نجم آخر من نجوم الفن والإبداع يأفل ويغادر مسرح الحياة عن سن 87 عاما، بعد عقود حافلة بالعطاءات وأيضا بالغبن الذي صاحبه في أيامه الأخيرةن بما في ذلك مشاكل صحية ومالية.
لقد قتلت الإشاعة أكثر من مرة الفنان الكبير محمد الخلفي، حتى في يوم رحيله، أول أمس السبت، حينما تم الإعلان عن وفاته بمنزله بدار بوعزة، لكن قلب الفنان محمد الخلفي أبى إلا أن يكذب هذه الإشاعة مرة أخرى، وهو في غيبوبة، ليتم نقله إلى المستشفى، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة كما شاء القدر، وربما كما شاء هو أيضا .
محمد الخلفي عاش وحيدا، ليس لديه أطفال أو زوجة، إذ كشف في العديد من الحوارات، أنه يستقر بمفرده في منزله، ومما زاد من ألم الوحدة والانعزال، إصابته بمرض السكر، مما أثر على ساقه وجعله طريح الفراش.
محمد الخلفي كان فنانا رائدا، قدم إسهامات كبيرة في مجال الفن، حياته الفنية الغنية شهدت العديد من الأعمال التي لا تزال تعشق من قبل الجمهور المغربي .
ولد محمد الخلفي في الدار البيضاء بتاريخ 2 مارس 1937، لعب أدوارا مختلفة على خشبة المسرح وشارك في العديد من اللقاءات والعروض الفنية والمسرحية.
أول لقاءٍ له مع المسرح كما تقول سيرته الفنية، كان عام 1957 في مسرح الهواة برفقة الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج وغيرهما، وبعدها بدأ مسيرته برفقة أسماء أخرى في الميدان المسرحي.
أسس الفقيد محمد الخلفي في سنة 1959 فرقة “المسرح الشعبي” ثم فرقة “الفنانين المتحدين” التي قدمت سبعة مسرحيات، أولها مسرحية “العائلة المثقفة” التي لعبت فيها الفنانة ثريا جبران دور البطولة. كان أيضا من الأوائل الذين التحقوا بالتلفزيون منذ انطلاقته الأولى بالمغرب بداية ستينيات القرن العشرين، حيث قدم أول مسلسل تلفزيوني بوليسي يحمل عنوان “التضحية”، ثم بعد ذلك مسلسل “بائعة الخبز”.
شارك الراحل في العديد من الأعمال، منها فيلم “سكوت، اتجاه ممنوع” للمخرج عبد الله المصباحي، وفيلم “هنا ولهيه” للمخرج محمد إسماعيل، إلى جانب مشاركته في المسلسل التاريخي “ملوك الطوائف”، وكان أحد أفراد عائلة بنزيزي في سلسلة “لالة فاطمة” التي أنتجتها القناة الثانية.
فنانون ومواطنون مغاربة، نعوا الفنان الكبير محمد الخلفي، إذ نعاه الفنان عبدالكبير الركاكنة، وكتب على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك “الله أكبر… وفاة الفنان الكبير محمد الخلفي بعد معاناة مع المرض الله يرحمه بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته…
تعازينا الحارة لأسرته الصغيرة والكبيرة ولجميع أصدقائه ومحبيه. إنا لله وإنا إليه راجعون”.
الفنان محمد الشوبي هو الآخر نعى الفنان محمد الخلفي، وكذلك الفنانة فاطمة بوجو التي كتبت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلة ” توفي اليوم الفنان محمد الخلفي، وهو ابن خال الممثلة الشعيبية العذراوي ….رحمه الله وأكرم مثواه، ممثل مسرحي وتلفزي يغادرنا اليوم إلى دار البقاء …تعازينا لكل المغاربة في وفاة أحد رواد الفن ببلادنا .إنا لله وإنا إليه راجعون، يذكره الجمهور كثيرا بشخصيته بنزيزي في “سيت كوم” “لالة فاطمة” على دوزيم …مع أن له أعمال أخرى، وقد كان مسلسل “التضحية” هو أول مسلسل يظهر فيه الممثل الخلفي على شاشة التلفزة ..وبعده “بائعة الخبز “، له مسار طويل في المسرح بدأه من خلال مسرح الهواة مع المرحوم الصديقي في 1957..ثم مع المرحوم أحمد الطيب لعلج …
وفي 1959 أسس الفرقة المسرحية ” المسرح الشعبي”،وبعدها فرقة الفنانين المتحدين التي قدمت سبعة أعمال مسرحية، منها العائلة المثقفة كانت فيها الممثلة المرحومة ثريا جبران..
الفنانتان كريمة وحسناء البدوي، نعتا باسم مسرح البدوي، رحيل الفنان محمد الخلفي الذي اكتشفه عميد المسرح المغربي صدفة بدرب السلطان سنة 1958 حيث كان بائعا بسيطا للنعناع، وكان عبدالقادر البدوي وقتها يعرض بسينما رويال بقيسارية الحفاري بدرب السلطان في مدينة الدارالبيضاء مسرحية “في سبيل التاج” للكاتب محمد لطفي المنفلوطي عن فرانسوا كوبيه، وكان يشاركه في تشخيص المسرحية من الفنانين الممثل مصطفى الثومي في دور “برانكومير”، الذي غادر فجأة العرض وحتى لا تتوقف العروض المسرحية، وبما أنه وقتها لم يكن هناك لا معاهد ولا مكاتب “كاستينج” فقد كان عبد القادر البدوي المنتج والمخرج يصنع الفنانين من عامة الناس الراغبين في تعلم مهنة ترتقي بمستواهم المادي و الاجتماعي.
وهكذا تقول حسناء البدوي وشقيقتها كريمة البدوي في تدوينة باسم مسرح البدوي على الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انضم محمد الخلفي إلى مسرح البدوي بمركز تكوين الممثل بدرب الفقراء وتعلم على يد عميد المسرح المغربي أبجديات المسرح وقدم أولى عروضه المسرحية بديلا لمصطفى الثومي في مسرحية “في سبيل التاج” أمام عبد القادر البدوي في دور “قسطنطين” باللغة العربية الفصحى. ثم قدمه عبد القادر البدوي في مسرحية من تأليفه وإخراجه “يد الشر” التي شاركت أيضا فيها كتلميذة لعبدالقادر البدوي ٱنذاك الفنانة نعيمة المشرقي، وفي تلك الفترة تم تعيين الطيب الصديقي مديرا للمسرح البلدي فدعا كل خريجي مسرح البدوي من فناني مسرحية يد شر لعبدالقادر البدوي إلى العمل معه في المسرح البلدي، لكن بعد فترة وجيزة اختلف محمد الخلفي مع الطيب الصديقي وترك المسرح البلدي، وعاد ليتألق من جديد مع مسرح البدوي حيث قدمه عبد القادر البدوي في مسرحية التطهير سنة 1962، وهي مسرحية سياسية من تأليف وإخراج وبطولة عبدالقادر البدوي، تعرض بسببها لمحاولة اغتيال تحدث عن ملابساتها في كتابه سيرة نضال، مما اضطره إلى تغيير اسم العرض إلى مسرحية غيثة، وقدمها في عروض جماهيرية في مختلف أنحاء المملكة وفي جولة بمختلف مدن الجزائر .
كما قدم محمد الخلفي، تقول ذات التدوينة، مع مسرح البدوي، مسرحية “الجربة في الميزان” دراماتوجيا وإخراج عبدالقادر البدوي، وقد أنتج له عبدالقادر البدوي مسرحية “طالب معاشو”وقدمه كمخرج لأول مرة.
تكوين محمد الخلفي في مسرح البدوي وتتلمذه على يد عميد المسرح المغربي الأستاذ عبدالقادر البدوي الكاتب والمخرج والنجم المسرحي والمنتج، خلق عند محمد الخلفي حلما، أن تكون له هو أيضا فرقة مسرحية مستوحاة من المدرسة الأم مسرح البدوي، وقد أسس فرقته في الثمانينيات وقدم مجموعة من العروض المسرحية قاسمته فيها البطولة الفنانة سلوى الجوهري، لكن هذه التجربة لم تستمر طويلا ليقرر الخلفي الاكتفاء بالتمثيل فقط.
وقد تألق في العديد من الأعمال المغربية والعربية، وظلت تجمعه علاقة طيبة بأستاذه ومكتشفه وزميله عميد المسرح المغربي الأستاذ عبدالقادر البدوي حتى ٱخر أيامه
رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن
الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 23/12/2024