رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يقدم ملاحظات وتوصيات حول مشروع قانون المسطرة الجنائية

 

قدم محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مداخلة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، يوم 22 أبريل 2025، تضمنت ملاحظات وتوصيات حول مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
من أجل ملاءمة موضوعية لقانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات المعيارية لمكافحة جرائم الفساد
بعد أن قدم بنعليلو التحية لمبادرة هذه اللجنة البرلمانية، لاستطلاع رأي الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، باعتبارها هيئة دستورية أناط بها المشرع صلاحية تقديم توصيات من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وباقي الاتفاقيات ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، من جهة، وصلاحية إبداء الرأي في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمجال اختصاص الهيئة، من جهة ثانية. هذا طبعا إلى جانب صلاحيات الإسهام في مكافحة الفساد من خلال البحث والتحري عن حالات الفساد، وتلقي التبليغات والشكايات ذات الصلة، أكد بنعليلو أن مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، كما يشكل بالنسبة للهيئة مناسبة مهمة لممارسة جزء من صلاحياتها، يشكل أيضا فرصة لبسط موقفها من مجموعة من المقتضيات التي تعتبر وثيقة الصلة بمجال مكافحة الفساد ومحاربة الرشوة من جهة ثانية.
وشدد رئيس الهيئة على أن في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كما في المنظومة الدولية لمكافحة الفساد، يعتبر قانون المسطرة الجنائية آلية مهمة لإنفاذ القانون ومكافحة الإفلات من العقاب في مختلف مستوياته.
واعتبر بنعليلو، أن المناسبات التشريعية التي تتصل بهذا القانون، هي فرص سانحة لإعلان سياسي (أو على الأقل لإعلان بقراءات سياسية) حول الانخراط في جهود المكافحة بمقومات معيارية، يمكن التأكيد على طابعها الدولي . وبالتالي لا يجب النظر إلى هذه التعديلات والنقاشات العمومية المحيطة بها على أنها مجرد قضية قانونية بأبعاد صياغية تقنية، بل هي مبادرات مهيكلة في جهود مكافحة الفساد لما تتضمنه من تعبير عن إصلاحات قانونية بحمولة مؤسساتية، ترسخ لمنظور أكثر شمولية في مجال الوسائل المتاحة لتفعيل النص الجنائي وتحريك أجهزة إنفاذ القانون في مستوياتها المختلفة.
وشدد بنعليلو على أن الواجب يحتم على الجميع (حكومة وبرلمانا وهيئات دستورية وأحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا)، استثمار هذه الفرصة التي قدمتها هذه المبادرة التشريعية التي ينبغي التعامل معها، في سياق رؤية مندمجة تستحضر واقع الظاهرة وحجم التطور الكمي والنوعي لجرائم الفساد، وتستجيب لمتطلبات تنزيل أبعاد المنظور الدستوري للتخليق ومكافحة الفساد، وتعي بقوة حتمية الملاءمة مع مقاصد المواثيق الدولية ذات الصلة وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وبالموازاة مع ذلك، أضاف رئيس الهيئة أن الواجب يحتم على الجميع من جهة أخرى، ضرورة استيعاب رهانات الانخراط الإيجابي في التوجهات الجنائية الدولية لمكافحة هذه الظاهرة، وبالتالي الخروج بخطاب تشريعي معلن يؤسس لملاءمة «موضوعية» لقانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد، ويغطي مختلف مراحل المحاكمة الجنائية بدءا من التبليغ والبحث والمتابعة والتحقيق والمقاضاة وتنفيذ الأحكام.
كل ذلك في سياق حقوقي ضامن لاحترام حقوق الأفراد، وصون حرياتهم، وتحصين براءتهم الأصلية، وتثبيت توازن أطراف الخصومة الجنائية من خلال شرعية الدليل الجنائي.
ولخص بنعليلو موقف الهيئة من مشروع قانون المسطرة الجنائي انطلاقا من مستويين أساسيين، مستوى يستحق التنويه وتوصي الهيئة بضرورة دعمه لما يشكله من تحول ملحوظ في فلسفة البحث الجنائي من خلال أساليب البحث الخاصة وتقنيات التحليل المالي وغيرها مما يمكن الوقوف عليه بالتفصيل لاحقا.
ومستوى (وهو الذي يهمنا أكثر في هذا اللقاء)، ترى الهيئة أنه يشكل مجالا رحبا للعمل التشريعي الرصين، والبناء الصياغي المتين من أجل منظومة إجرائية قادرة على ضمان فعلية تطبيق نصوص التجريم والعقاب بفعالية، وهو الجانب الذي حاول بنعليلو الوقوف عنده انطلاقا من معيارية نظرة الهيئة لموضوع مكافحة الفساد عبر عناوين موجهة ترى أن الاستجابة لها والتفكير العميق في محتواها سيشكل استجابة لمتطلبات الملاءمة، كما لمتطلبات الفعالية في مجال مكافحة الفساد:
تعتبر الهيئة أن الحفاظ على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وتحريك المتابعة في جرائم الفساد أمر جوهري في دينامية محاربة الفساد، وبالتالي ترى أن صيغة التعديل التي وردت بها المادة 3 من حيث كونها تحصر نطاق إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، في الطلب المقدم من طرف «الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وإحالة كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك.
تعتبر الهيئة أن احتساب مدد تقادم الدعوى العمومية من يوم ارتكاب الجريمة، طبقا لمقتضيات المادة 5 ق م ج، من شأنه أن يؤدي إلى نوع من إفلات مرتكبي هذه الجرائم من المتابعة، خاصة إذا علمنا أن الركن المفترض الأساسي في هذه الجرائم هو الموظف العمومي، وأن استمرار هذا الأخير في وظيفته يتيح له، في حالة ارتكابه لجريمة فساد، فرص التستر عليها إلى حين مرور مدة التقادم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجنح التي تتقادم في التشريع الحالي بأربع سنوات فقط.
كما تعتبر الهيئة أن التعديلات التي جاءت بها المادة 7 والرامية إلى اشتراط حصول الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل حسب الضوابط التي يحددها نص تنظيم لانتصابها كطرف مدني، من شأنها أن تحد من إمكانيات انتصابها كطرف مدني أمام القضاء، وأن تمس بمكانة هيئات المجتمع المدني الجادة، سواء من جانب مكانتها الدستورية أو من جانب المقتضيات القانونية ذات الصلة بالحريات العامة، خاصة وأن الهيئة ترى أن التراجع عن صيغة النص الحالي للمادة 7 لا يستند على مبررات قوية داعمة له، بل ربما يشكل مجرد استنساخ مجتزأ لمقتضى قانوني مقارن، أمام كون قانون المسطرة الجنائية الحالي يشترط لقبول انتصاب الجمعيات بشكل عام كطرف مدني الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة.
وبالتالي ترى الهيئة أن هذا المقتضى سيشكل تضييقا غير مستساغ على حق الجمعيات الجادة في الانتصاب كطرف مدني، ولو لمجرد مظنة اعتبار الإذن المطلوب قد يخضع لتقديرات غير قضائية يتولاها جهاز تنفيذي.


الكاتب : ع. الريحاني

  

بتاريخ : 24/04/2025