بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، ودّع الوسط الفني والثقافي المغربي الفنان التشكيلي حسن جميل، أحد رواد فن البورتريه الذي رحل تاركا خلفه إرثا فنيا غنيا، ومسيرة حافلة بالعطاء والإبداع. كان الراحل من أبرز الفنانين الذين وهبوا حياتهم للفن والجمال، وجعلوا من مدينة فاس منبعاً لإلهامهم ومرآة لأعمالهم.
منذ بداياته الفنية في سبعينيات القرن الماضي، ظل حسن جميل وفيا لفاس، يرسم ملامحها ويستحضر تاريخها العريق في لوحاته.
كانت المدينة بالنسبة إليه رمزا للروح والذاكرة، تظهر في أعماله من خلال الأزقة والحارات والأسوار والفضاءات ، حيث يلتقي الضوء بالظل في انسجام بصري مدهش. لقد استطاع أن يخلّد فاس عبر مئات اللوحات التي صارت وثائق بصرية نابضة بحب المكان.
في ذروة الجائحة، حين خيّم الخوف على العالم، اختار الفنان الراحل أن يواجه الخطر بألوان الحياة. في لوحته الشهيرة “كورونا”، جسّد هيمنة الفيروس على الكوكب ومعاناة الإنسان أمام المجهول، فحوّل الألم إلى صرخة تشكيلية مفعمة بالتأمل والإنسانية. كانت تلك اللوحة بمثابة وثيقة فنية تُؤرّخ لمرحلة عصيبة من تاريخ البشرية، كما قدم خلالها عدداً من الأعمال الطبيعية الزاهية التي أعادت للطبيعة بهجتها المفقودة.
لم يكتفِ الراحل حسن جميل بالرسم، بل أبدع أيضاً في فن النحت، ليمنح المادة الصلدة روحاً جديدة. من أبرز أعماله منحوتة الفارس المغربي عند مدخل فندق منزه زلاغ بفاس، وأسداي فاس المنحوتين بالنحاس على طول شارع الحسن الثاني، وهما من أبرز العلامات الجمالية التي تزين المدينة اليوم. كان الحسن الجميل يرى في النحت امتداداً للرسم، وفي الجمال رسالة إنسانية تتجاوز الزمان والمكان.
إلى جانب إبداعه التشكيلي، خاض الراحل تجربة إعلامية مهمة في سبعينيات القرن الماضي من خلال تأسيسه وإدارته لجريدة “هنا فاس”، التي احتضنت أسماء إعلامية محلية ووطنية . كما اهتم بالمسرح في تلك الفترة، مؤمنا بأن الفن بمختلف أشكاله جسر يربط الإنسان بالمعنى، وأن الإبداع لا يعرف حدوداً. عرض حسن جميل أعماله في فاس والدار البيضاء وألمانيا وأفينيون بفرنسا، حيث لاقت لوحاته استحسان النقاد والجمهور على حد سواء. كان دائم البحث عن تجديد اللغة التشكيلية، مؤمناً بأن الفن هو الذاكرة البصرية للأمم، وأن كل لوحة هي محاولة لفهم العالم بلغة الجمال برحيله، تفقد الساحة التشكيلية المغربية فنانا كبيرا وإنسانا نبيلاً، ظل طيلة حياته يحمل مشعل الجمال ويزرع الأمل في نفوس من حوله.لقد عاش حسن جميل للفن، ومات وهو يخلّف وراءه إرثاً جميلاً من اللوحات والمنحوتات والذكريات التي ستظل تشهد على نبله وعمق رؤيته الفنية.
رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته.

