تابع الرأي العام، والمنشغلون منه أساسا بالتدبير الحكومي وتحديد مسؤولية الحكومة في السنة الأخيرة من عمر الحكومة، الحوار الذي أجرته القناتان الأولى والثانية العموميتان مع السيد رئيس الحكومة، ولعل من الطبيعي أن نجد في هذا التمرين التواصلي عملية إعلامية سياسية لا يختلف اثنان حول أهميتها، ولعل الانتظارات من ورائها، بالنسبة للحوار السياسي والتواصل المؤسساتي، كانت عالية، لأسباب كثيرة.. في الشكل وفي المضمون.
نكتفي، في القراءة الأولى، بالشكل، الذي اختار رئيس الحكومة أن يظهر به ويمرر من خلاله رسائله.
لا يمكن أولا إلا أن نعبر عن الأسف، لكون رئيس الحكومة أخطأ الطريق في الموقع الذي تم منه مخاطبة الرأي العام والدخول السياسي للسنة الأخيرة من الولاية …
فقد رأينا، وراء الصورة الرسمية للمناسبة، صور أخرى وقبعات أخرى غير القبعة التي كان الرأي العام يتطلع إليها، أي عوض الحديث إلى الشركاء والفرقاء وإلى عموم المواطنات والمواطنين، باعتباره رئيسا للحكومة، يدرك تمام الإدراك طبيعة وضعه الاعتباري، دستوريا وسياسيا، لم يستطع إلزام نفسه بهذه الصفة، وظهر بمظهر زعيم الأغلبية حينا وزعيم الحزب الذي يقودها حينا آخر..
لهذا الانزياح إسقاطاته الكثيرة، وليس أقلها التشويش على المعنى السياسي الذي يكتسيه الخروج الإعلامي للسيد رئيس الحكومة!
ولعل من أبرز الأسئلة، في هذه الحالة، هو المصير المتوقع للانتخابات القادمة في ظل اختلال لفائدة رئيس الجهاز التنفيذي، ورئيس الأغلبية ورئيس الحزب الذي يقودها؟
من حق المكونات السياسية والحزبية في البلاد أن تطرح السؤال عريضا وعميقا وطويلا حول شرط المساواة في الفضاء السمعي البصري، إذا كانت رئاسة الحكومة تتقدم تحت لباس المؤسسة المنصوص عليها دستوريا لكي تمارس الدعاية بلباس حزبي دعائي، وتسعى إلى التأثير على الرأي العام وتكييفه لفائدة الأحزاب المكونة للأغلبية.!
هناك أولا اختلال واضح لصالح الأغلبية وحزبها الأول، على حساب المعارضة ومكوناتها، وهو ما يطرح، من جديد، حق قادة المعارضة في البث العمومي ، من باب المساواة والحقوق المكفولة دستوريا لهم.
لقد كان جلالة الملك قد حرص، في قراره الحكيم والمناسب، من حيث التوقيت والمضامين، على توفير شروط جدية ومسؤولة للمشاورات السياسية الخاصة بالانتخابات، غير أن الملاحظ هو أن هناك من يريد القفز على مرحلة المشاورات وخلق مناخ الثقة المرافق لها، إلى .. الحملة الانتخابية قبل التوافق عليها من قبل المكونات السياسية المُتحلِّقة حول مائدة المشاورات ..
ولاشك أن الرأي العام الذي تابع اللقاء سيشعر بالاستغراب والتساؤل إزاء ما قاله السيد رئيس الحكومة حول الموقف من تكليف وزير الداخلية بهاته المشاورات. ومصدر الاستغراب هو قوله بأن المعارضة هي التي تنتقد تكليف السيد وزير الداخلية بهذه المسؤولية الجسيمة في الظرف السياسي الوطني الحالي. ومن حق الرأي العام وفي قلبه الأحزاب الوطنية الجادة في المعارضة أن تطالب رئيس الحكومة بتحديد المعنيين بكلامه ومن هو المكون السياسي في المعارضة الذي عارض تعيين وزير الداخلية؟
ومما يعزز هذا الاستغراب، هو أن القبعة التي تحدث بها رئيس الحكومة، و لسان حاله الحزبي، الحاضر بقوة في التمرين التواصلي، جاء ليزكي مخاوف الرأي العام من كون مكونات الأغلبية بدأت تعطي لنفسها الحق في تكييف مهام الداخلية بخصوص المشاورات ، كما هو موقف وزيرة في الحكومة بادرت إلى فتح الحوار حول مشاركة النساء وطبيعة هاته المشاركة في الاستحقاقات القادمة، من خلال التعديلات التنظيمية للاستحقاق القادم!
وغدا قد لا نستغرب إذا انبرى وزير الشباب للحديث باسم الشباب وباسم مشاركتهم في الاستحقاقات وطبيعة هاته المشاركة، وما إلى ذلك مما هو مطروح للتشاور السياسي المتكافئ ، بين كافة الفرقاء….
ختاما إن هاته الملاحظة، في الشكل، لا يمكن إلا أن نضمها إلى الجوهر عندما يتعلق الأمر بالفعل السياسي، بل هي من صميم هذا الجوهر، والذي سنفصل في باقي جوانبه من خلال قراءة التصريحات والأرقام والمواقف المعبر عنها في البرنامج الخاص برئيس الحكومة..
رئيس الحكومة في البرنامج الخاص على التلفزيون العمومي، في شكل الحوار، وفي جوهر السياسة

بتاريخ : 12/09/2025