ضمن منشورات مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، صدرت في الآونة الأخيرة الترجمة العربية لكتاب ‘رحلات الشاطر: مسلم من القرن السادس عشر بين عالمين’ للباحثة الأمريكية ‘ناتالي زيمون ديفيس’. والترجمة من توقيع المترجم محمد جليد. وتمثل ترجمة هذا العمل المهم إلى العربية إضافة قيمة للمكتبة العربية، حيث ستثري النقاش حول التفاعلات الثقافية والتاريخ من منظور مختلف، وستمكن الباحثين والقراء على حد سواء من التعمق في فهم هذه الفترة الزمنية الحساسة من تاريخ المغرب، وكذا فهم الشخصيات الفاعلة فيها.
ستمكن هذه الترجمة القارئ العربي من الغوص في التحليل العميق الذي تقدمه ‘ناتالي زيمون ديفيس’ لحياة الحسن الوزان، تلك الشخصية الفريدة التي عاشت في القرن السادس عشر متنقلة بين عوالم إسلامية ومسيحية. لا يقدم الكتاب سيرة مبسطة، بل يتجاوز ذلك ليصبح دراسة شيقة في الهوية والمرونة الثقافية والدينية. وتفكك ‘ديفيس’،من خلال تتبع رحلات الوزان من غرناطة والمغرب إلى أسره في إيطاليا واعتناقه المسيحية، مفهوم الانتماء الثابت والمتحول، وهي تسلط الضوء على قدرة الأفراد على التكيف وصياغة هوياتهم في سياقات متغيرة.
في هذا السياق، يقول محمد الفران، نائب مدير مؤسسة آل سعود، إن هذا العمل يستعيد»حياة في الوزان، الدبلوماسي والرحالة المولود في غرناطة، التيامتدت عبر القارات والأديان والسياسات المضطربةخلال القرن السادس عشر… تتناولالمؤرخة ‘زيمون ديفيس’، المعروفة بدراساتها حول أوروبا الحديثة المبكرة، قصته الاستثنائية لتستكشف قضايا الهوية والتبادل الثقافي والحدود الفاصلة/ الواصلة بين المسيحية والإسلام خلال عصر النهضة.»
ويضيف أن الكتاب يتابع «رحلة الوزان منذ نشأته في فاس حتى أسره على يد قراصنة مسيحيين في البحر الأبيض المتوسط، واعتناقه المسيحية تحت حكم البابا ‘ليو العاشر’، وسنواته اللاحقة، بوصفه جغرافيا محترما في إيطاليا بفضل عمله الرئيس ‘وصف أفريقيا’. لقد أصبح هذا الكتاب نصا أساسيا لدى الباحثين الأوروبيين الشغوفين بمعرفة القارة الأفريقية. وبخلاف صورة الجغرافي المتميز الحاذق في الكتابة والوصف، تصور ‘زيمون ديفيس’ الوزان بأنه شخصية شاطرة، بل ‘محتالة’ ومتغيرة تستخدم الذكاء والمكر والبراعة الفكرية للبقاء على قيد الحياة في عالم محفوفبالصراعات الدينية والطموحات الاستعمارية.»
يشار إلى أن الكتاب يبين كيف استغل الحسن الوزان معرفته الواسعة بالثقافتين لتقديم نفسه بصور مختلفة، وكيف وظف ذكاءه وفطنته- وهو ما يعكسه العنوان العربي ‘الشاطر’- للتنقل بين هذه العوالم. كما يحلل الكتاب كتابه الشهير ‘وصف أفريقيا’ ليكشف عن الاستراتيجيات السردية التي استخدمها لتقديم صورة عن شمال أفريقيا للجمهور الأوروبي، مع الأخذ في الاعتبار موقعه المعقد وتحولاته الشخصية.