ردا على ما جاء على لسان لعمامرة في تفسير غياب الملك!

كم مرة تلٍقى الرئيس تبون رسائل الملك في البريد الدولي العام، وعلى مرأى العالم كله؟
منذ 2008 وهو يسعى إلى تحرير المغرب الكبير من شراسة السياسة ومجون العسكر لدى الجيران، ومنذ ذلك الحين وهو يجدد الدعوة العلنية الواضحة والصريحة، والتي لا تحتاج إلى قراءة النوايا ليعرفها المعني بالأمر ..

 

تصريحات وزير خارجية الجزائر، التي تناول فيها غياب جلالة الملك عن قمة العرب، درس في ما يجب ألا يقوم به أي ديبلوماسي يحترم نفسه، ودرس بليغ في الجهل بالديبلوماسية، وبل بالعلاقات السياسية العادية.
سنعتبر أن كلامه جدي ونحاول أن نفككه بغير قليل من المجهود الجدي!
أولا، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن بلاده “تبلغت رسمياً بغياب ملك المغرب محمد السادس عن قمة الجزائر”، مشيراً إلى أن مشاركته كانت ستحقق فرصة للقاء قائدي البلدين اللذين يعيشان قطيعة»..
وإذا كان من غير الوارد منطقيا أن زيارة الملك تتم بدون لقاء بين القائدين، كما قد نستبعد ذلك عندما نفكر بعقل الأعراف الديبلوماسية السليمة والتصرف السليم بين الدول، وهو في الواقع أمر غير مسلَّم به في حالة الجزائر.
ويكفي أن نعود بالذاكرة إلى الطريقة التي جاء بها مبعوث الرئاسة الجزائرية إلى الرباط، السيد وزير العدل عبد الرشيد طبي، والذي منعوه من شربة ماء في عاصمة الرباط والفتح ، وأجبروه على العودة في الدقيقة التي انتهت فيها الزيارة الرسمية.
ويكفي أن نتذكر الطريقة التي استُقبل بها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، والتي لم يتجشم الوزير فيها عناء التنقل إلى المطار، لكي ندرك الطريقة التي يتصف بها قادة الجزائر، لا للتعبير فقط عن الأحقاد بل لكي يصرفوا ما يعتقدونه تعاليا على الجار الغربي وعلى قيادته.
ولهذا نعتقد بأن العمامرة وهو يقول أمرا بدهيا ومنطقيا في العلاقات الدولية ـ أي الزيارة يلازمها لقاء ـ ، ليست بديهيا إلى الدرجة التي نعرفه بها، بل من المُضْمر أن تكون هناك زيارة ولا يكون هناك لقاء…
ثانيا، يضيف المسؤول الجزائري، وفق الأناضول: “أن رئيس الجمهورية (عبد المجيد تبون) يستقبل كل رؤساء الدول في المطار، وكل رئيس دولة يصل له حديث معه.. وكان من المتوقع أن يكون حديث من هذا النوع بالمطار مع جلالة ملك المغرب ويتقرر على انفراد آنذاك ما إذا كان يمكن القيام به…”.
وهو ما يعني أن رئيس الجزائر كان ينتظر أن يصل ملك المغرب، كرئيس دولة و”يعطيه” الفرصة للحديث عن العلاقات بين البلدين!
لنغضَّ الطرف عم في هذا التضمين من استفزاز، حتى أن الكلام الديبلوماسي الظاهر يبدو كامتداد لسياسة الحرب المعلنة.
وهنا لا بد من توضيح أبجديات عالمية : كم تدوم مراسم الاستقبال، والأحاديث الهامشية التي تصاحبها، ساعة، ساعتين؟ أبدا، بل دقائق معدودات.. لا غير، وغالبا ما يكون الوارد فيها عبارات الود والمجاملة.
والأدق من هذا: أمن المنطقي حقا أن تتم الأشياء بهذه الطريقة، بعد أن فشلت كل الطرق التي سلكها المغرب، بوضوح وعلانية وبطريقة رسمية؟
يريد لعمامرة أن يقول إن ملك المغرب، البلاد التي تغار على نفسها من نسمة الربيع، كان عليه أن يهبط بمطار العاصمة الجزائر وينتظر لقاء عبد المجيد تبون ويتحدثا على انفراد ….في العلاقة بين البلدين؟
أليس هو هذا الرجل نفسه الذي قال إن العلاقات قطعت وسدت الأبواب وأعلن رفض أي وساطة عربية في الموضوع بعنجهية وغطرسة؟
وماذا كان على العالم والمغاربة ضمنهم أن يفهموا من كل السنين الطويلة من العداء البين والثابت والملموس عندما يربطونه بكلام لعمامرة غير أن الرجل يريد أن يعوض ديبلوماسية الأفعال الملموسة ( وهي عدائية) بديبلوماسية النوايا …البعدية !
في التكرار الصبياني للفضيحة، لا أحد يتفوق على وزير خارجية النظام العسكري في اجترار نفس الكلام المغموس في الخبث الفطري الذي جبلت عليه نخبة عيَّنت المغرب عدوا تقليديا منذ زمان بعيد.
فالرجل خرج يفسر غياب ملك المغرب، (ولا أحد أعطاه هذا الحق) وراح يمرن «ذكاءه» السعيد الذي تملكه بمناسبة القمة على تحليل يبيح له بأن يستخرج من الغياب ما يجدي في ديباجاته المكرورة التي تغيب الحقائق لفائدة احتمالات لا أحد يصدقها!
كما لو أن مهارته هي أن يقدم الغياب دليلا على خطأ مغربي في عدم التفسير الجيد لنوايا رئيسه في قصر المرادية!!!!
لنسأل تمهيدا: ماذا فعلتْ الجزائر بالفعل لكي تكون لنوايا مستترة تقديرها رأس الرئيس عبد الجيد تبون، شكل الحقيقة المحتملة؟
النوايا التي شاهدناها كمغاربة تسير على قدمين هي، أنك قد اخترت يوم السبت والعرب مجتمعين على مستوى الخارجية، لكي تصف المغرب بدولة الاحتلال، وتدعو إلى فصل صحرائه عن بقية جسده، ردا على شبه إجماع دولي لصالح قضيته الوطنية، ووحدكم من بين كل دول العالم أصدرتم بلاغا في الموضوع؟
لقد ضيع وزير الخارجية فرصة للصمت، كما ضيع نظامه فرصة للنضج والارتقاء إلى مستوى دولة. عرف بأن القمم تحول التراب الوطني إلى «دائرة ديبلوماسية» في مِلكية الدول المدعوَّة..إن الدولة، طوال مدة الاجتماع تتحول إلى تراب ديبلوماسي يتطلب منها الحماية والوقار والنبل.. وحسن السلوك!
ثالثا: يردف الوزير لعمامرة إلى ما سبق أنه«سيبقى للمؤرخين إصدار الحكم إن كانت هناك فرصة ضاعت للمغرب العربي والعمل العربي المشترك، وكذلك من يتحمل مسؤولية ضياعها»
وصلنا إلى الخلاصة: السيد لعمامرة لا يصارح نفسه ولا يشعر بأن للناس والتاريخ ذاكرة واضحة وصريحة ولا تنصاع لما في السلوك الصبياني من نزعة تقريبية تجعل الجنون “خبطة ديبلوماسية”.
التاريخ المغربي والمغاربي لن يخضع لريع الذاكرات الانتقائية، وهو ذاكرة طويلة، وامتداد يفوق الذاكرات الطارئة عليه كما هو حال وزير نظام نصف مشلول، ولكن نكتفي بالتاريخ القريب ونسأل‫:‬ هل فهم جيدا كلام ملك المغرب عندما قال بأن القمة لحظة هامة في تاريخ العرب، وهل تذوق كلام الملك عندما دعا القادة العرب إلى حضور القمة لعلهم ينقذون ما يمكنهم إنقاذه؟
يبدو أن لعمامرة كان مشغولا بتدبيج البيانات النارية ضد المغرب.
هو نفسه، كما قلنا أعلاه، لم يحرك ساكنا، لاستقبال جاره.
هو نفسه الذي اعتبر بتر صحراء المغرب من المغرب من طرف قناته الدولية الرسمية “لا حدثا” عندما هزمه بخريطة في عقر داره، وكان سيعتبره نصرا يباهي به من سبقوه من أعداء المغرب لو نجح في تمريره في القمة.
هو نفسه الذي ترك الحبل على الغارب لإعلام بلاده في الهجوم المنسق على المغرب والمزايدة عليه.
وهو بذلك من عمل على توفير شروط غياب ملك المغرب وغيره من قادة هذه الدول.
رابعا: رمضان لعمامرة نفسه، عندما ينصت إلى ما يقوله يعود ويُنَسِّب، ‫(‬من النسبية‫)‬ احتمالات هذه الفرصة المتعلقة باللقاء وبالحديث عن مستقبل المغرب الكبير والعلاقات الثنائية، ويتابع في الختام :” لا أقول إنها فرصة مؤكدة، ولكنها كانت قائمة”.
هههههههههههه‫!‬ هل نكتفي بالقهقهات وأنت أول من يشك في أن ذلك كان سيقع أم هو الارتباك عندما يكشف عن خلل في الذكاء؟؟؟
إن ما يقوله لعمامرة في تصفيف غريب للغة الديبلوماسية يعطي لبلاده حظها من العبث: يبني أطروحة كاملة على فرضية أن زيارة، ثم حضور الملك إلى القمة كان سيفتح آفاق حوار ثنائي له تطلعات عربية ومغربية، ثم ينسفها بالتشكيك في الأطروحة برمتها.. الأطروحةthese والأطروحة المضادة anti these.. ولا تركيب Synthese سوى ما نستخلصه من سخرية!
خامسا بلا أسداس: كم مرة تلٍقى الرئيس تبون رسائل الملك في البريد الدولي العام، وعلى مرأى العالم كله؟
منذ 2008 وهو يسعى إلى تحرير المغرب الكبير من شراسة السياسة ومجون العسكر لدى الجيران، ومنذ ذلك الحين وهو يجدد الدعوة العلنية الواضحة والصريحة، والتي لا تحتاج إلى قراءة النوايا ليعرفها المعني بالأمر…
وفي السنة التي نحن نودعها وفي السنة التي قبلها؟
في خطاب يوليوز 2011 بمناسبة عيد العرش، قال جلالة الملك “أتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية حتى يتمكن المغرب والجزائر من العمل يدا بيد من أجل إقامة علاقات طبيعية”.
وقبلها في خطاب المسيرة لسنة 2018. وضع الملك؛ خارطة طريق واضحة وعملية وموثقة ومما جاء فيها”ويشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية.
وبكل وضوح ومسؤولية، أؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.
ولهذه الغاية، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها.
وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين.
وتتمثل مهمة هذه الآلية في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات.
ويمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية.
كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة.
ونود هنا أن نجدد التزامنا بالعمل، يدا في يد، مع إخواننا في الجزائر، في إطار الاحترام الكامل لمؤسساتها الوطنية.”
ونعيد التذكير لا للإسهاب فقط، بل لنقارن بين ديبلوماسية عملية مسؤولة و”قراءة الخط الزناتي ” التي يدعونا إليها السيد لعمامرة.. ويدعو ملك المغرب إلى الجزائر ويفتح له الرئيس عبد المجيد تبون مخه ليعرف ما يدور فيه؟؟؟؟
ولنسأل مجددا:هل كان هناك رد سياسي مقبول ومبادرة من قبيل “إذا حييتم بتحية فردوا بمثلها أو أحسن منها”، ومن طرف نظام الجزائر؟
أبدا.. بل زاد التصعيد وأُغرقت المنطقة في الشك وتعالت دعوات الحرب والتسفيه، وقرعت طبول الحرب، واستدعي الشيطان الإيراني إلى الحفلة ؟
سادسا: هل قام السيد لعمامرة بنفس التقييم لغياب قادة وملوك السعودية والأردن والبحرين والكويت؟
هل أشهد التاريخ على غيابهم عن القمة؟
أبدا.. ذلك لأن الكيل بمكيالين تخصص الجيران، حتى والدولة المغربية تدعوهم إلى حسن الجوار والصفح ..
لطالما ربطت الجزائر كل مآسيها بالمغرب، وربطت بين دفاع المغرب عموقعه العربي وبين محاولة افشال القمة عندها.، وفي الواقع لا أحد سيسعى لإفشال القمة.. ليس من الثقة فيها وفي ما تنتجه من قرارات، أبدا، بل لأن الجزائر تقوم بالمهمة بأفضل وأحسن الطرق!


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 03/11/2022