رحيل وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان ديما عن سن تناهز 101 سنة

في آخر حوار له مع الاتحاد الاشتراكي

السياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة سياسة سيطرة واستعمال القوة، والتجربة بينت أنها سياسة فاشلة

رولان دوماس، المحامي والسياسي الفرنسي، شغل مجموعة واسعة من المناصب خلال مسيرته، ومن بينها وزير للعلاقات الخارجية في حكومة فرانسوا ميتران (1981-1986) ووزير للشؤون الخارجية (1988-1993). كان ابنًا لـ إليزابيث ليكانويت وجورج دوماس، موظفًا مدنيًا في منطقة ليموج ومقاومًا اشتراكيًا ضد الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نقل أسلحة للمقاومة. تم اعتقاله بعد تنظيم مقاطعة لأوركسترا فيلهارمونيك برلين من قبل طلاب فرنسيين. بعد الحرب، أكمل دراسته في القانون والعلوم السياسية في الـ “Ecole libre des sciences politiques” و»London School of Economics». كان محاميًا وصحفيًا، ودافع عن جان مونس، الأمين العام للجنة الدفاع من تهم الإهمال في قضية اتهم فيها مساعده بتسريب أسرار الأمن القومي إلى الشيوعيين. أصبح قريبًا من فرانسوا ميتران، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاشتراكي للمقاومة .
ديما كان وزيرا للخارجية الفرنسية لحكومة ميتران ولعب في وقته دورا كبيرا في الشرق الأوسط إبان الحرب بلبنان واتفاق الطائف وكذلك الحوار الفرنسي مع إيران . توفي رولان ديما عن سن تناهز 101 سنة.
في هذه الورقة نعيد نشر آخر حوار له مع الاتحاد الاشتراكي في شتنبر 2006، وفيه يعطي رأيه حول الهجمة والعدوان الذي تعرض له لبنان وانعكاس ذلك على الأوضاع بالمنطقة والسياسة الأمريكية.

o o كيف تقيم العدوان الإسرائيلي على لبنان؟

n n أعتبره مبالغا فيه ويتجاوز كل الحدود المسموحة. وهذا الرأي يتقاسمه العديد من الدول و المراقبين والسياسيين. والهدف المعلن كان هو استرجاع ثلاثة إسرائيليين لكنه لم يتكلل بالنجاح. لكن النتيجة كانت هي تدمير بلد مستقل وذي سيادة بكامله، وهذا العدوان تسبب في وضعية دولية متأزمة، ولا أعتقد أن قرار الأمم المتحدة بإمكانه أن يجلب السلم إلى المنطقة. وبصفة عامة لا يمكن فصل المشكل اللبناني الإسرائيلي عما يحدث في المنطقة. الملاحظ أنه تم الحصول على وقف إطلاق النار وأن قوات أممية دخلت إلى المنطقة، لكنه لم يتم ذكر أي شيء عن المشكل الفلسطيني، ولا يمكننا الاستمرار في تجاهل هذه القضية، وفي غياب حل لها لا يمكن للسلم أن يعود إلى المنطقة، وكذلك كلما تأخر الحل كلما تعقدت الأمور بالمنطقة.

o o حجم هذا العدوان الإسرائيلي تجاوز كل الحدود كما ذكرت، هل كان ذلك ممكنا من دون مباركة أمريكية؟

n n أعتقد أن مسؤولية الأمريكيين كبيرة في كل ما حدث بالمنطقة. وكان عليهم عدم إعطاء موافقتهم على هذا العمل العسكري نظرا للعلاقات الكبيرة التي تجمع ما بين تل أبيب وواشنطن. وفي تصريحات مختلفة أكد الإسرائيليون هذه المباركة الأمريكية. والرئيس الأمريكي لم يتردد في تبرير هذا العمل العسكري، بالجملة المعهودة والمتداولة أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، فليس هناك أدنى شك حول المسؤولية الأمريكية في هذا العدوان.

o o لنعد إلى السياسة الأمريكية في المنطقة، هل خيار القوة العسكرية الذي اختارته الإدارة الأمريكية الحالية وصل إلى الفشل؟

n n السياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة هي سياسة السيطرة واستعمال القوة. التجربة بينت أن هذه السياسة فاشلة، كما تبين في العراق الذي يوجد على أبواب حرب أهلية. ونرى نفس الشيء مع الفلسطينيين المحاصرين.في خرق لكل القوانين الأممية. فالقوة لا تعطي أية نتيجة كما نرى في المنطقة..ووصلنا اليوم إلى وضعية توجد فيها المنطقة أسوأ مما كانت عليه. واليوم في المنطقة تشكلت قوة هي حزب الله وتمكنت لأول مرة من هزم القوة العسكرية الإسرائيلية. فلا يمكننا القول إن استعمال القوة أدى إلى نتائج إيجابية بالمنطقة بل العكس هو الذي حصل.

o o كيف تفسر التردد الفرنسي في الذهاب إلى لبنان؟

n n فرنسا لها ارتباط كبير بلبنان، وأنا نفسي عندما كنت وزيرا للخارجية قدت نفس السياسة تجاه هذا البلد الصديق إلى حد الاصطدام مع السياسة الأمريكية بالمنطقة. وكنت وراء اتفاقيات الطائف التي أعطت نوعا من الاستقرار للمنطقة. الإرادة الفرنسية التقليدية هي بجانب لبنان لكن في نفس الوقت لا ننسى ما حدث سنة 1982 وقضية دراكار. وهو أمر طبيعي أن تطلب تدقيقات وضمانات. وسوف أذهب أبعد من ذلك أن هذه الطلبات الشرعية من طرف فرنسا تم استغلالها من طرف واشنطن وفي الأمم المتحدة، وباسم استكمال النقاش الجاري تم إعطاء الوقت لإسرائيل من أجل تحقيق أهدافها العسكرية بلبنان.
فرنسا قبلت الالتزام في لبنان ولكن في إطار قوات أممية « فينول « من أجل الحصول على ضمانات لكن تم استغلال هذه المفاوضات بشكل رهيب لربح الوقت والسماح للإسرائيليين بالتقدم كما شاؤوا.

o o لكن مهمة هذه القوات الأممية غير واضحة، إسرائيل تقول إن مهمتها هي تجريد حزب الله من سلاحه، وهذه القوات ترى أن ذلك ليس من مهامها؟

دور هذه القوات هو الحفاظ على السلم بالمنطقة، وليس تجريد حزب الله من أسلحته، لأن هذا الحزب هو جزء من بنية الدولة اللبنانية والدولة اللبنانية هي التي عليها تجريده من السلاح وليس أية قوة أخرى. ولا يجب أن ننسى أن هذا الحزب له دور سياسي وعسكري مهم بلبنان. ولا يحق لدولة أجنبية أن تتدخل في شؤون بلد ذي سيادة. وحزب الله ليس مجرد «ميلشيات» بل يلعب أدوارا متعددة داخل المجتمع اللبناني على الصعيد السياسي والاجتماعي والعسكري، وإغاثة الناس ضحايا الحرب. الجنرال عون قام باتفاق مع هذا الحزب، وهو قوة سياسية حقيقية بلبنان.

o o في نظرك كيف ستتطور علاقات التضامن في المنطقة؟

n n علاقات التضامن بين دول المنطقة شيء طبيعي، عندما ترى التضامن الذي تقدمه كل الطوائف اليهودية عبر العالم إلى إسرائيل. ومن جهة أخرى فالشعوب العربية والإسلامية بالمنطقة تحس أنها مهددة من طرف إسرائيل، وهذا الخوف مبني على أساس عندما نرى ما يقع في فلسطين،العراق ولبنان، والتهديدات الموجهة إلى إيران، فكل بلدان المنطقة مهددة، وشخصيا أعتبر أن من حق إيران أن تكون قلقة على أمنها بالمنطقة.

o o الكل لاحظ فشل السياسة الأمريكية بالمنطقة، مؤخرا تحدثت كونديلا رايس، كاتبة الدولة الأمريكية في الخارجية، عن سياسة شرق أوسط جديد، هل هذا يعني فشل سياسة الشرق الأوسط الكبير؟

n n تتحدث عن شرق أوسط جديد؟ ليس هناك شيء جديد، فمنذ الحرب الأولى على العراق كانت الإدارة الأمريكية بواشنطن والبنتاغون تريد تغيير خريطة المنطقة وخلق بلدان على شكل الديموقراطيات الغربية والأمريكية على الخصوص، وهذا خطأ كبير.لا يمكننا أن نفرض على منطقة لها عاداتها، سياستها ولغتها، نموذجا مستوردا من قارة أخرى.

o o رغم هذا الفشل، الإدارة الأمريكية مستمرة في نفس الاتجاه؟

الإدارة الأمريكية الحالية لا يمكنها أن تغير سياستها شهورا قبل بداية الانتخابات، ونعرف قوة إسرائيل وقوة «اللوبي» اليهودي وسط المؤسسات الأمريكية.وفي انتظار الانتخابات فإن مجرى الأشياء لن يتغير كما نتوقع.

o o كيف تقيم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني؟

n n إنه ملف جد معقد وإيران لها العديد من الجوانب في صالحها في هذا الملف، أولا القانون بجانبها مادمت موقعة على اتفاقية عدم انتشار السلاح النووي. وجانب ثان أن لها دعم قوتين كبيرتين هما الصين وروسيا، ولها العديد من الإمكانيات للدفاع عن نفسها، فهي بلد قوي وله ثروة بترولية كبيرة. كما أنها تعمل على تجنب الصراع بين الشيعة والسنة.
وصراع الأمريكيين مع هذا البلد ليس بالأمر الهين وليس نزهة، كما يتصور البعض .

o o الأوربيون هم الآخرون مورطون في هذا الملف؟

n n حاليا، يفكر الفرنسيون في طريقة أخرى للتعامل مع هذا الملف، والدول الأوربية الأخرى تفكر في هذا الاتجاه، كما أن العديد من الشخصيات الدولية والديبلوماسية بدأت تتحدث عن إسرائيل، وهل هذا البلد محق عندما يتحدث عن رغبته في السلام.

o o بالنسبة لك كديبلوماسي وقانوني، هل تعتقد أن الإيرانيين من حقهم الحصول على السلاح النووي أم لا؟

n n ليس لهم الحق على المستوى القانوني لكن على المستوى السياسي لهم الحق في السهر على أمنهم الوطني، لأن قوة عسكرية كبرى وهي إسرائيل توجد بالمنطقة وتهدد أمن بلدانها، ولا تتردد في توجيه تهديدات مباشرة.
وقد سمعنا مؤخرا تصريحات أحد المسؤولين الإسرائيليين الذي هدد أنه في حالة عدم قيام الولايات المتحدة بأي شيء تجاه إيران فإن إسرائيل بإمكانها القيام بذلك. وهذه التصريحات مقلقة وإيران من حقها الخوف على أمنها.
ولا بد من التذكير أنه لحد الساعة فإن إيران لا تطالب بحقها في القنبلة النووية بل فقط تطالب بحقها في استعمال النووي لأغراض سلمية. وما تقوم به إيران في هذا المجال سليم لحد الساعة إلى أن يثبت العكس.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 06/07/2024