رؤى وتصورات لمغرب.. ما بعد كورونا 4- عماد الدين قشيقاش ، باحث اقتصادي: الدولة .. تسترجع دورها السيادي كراع للمشهد الاقتصادي والاجتماعي 2/1

من المؤكد أن آثار جائحة كورونا على المغرب والمغاربة ، ستستغرق وقتًا حتى يتم استيعابها وفهمها وقبولها.. لكن مع طرح سؤال بأي حال ستعود “الحياة الطبيعية” الى مغرب ما بعد كورونا ؟.. سؤال يطرح نفسه على نقاشاتنا وأفكارنا وهواجسنا وانتظاراتنا .. ، يدفعنا الى البحث عن كيفية للتواصل قصد وضع معايير وقواعد جديدة في أسرع وقت وبأكبر قدر ممكن من الفعالية ، من أجل المحافظة على الانسان وحياته ،المحافظة على المسار الاقتصادي ، والمحافظة على مسار العودة الى الحياة …
اذن في ظل هذه الظروف الاستثنائية ، تطرح الاسئلة الاستثنائية ..
ماهي الدروس والعبر التي يمكن أن تستخلصها الدولة والمجتمع ؟
هل هذه الازمة أعادت الاعتبار للدولة؟.. هل هي فرصة حقيقية لمراجعة خياراتنا الاقتصادية وإجراء إصلاح سياسي شامل؟
هل الانفتاح على العالم الذي هو ضروري وحتمي يجب أن يتناسب مع أولوياتنا وسيادتنا الوطنية ؟…
هل المدخل لكل الإصلاحات الاقتصادية سياسي بالدرجة الأولى ؟..
كيف نبني اقتصادا وطنيا منتجا، تضامنيا يقوي القدرات الاقتصادية للبلاد، ويكون في خدمة الحاجيات الأساسية لأغلب المغاربة؟..
كيف نؤسس لمشروع سياسي مجتمعي مبني على تعاقد اجتماعي جديد ؟ …
اسئلة عديدة ، سنتناولها في سلسلة حوارات عن المغرب ما بعد كورونا

 

-تأمين الاقتصاد المغربي ، مجابهة الأزمة من خلال الدعم الصحي والأسري، مثل هذه القرارات على ماذا تحيلنا ؟
– أولا يجب التذكير، أن ما نعيشه في الظرف الراهن جراء تفشي جائحة كورونا المستجد “كوفيد-19” وتأزيمها للوضع الاقتصادي والاجتماعي دوليا ووطنيا ، يحيلنا إلى القول إن العالم بصدد العيش في كنف أزمة اقتصادية جد عنيفة متمثلة في انهيار اقتصادي صادم وغير متوقع، فكل المؤشرات تعرف إنكماشا وبمستويات قياسية، ولعل أهمها الانخفاض المدوي للطلب على أهم سلعة في العالم “النفط” بأكثر من 30% من الطلب العالمي، أي بحوالي 30 مليون برميل يوميا. وهذا بحد ذاته سابقة لم تعرفها الأسواق منذ بداية الإنتاج والتجارة والإمدادات من هذه المادة الحيوية الاستراتيجية فضلا عن شلل شبه تام لقطاعات رئيسية كالطيران، السياحة.. باستثناء المواد الغذائية، وذلك مصحوب برؤية مستقبلية تشوبها الضبابية والغموض والخوف من القادم.. وهكذا ففي اعتقادي الشخصي، إن الفترة الراهنة هي فترة كساد اقتصادي بامتياز، فهذه الظاهرة لا تقاس بالمدة الزمنية، بل بالتأثير السلبي الحاد و الصادم على الاقتصاد ، وهذا ما نعيشه مع الأسف في أيامنا هذه، إما في حالة استمرار وإطالة أمد الأزمة فالعواقب ستكون لا محالة جد وخيمة وكارثية على الاقتصاد العالمي ، وهذه الرؤية تزكيها تقارير المنظمات الدولية كالأمم المتحدة و منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وصندوق النقد الدولي، هذا الأخير و بلسان كريستالينا جيورجيفا المديرة العامة للصندوق ، فإن الأزمة الاقتصادية الراهنة لم يشهدها العالم منذ الثلاثاء الأسود 29 أكتوبر 1929 أي الكساد الكبير.
ولمجابهة هذه الظروف الاستثنائية غير المسبوقة استوجب اتخاذ قرارات و إقرار إجراءا ت استثنائية تراعي قبل كل شيء الحرص على حياة وسلامة المواطنين.
ومن خلال ما تطرقت إليه يظهر بشكل جلي على المستوى الوطني عودة دور الدولة المركزي في التدخل المباشر والفوري ، أولا للحد من انتشار الفيروس الفتاك ، و ثانيا للتخفيف من النتائج السلبية المتفاقمة اقتصاديا واجتماعيا والتواري إلى الوراء لمبدأ السوق الحر المبني على العرض والطلب، ففي الشق الأول ونظرا للنقص المهول في الإمكانيات والمستلزمات الطبية تم ضخ اعتمادات مقبولة وتجهيز مستشفيات بالأجهزة التنفسية في هذا القطاع الحيوي والذي كان يعتبر مع الأسف حتى الأمس القريب قطاعا مستهلكا وليس منتجا ، وبالتالي فكورونا مكنتنا من العودة والاهتمام بالأمن الصحي وتحصينه من كل المضاربين في أسواق صحة المواطن، أما الشق الثاني المتعلق بالدعم الأسري ولو في حدوده الدنيا لفئات واسعة من ذوي الدخل المحدود والمياومين، فيشير الى عودة دور دولة الرعاية الاجتماعية.
إذن ، دور الدولة سيتزايد كأكبر فاعل اقتصادي حتى ما بعد الأزمة بتعزيز تدخلها في مسألة ضبط وتنظيم السوق ووضع قواعد مبنية على المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين فضلا عن تعزيز الدور الاجتماعي.

– هل تعتقد بأن المغرب سيتجه الى تغيير اقتصاده ؟
– أظن أن المغرب كان واعيا ليس بمحاولة بل بضرورة الإنكباب على تغيير اللبنات الأساسية للاقتصاد قبل جائحة كورونا، وذلك من خلال تشكيل لجنة النموذج التنموي، ففي نظري الخاص هذا اعتراف ضمني بفشل أو عدم تحقيق الأهداف المسطرة للمخططات الثلاثية والخماسية والرؤى الإستراتيجية للقطاعات٠
فعلى غرار تقوية مناعة الجسم في مواجهة الأمراض ، فالاقتصاد المغربي مطالب بتعزيز مناعته في مواجهة الصدمات غير المتوقعة والخطيرة كتلك التي نعيشها في هذه الفترة العصيبة ، فتحصين هذه المناعة يستوجب من جهة محاربة أصل الداء المتمثل في وجود ظواهر سلبية تنخر الاقتصاد الوطني كالريع و الغش والانتهازية والمنافسة غير الشريفة والتملص الضريبي والاحتكار، ومن جهة ثانية الدفع بالإنتاج المحلي وتعزيزه قي القطاعات الصناعية والمعرفية، خصوصا أن سلاسل الإنتاج والإمدادات الدولية أبانت عن هشاشتها جراء أزمة كورونا. فكل دولة تصبو إلى الانكفاء على الذات وعدم المراهنة بالاكتفاء الذاتي أولا وأخيرا، خصوصا في ظل الضبابية المسجلة والمستقبل المجهول العواقب.
وفي هذا المضمار يتصدر الأمن الغذائي رأس الأولويات، فالمغرب يعد من أكبر مستوردي الحبوب في العالم ما يطرح التساؤل عن النجاعة في تأمين الغذاء، مع العلم أنه يتوفر على سلعة إستراتيجية وهي الفوسفاط بامتلاكه 75 % من الاحتياطيات العالمية، فهو ثاني أكبر منتج بعد الصين وأكبر مصدر في العالم لهذه المادة المحورية في توفير الغذاء ، خصوصا استخداماته في الرفع من الإنتاج الغذائي، وذلك في مواجهة الظواهر البيئية كشح مصادر المياه والتصحر وانجراف التربة وغيرها من العوامل المؤثرة سلبيا على الأمن الغذائي.
اما الأمن الطاقي بشقيه الأحفري والمتجدد، فيجب أن يدخل في صلب التغيير الاقتصادي المنشود، فلا يعقل أن دولة مثل المغرب لا تمتلك مركبا صناعيا لتكرير النفط وصناعة البتروكيماويات منذ وقف خدمة شركة “سامير”، لكن نقطة الضوء تنبعث من الشراكة المغربية الروسية لإنشاء مركب صناعي للبتروكيماويات ومصفاة لتكرير البترول بغلاف مالي يقدر بملياري يورو في أكتوبر 2019، مما سيمكن المغرب من الحد من التبعية للمصافي الأجنبية.
وأشير كذلك إلى دور المواطن في تعزيز هذا الاتجاه بترشيده للاستهلاك سواء المائي أو الغذائي ، وحتى الطاقي ، لأن لبنة التغيير والتطور تبنى وتتقوى من مسؤولية الجميع .

– في نظركم ، هل ستعمل هذه الازمة على التسريع بالعودة الى الانتاج المحلي والتخلي عن الصناعات (التي يمكن التخلص منها بالكامل) ، وبالتالي توفير وظائف جديدة للحرفيين والشركات المحلية ؟
– كما أسلفت، هذه الأزمة وضعتنا أمام خيارين إما التعويل على الذات وتقوية المناعة الاقتصادية الداخلية مع انفتاح جزئي على العالم، وإما الاستمرار والخنوع لسياسة الانفتاح الجارف مع “الانكشاف الكلي” على الأسواق الدولية ، وبالتالي تقبل الصدمات الاقتصادية الكارثية كالتي نعيشها اليوم.
شكل الاقتصاد ما بعد كوفيد-19، يجب أن تتغير ملامحه من خلال تشجيع المبادرات الموجهة نحو الابتكار والتطور المعرفي، وهنا أشير إلى التأخر الكبير في هذا المجال، فمن غير المقبول أن تمثل ميزانية البحث العلمي فقط 8%0. من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى 1.6% . وهذا ما يعكسه ترتيب المغرب في مؤشر الابتكار العالمي 74 من أصل 129، فضلا عن مؤشر جودة التعليم لسنة 2017 الذي يضعنا في الرتبة 104 من أصل 137. مما يبرز فشل المنظومة التعليمية المرتهنة بإقرار مخططات واستراتيجيات متغيرة ومتحولة مع كل تغيير حكومي، ثم تأهيل وترقية الإنتاج المحلي مع مراعاة الجودة اللازمة، و لنا في أزمة الكمامات الواقية خير دليل على ذلك ، إذ أن دولا أوروبية غنية وجدت نفسها في وضعية طلب العون من دول الشرق الآسيوي وأخص بالذكر الصين ، كوريا الجنوبية واليابان لسد حاجياتها من هذا المستلزم الواقي ، وبالرغم من إمكانياته المحدودة عملت الجهات المشرفة بالمغرب على تزويد الأسواق الوطنية بهذا المنتج ، مع الإشارة إلى تسجيل حالات من النقص في الإمدادات فضلا عن مبادرات حميدة من أطر مبتكرة ومنتجة في توفير أجهزة للتنفس بصنع مغربي خالص، ما يحيلنا إلى المثل القائل “الحاجة أم الاختراع ” .
وهكذا أعتقد أن الرفع من الإنتاج المحلي الصناعي سيلعب دور حجر الزاوية في التوجهات الاقتصادية المستقبلية ، خصوصا في المجالات غير الخاضعة للتبعية التكنولوجية المتقدمة.
وبخصوص المناولة الصناعية المتمثلة في تجميع وليس تصنيع ، أعطي كمثال السيارات ، فهي ترتكز على مكتسبات من أهمها تأهيل وتكوين الموارد البشرية المغربية التي يمكن الاستفادة من طاقاتها في أي توجه للإقلاع الاقتصادي، وذلك بحكم الاحتكاك والتكوين والخبرة المكتسبة في هذا المجال ، بالإضافة إلى المساهمة في جلب العملة الصعبة بفضل الصادرات المنعشة للميزان التجاري والمخففة من العجز في ميزان الاداءات.
كما أبرز أهمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ودوره في خلق مناصب الشغل للحرفيين المتضررين جراء هذه الأزمة من خلال التنظيم المحكم وتقديم المساعدات الضرورية لولوج منتجاتهم الأسواق بسلاسة ويسر.
لكن الكل مرتبط بمدى عدم تطبيق الدولة لسياسات تقشفية وليس ترشيد النفقات تحت ذريعة عواقب جائحة كورونا، فهذا التوجه سيجر الويلات ، خصوصا على الفئات الاجتماعية الهشة وذوي الدخل المحدود.


الكاتب : أجرى الحوار: ادريس البعقيلي

  

بتاريخ : 13/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *