الصرخة التي ارتفعت من ساكنة أكادير في وجه رئيس المجلس البلدي، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس الحكومة، ليست مجرد احتجاج محلي عابر، بل تحمل دلالات عميقة تمس جوهر البناء المؤسساتي والاختيارات التشريعية في المغرب.
أول هذه الدلالات أن المشرع المغربي، عبر الدستور والقوانين التنظيمية، حدد قواعد واضحة للجمع بين المهام الانتدابية، فجعلها مقيدة بهدف واحد: ضمان الفعالية وتفادي تضارب المصالح. لذلك نُصّ في القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب على منع الجمع بين العضوية البرلمانية ورئاسة أو عضوية بعض المجالس الترابية الكبرى، كما نص القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على منع حالات التداخل التي قد تضع المنتخب في موقع تعارض بين مهام محلية وجهوية أو وطنية.
غير أن الاستثناء الذي يثير الكثير من التساؤلات هو السماح لرئيس الحكومة نفسه أن يجمع بين رئاسة الجهاز التنفيذي الوطني ورئاسة جماعة ترابية، في حين يُمنع نائب برلماني من الجمع بين مهمته ومجلس عمالة أو إقليم! أليست المفارقة صارخة؟
من الناحية الدستورية، الفصل 47 من دستور 2011 ينص على أن رئيس الحكومة “يمارس السلطة التنفيذية”، وهو مسؤول عن السياسات العمومية الكبرى، ويمثل الدولة في علاقتها بالمجتمع وبالعالم. فهل من المنطقي أن يُضاف إلى هذه المسؤوليات الثقيلة تدبير قضايا يومية محلية من قبيل التهيئة الحضرية، جمع النفايات أو إشكالات النقل؟
الجواب البديهي أن هذه المسؤوليات المحلية مُناطة أصلاً بالجماعات الترابية بموجب الفصل 136 من الدستور، الذي ينص على أن “التنظيم الترابي للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن”، وأن الجماعات الترابية “تساهم في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها”. إن الجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة جماعة ترابية لا يُعتبر فقط عبئاً زمنياً ومؤسساتياً على من يشغل المنصبين، بل يطرح إشكالية مبدئية: كيف لرئيس حكومة أن يظل محايداً وممثلاً لكل المواطنين وهو في الآن نفسه طرف مباشر في تنافس محلي داخل جماعة محدودة السكان؟ أليس في ذلك ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين السياسيين المحليين، وتعزيزٌ لمركزة السلطة بدل تنزيل الجهوية المتقدمة التي بشّر بها الدستور؟
ثم إننا إذا قبلنا بهذا المنطق، فإن الوزراء أنفسهم يمكن أن يواصلوا رئاسة مجالس بلدية كبرى، وهو ما يحصل فعلاً في أكثر من مدينة. والنتيجة: تركيز السلطة في يد التحالف الحكومي، بما يفرغ الجماعات من استقلاليتها التي ضمنها لها القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
والأهم أن منطق تدبير الشركات لا يصح نقله ميكانيكياً إلى المجال الإنساني والمجتمعي والسياسي؛ فالبشر ليسوا مجرد أرقام أو حاجيات تُقاس بالميزانيات أو الجداول المحاسباتية. الإنسان هو الذي يخلق السياسة ويتفاعل معها من أجل المستقبل، والإنسان هو محور القرار العمومي وليس معطىً مادياً يُدار بآليات التدبير البارد.
إن صرخة أكادير ليست مجرد تعبير عن تذمر محلي، بل هي ناقوس خطر يذكّرنا بضرورة مراجعة النصوص التشريعية بما يحقق الانسجام بين مبدأ منع التنافي المنصوص عليه قانونياً، وبين واقع الممارسة الذي يُفرغ هذا المبدأ من محتواه. فإما أن نُفعّل قاعدة تكافؤ المعايير على الجميع، أو نقر بأننا بصدد استثناءات تضعف ثقة المواطن في دولة القانون.
رئيس حكومة برأسين صرخة أكادير تفضح ازدواجية السلطة وخرق مبدأ منع التنافي
