سوف نفتقد عمود «ما أؤمن به» بمجلة «جون أفريك»، الذي تعودت على قراءته مند عدة سنوات، والذي يحلل صناعة القرار السياسي في إفريقيا والعالم، بكل تلقائية وحرية، وكان صاحبه من الجيل الأول لما بعد استقلال المغرب الكبير، شارك في المسؤولية بتونس كأصغر وزير في عهد الرئيس بورقيبة سنة 1956، وذلك عندما كان عمره 28 سنة، لكنه اختار ممارسة الصحافة بدل العمل السياسي، كما كان البشير بن يحمد ضمن الوفد التونسي الذي أجرى المفاوضات مع فرنسا من أجل الحصول على الحكم الذاتي قبل تحقيق استقلال البلاد.
وهو أول عضو يستقيل من الحكومة بعد استقلال تونس لإنشاء «جون أفريك»، التي أضحت مجلة مرجعية بالنسبة للنخبة السياسية، لاسيما الفرونكفونية في القارة الإفريقية.
ومجلة جون افريك لها مسار طويل، تأسست في تونس سنة 1963، قبل أن ينتقل طاقم تحريرها إلى العاصمة الإيطالية روما ثم العاصمة الفرنسية باريس، حيث استمرت حتى الآن.
المغرب وقادته لهم علاقة خاصة بالبشير بن يحمد وبالمجلة، وهي علاقة لم تكن دائما سهلة، لكن قرب بن يحمد من قادة الحركة الوطنية مثل المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، كان سهل التواصل ويعيد المياه إلى مجاريها بعد كل أزمة، كما أن وجود صحفي مغربي كمسؤول عن التحرير بها وهو حميد برادة سهل أيضا هذا التواصل مع قادة المغرب.
وكانت القيم التي تجمعهما هو دعم حركة تحرر الشعوب التي نالت استقلالها في مطلع ستينيات القرن الماضي بإفريقيا، وقام بدور نشط في كل المعارك التي شهدها تاريخ القارة منذ ذلك الحين، وكان ضمن جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا بباريس، التي ضمت أغلب نخب المنطقة المغاربية، التي كانت تطمح إلى مغرب كبير موحد، وكان مع مغربية الصحراء وهو ما كان يزعج قادة الجارة الشرقية، ومن الصدف أنه في يوم وفاته، الاثنين 3 ماي، توصلت المجلة برسالة من سفير الجزائر بباريس احتج فيها على نشر خارطة المغرب كاملة.
مواقف المجلة ومواقف الرجل جعل مجلته تتعرض لعمليات إرهابية عدة مرات، عمليتان إرهابيتان ضد مقر المجلة من طرف منظمات اليمين المتطرف الفرنسي بسبب دعم تحرر الجزائر عن فرنسا، وكانت أخطر العمليات هي التي تعرضت لها سنة 1986، ويتعلق الأمر بالتفجير الذي استهدف مقر المجلة بباريس وهي العملية التي تم نسبها إلى عملاء العقيد القدافي.
طريق هذه المجلة التي رافقت استقلال أغلب بلدان القارة الإفريقية لم تكن مفروشة بالورود، لكنها تمكنت رغم ذلك من تجاوز عدة صعوبات وأزمات، بل استطاعت أن تتأقلم مع الثورة الرقمية التي قضت على أغلب المجلات والجرائد، وتحولت من أسبوعية إلى مجلة شهرية اليوم.
عملت بالمجلة أسماء مغربية كبيرة، مثل الصحفي الكبير حميد برادة، والأديبة الحاصلة على جائزة الكونكور ليلى السليماني، كما عمل بها جون دانيال، مؤسس مجلة النوفيل اوبسيرفاتور الفرنسية، وكذلك الأديب اللبناني عضو الأكاديمية أمين معلوف.
كما أن البشير بن يحمد التقى كبار العالم في القرن الماضي، سواء جمال عبد الناصر، أحمد بنبلة، سيكوتوري، باتريس لومامبا، المهدي بنبركة، شي غيفارا، فيديل كاسترو، هوشي مينه، فرنسوا ميتران، الحسن وترا، ميشيل روكار، وعبدو ضيوف.
وفي البيان الذي سلمته عائلة الراحل للإعلام يقول، «إن البشير بن يحمد هو مؤسس مجلة «جون أفريك» قبل ستين عاما»، وأوضحت الصحيفة في بيانها أن «بن يحمد توفي عن عمر يناهز 93 عاما في باريس التي كان في أحد مستشفياتها منذ نهاية مارس بعد إصابته بفيروس كورونا.
وبعدما تولى إدارة صحيفة «لاكسيون» عام 1956، أطلق عام 1960 مجلة «أفريك أكسيون» التي سميت في السنة التالية جون أفريك».
وذكرت «جون أفريك» في بيانها بأن الراحل «واصل أولا مسيرتيه المهنيتين الوزارية والصحافية في الوقت نفسه، لكنه اختار الثانية لاحقا، وقرر عام 1962 مغادرة تونس إلى روما لكي يتيح لنفسه أن يكون مستقلا «، ثم «انتقل بعد عامين إلى باريس التي لا تزال المجموعة تتخذها مقرا».
ومن العاصمة الفرنسية طور المجلة التي أصبحت على مر السنين تشكل مرجعا إعلاميا لكل ما يتعلق بإفريقيا الناطقة بالفرنسية، وبات يطلق عليها أحيانا اسم «الدولة الإفريقية الخامسة والخمسين».
وأوضحت المجلة التي أدارها بن يحمد مدة طويلة أن الهدف من تأسيسها كان «دعم حركة تحرر الشعوب التي نالت استقلالها في مطلع ستينيات القرن الماضي»، مذكرة بأنها أدت «دورا نشطا في كل المعارك التي شهدها تاريخ القارة منذ ذلك الحين.»
وفي ظل إدارته، تحولت «جون أفريك» إلى مجموعة سميت «جون أفريك ميديا غروب»، تضم مجلة بالإنكليزية وأخرى متخصصة في الأخبار الدولية ونشرة إخبارية اقتصادية.
وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سلم بن يحمد مقاليد «جون أفريك» ألى أبنائه ومدير التحرير فرانسوا سودان، وعملت زوجته دانييل معه أيضا وأسست دار نشر تابعة للمجموعة.
وتشهد مجموعة «جون أفريك» تحولا رقميا سرعته أزمة كورونا. وأصبحت المجلة التي كانت تصدر أسبوعيا شهرية وأطلقت المجموعة في نهاية عام 2020 خطة إعادة هيكلة.