس الفيدرالية المغربية للطاقة، فشدد في تدخله في الورشة على أهمية التعاون من أجل تسريع الانتقال الطاقي بهدف الحفاظ على الطاقة وحماية الأرض وتوازناتها ومواردها الطبيعية . واعتبر أن الاتجاه الخاص بالطاقة يهدف إلى تنفيذ المشاريع وضمان توزيع الكهرباء وتوفيرها للمستهلكين وتقوية التنافسية مع إعطاء أهمية للانتقال نحو الطاقات النظيفة التي تدخل في مجال إزالة الكربون.
وحظيت التجربة المغربية باهتمام خاص في هذا الاجتماع، حيث استعرض عدد من الخبراء المغاربة محاور هذه الاستراتيجية والمكتسبات المتحققة منها التي تروم التقليل من الاعتماد على الطاقات الأحفورية المستوردة، من أجل تحقيق السيادة الطاقية بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد. مبرزين أسس هذه الاستراتيجية التي ترتكز على تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، لضمان الاستقلالية الطاقية والإسهام في تقليص الانبعثات الغازية، وذلك بالرفع من مساهمة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي بـ 52 في المئة في أفق سنة 2030.
واستفاض رؤساء MEDREG في مناقشة القضايا الملحة التي يواجهها قطاع الطاقة في البحر الأبيض المتوسط ​، كأمن الإمدادات، وارتفاع الأسعار والتحول نحو الطاقة الخضراء. مؤكدين على أهمية تنفيذ التدابير التنظيمية التي تعزز دمج الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، إدراكًا للإمكانيات العالية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط ​​كمورد للكهرباء المتجددة (خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) ، حيث أن تغلغل مصادر الطاقة المتجددة هو أداة رئيسية تسهم في تأمين إمدادات الطاقة، وفي الجهود العالمية التي تدخل في مكافحة تغير المناخ. وشددوا على أن المستهلكين المطلعين والنشيطين شرط أساسي لأسواق الطاقة الفعالة والمستدامة. وهو ما يدعو إلى نشر الوعي حول الدور المهم الذي يلعبه المستهلكون كمستفيدين ومساهمين في إنشاء أسواق طاقة مستدامة في المنطقة المتوسطية .
وأكد المشاركون في الورشة أن قطاع الطاقة يعرف حاليًا تحولًا كبيرًا يتضمن تحديات متعددة، مثل ارتفاع الأسعار وأمن قضايا التوريد وزيادة فقر الطاقة، فضلاً عن العديد من الفرص مثل الرقمنة في ضوء حزمة الطاقة النظيفة، لتحقيق أهداف إزالة الكربون. مشددين على أن السياق الجيوسياسي الحالي الموسوم بتداعيات الحرب في أوكرانيا وتقلب الأسعار المرتفع في قطاع الطاقة يتطلب تعديلات سلوكية فورية وطويلة الأجل، إذ لا ينبغي للأهداف القصيرة المدى الضرورية من أجل حماية المستهلكين وتأمين الإمداد أن تحجب الأهداف الأساسية للوصول إلى الاستقلال الطاقي وتحقيق انتقال طاقي عادل وشامل.
وتضم جمعية الهيئات المنظمة للطاقة في البحر الأبيض المتوسط MEDREG ​​، 27 منظمًا للطاقة من 22 دولة، تغطي الاتحاد الأوروبي (EU) والبلقان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتعمل على تسهيل وتطوير مناهج وممارسات تنظيمية متسقة إقليمياً لتكامل سوق الطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتُروّج MEDREG لإطار تنظيمي شفاف ومستقر ومتوافق في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​، مما يعزز الاستثمار في البنية التحتية وحماية المستهلك وتعزيز التعاون في مجال الطاقة. كما تساعد أعضاءها في إصلاحاتهم التنظيمية، ودعم تطوير أطر قانونية وتنظيمية وطنية قوية، وتحفز الإصلاحات التنظيمية التعاون الإقليمي، مما يساعد منظمي الطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​على تبني ممارسات تنظيمية متقاربة تؤدي إلى توافق أكبر لأسواق الطاقة على المدى الطويل.


الكاتب : مكتب مراكش : عبد الصمد الكباص تصوير اسماعيل رمزي

  

بتاريخ : 25/06/2022