رحيل الممثل الفرنسي الكبير ميشيل بوكي

بعد ما يقارب 75 سنة من العمل والإبداع، توفي الممثل الكبير ميشيل بوكي يوم 13 أبريل 2022، عن عمر 96 سنة، وذلك بأحد المستشفيات الباريسية.
بدأ ميشيل بوكي، المولود يوم 6 نونبر 1925 بباريس، مساره الفني وهو في سن 17 سنة بالمسرح الوطني شايو في دور روبيسبير، مع متابعة دراسته الفنية بالمعهد الوطني العالي للفن المسرحي.
لقد أمكن لهذا الممثل أن يلعب للمسرح أكثر ما لعب للسينما. هكذا قدم أكبر أدوار الريبرتوار الفرنسي والعالمي، من موليير وعلى الخصوص موليير، جون أنويي، صمويل بيكيت، توماس برنار، هارولد بنتر، ألبير كامي، فيكتور هيكو…
لقد كان أقل حظا في السينما حيث لم تعرض عليه إلا الأدوار الشريرة. نتذكره في فيلم «L’Attentat» لإف بواسي عن اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة. كان يؤدي دور أحد المحامين المشكوك في أمرهم وكان يقوم بحماية (جورج فيكون) أحد المجرمين في قضية الاختطاف.
في السينما دائما، كان أحسن أدواره هو الرسام الكبير «رونوار» سنة 2013 للمخرج جيل بورداص حيث كان يشخص دور فنان عجوز يكاد يرسم بعناء.
إن الفيلم الوحيد الذي تفوق فيه بامتياز هو دور الرئيس فرانسوا ميتيران (في نهاية حياته) «المتجول في ساحة مارس» للمخرج روبير كيديكيان والذي حصل من خلاله على الجائزة المشرفة «سيزار» لأحسن ممثل سنة 2005. لم يكن في هذا الفيلم يقدم ميتيران الذي نعرف أي السياسي الخطير، المقاتل، الرابح في كل الانتخابات، والذي دفن جسكار وانتصر على شيراك. بل قدم لنا رجلا اسطوريا كبيرا يحب الآداب والكتب القديمة للثقافات الكبرى للأمس واليوم.
نذكر كذلك الفيلم الكبير للمخرج روبير حسين «البؤساء» سنة 1982 عن الرواية الخالدة لفيكتور هيكو حيث أدى ببراعة دور عميد الشرطة جلافير.
هذا المسار الفني الاستثنائي منحه الفرصة للعب بجانب أكبر الممثلين الفرنسيين من جيرار فيليب، لينو فونتيرا، بيير ريشارد، جان مورو، وآخرين. كما منحه حظ الاشتغال، سواء في المسرح أو السينما، تحت إدارة أكبر المخرجين أمثال فرانسوا تريفو، كلود شبرول، روبير حسين، فرانسوا فيبير وآخرين.
في فترة من حياته، لم يعد شابا. لكنه قبل، بإلحاح من جاك روسنير مدير المعهد العالي، فكرة إعطاء درس في التشخيص، لمدة خمس سنوات لا أكثر.
لقد تردد في البداية معتقدا أن لا نظرية له. بعد مرور خمس سنوات أصبح يقول إنه أخيرا يملك بداية نظرية. بالنسبة إليه فالممثل المتعلم يعرف طبيعته كرجل ولكنه لا يعرف طبيعته كممثل. دور الأستاذ هنا هو أن يقوده شيئا فشيئا لكي يكتشف أي ممثل هو. وقد اختار ألا يدرس إلا السنة الأولى حتى يمكن الطلبة من عدم إضاعة الغني والتنوع الذي يزخر به المعهد. وقد كان الطلبة، وضمنهم كاتب هذه السطور، مبتهجين لهذا التوجه.
كل السؤال الذي كان يطرحه كأستاذ هو كيف نتعامل مع النص؟ كيف نقرأه، ونجعله منا، ونكون هكذا مالكين للنص. في هذه الحالة نجد أكبر المخرجين يتركون الحرية للممثل، ولا يقدمون له أي توجيه، لأنه قد فهم كل شيء.
ومع ذلك فإن هذا الهرم، ميشيل بوكي، قد قدم بامتياز كل النصوص الفرنسية والعالمية بنجاح وبدون أدنى صعوبة. لقد قدم على الأخص موليير الذي خصص له كتابا «ميشيل بوكي يحكي موليير». قدم لموليير على الخصوص «ترتوف» حتى نهاية مساره الفني، ثم «المريض بالوهم»، «الطبيب بالرغم عنه»، «دون جوان». كما قدم «الملك يحتضر» ليونيسكو، «في انتظار جودو» لصمويل بيكيت ومسرحيات أخرى.
وقد منحته الأكاديمية جائزة «موليير» سنة 2016 عن كل مساره الفني.
اقترح عليه دور. ولكنه اعتذر لأنه أحس بالعياء بعد مسار 75 سنة، وقرر التقاعد بتقديم مسرحية «ترتوف» لموليير، وللمرة اللانهائية، في إخراج لأحد طلبته (ميشيل فو) الذي يقاسمه التشخيص في المسرحية سنة 2017.
كان يكرر في نفس السنة:
«لا أتخيل أن أتوقف عن ممارسة المسرح». ويختتم بالقول «فعلت ما استطعت أن أفعل كما استطعت، ولم أطرح على نفسي الكثير من الأسئلة».


الكاتب : عبد الواحد عزري

  

بتاريخ : 20/04/2022