رئيس الحكومة ووزير الصحة يعتمدان خطابا شعبويا يزيد من تأجيج رقعة الغضب، والسلطات تمنع الاحتجاج أمام «المستشفيات»

 

دفعت الدعوات التي تم إطلاقها في عدد من المدن والأقاليم للخروج من أجل الاحتجاج أمام المستشفيات العمومية ضد تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وللمطالبة بتفعيل الحق في الصحة، إلى إصدار السلطات المحلية لقرارات تقضي بمنع كل أشكال الاحتجاج المبرمجة بدعوى عدم قانونيتها، محمّلة كامل المسؤولية لكل من يلبّي «الدعوات الافتراضية» ويتسبب في تبعات سيكون لها ما بعدها.
وأكّد باشا بني ملال في قرار له منع تنظيم أي شكل احتجاجي متمثل في وقفة أمام مقر المستشفى الجهوي أو اعتصام أو مسيرة أو مبيت في الشوارع والساحات والفضاءات العامة، بسبب ما اعتبره، عدم التوفر على الشروط الشكلية والموضوعية المقررة قانونا للقيام بهذا النشاط الاحتجاجي، الذي من شأنه، حسب قرار المنع، المساس بالسلامة الجسدية والأمن والنظام العامين، محمّلا المعنيين بالأمر كافة العواقب والنتائج والآثار القانونية المترتبة عن مخالفة هذا القرار.
نفس الخطوة أقدم عليها باشا المنطقة الحضرية لأكادير المحيط، وباشا مدينة طاطا، وباقي مسؤولي الإدارة الترابية بكل من تزنيت، تارودانت، بني ملال، تاونات، سيدي إفني، أولاد تايمة، وغيرها من المناطق التي عرفت تداول دعوات للاحتجاج أمام المستشفيات بها، في محاولة لثني الغاضبين عن قرار التظاهر ضد ما يعرفه قطاع الصحة من اختلالات، تدمي القلوب قبل أن تدمع لواقع حالها العيون، بسبب المعاناة الكبيرة التي يعيشها المرضى الذين يحتاجون للخدمات الصحية المختلفة، المتمثلة في طول آجال المواعيد وعدم توفر أطباء في تخصصات معينة واستمرار أعطاب العديد من التجهيزات التقنية والبيوطبية التي تدفعهم للقيام بالفحوصات التكميلية خارج أسوار المستشفيات العمومية، حتى وإن لم تكن لهم القدرة المادية على القيام بذلك.
وفي سياق ذي صلة، لم يجد رئيس الحكومة عزيز أخنوش حرجا في الرمي باللائمة كلّها على مهنيي الصحة، حيث اختار في تجمع خطابي دغدغة المشاعر بلغة بعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعيشه المستشفيات العمومية والأسباب التي أدت إلى تقهقرها وتدني خدماتها، مشددا على أن الحكومة تقوم بعملها لأجل الصحة، وبأنه يجب اتخاذ القرارات الضرورية في حقّ كل «المخالفين» وكذا الأطباء الذين ينكثون بالقسم الذي أدّوه، قبل أن يتحوّل للحديث عن الجهات التي تضع يدها على مهنيي الصحة بالقطاع العام لكي «توظّفهم» في القطاع الخاص، كما لو أن هذا المعطى هو وليد اليوم وتغيب حقيقته عن الحكومة عامة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية خاصة، الأمر الذي اعتبره عدد من المهتمين بالشأن الصحي خطابا «مضلّلا» ومتملّصا من المسؤولية.
بالمقابل، انتفض عدد من مهنيي الصحة للتعبير عن غضبهم من مسلسل الاستهداف الذي يتعرضون له، وفقا لتصريحات عدد منهم لـ «الاتحاد الاشتراكي»، مؤكدين أن هذا القطاع يعرف تواجد الصالح والطالح ككل القطاعات والمجالات، لكن هناك أسباب جوهرية تحول دون الارتقاء بالمستشفى العمومي والتي تتحمّل فيها الوزارة الوصية كامل المسؤولية، لأنه لا يمكن استنزاف الأطباء والممرضين وتقنيي الصحة المتواجدين في مرفق صحي معين، والمعدودين على رؤوس الأصابع، في غياب متخصصين في مجالات طبية معينة، وانعدام وسائل التدخل والتكفل بالمرضى، ثم يأتي وزير الصحة معتمدا خطابا شعبويا هو وباقي مكونات الحزب الأغلبي، كأن يدعو المسؤول المحلي أو الإقليمي أو الجهوي للاحتجاج أمام الوزارة للمطالبة بسدّ الخصاص الذي يعاني منه المستشفى!
يذكر على أن العديد من المؤسسات الصحية شهدت احتجاجات عديدة لأطرها الصحية في مناسبات متعددة، في مراكش وأكادير والصويرة وفي شمال المملكة وغيرها، للتنديد بواقع الحال وللدعوة إلى إصلاح ما يجب إصلاحه، حتى يتم توفير بيئة مناسبة للعمل تتوفر فيها كل شروط تقديم الرعاية الصحية الكاملة للمواطنين، لكن أغلبها ظلّ دون ردّ، شأنه في ذلك شأن البلاغات والبيانات المختلفة للفرقاء الاجتماعيين.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 22/09/2025