1
أنا حفيظة.
لا تحزن حبيبي، سأزورك في أحلام اليقظة وفي أحلام النوم. الطرق هنا مفتوحة ومعبدة…
حين يغمرك العبقُ الطالع من أرضنا بعد أول مطرة، أنا من يدق بابك…
وإذ يتفجر نبع الماء من تلك البطن الأسيانة، أنا من تتفجر ضحكتها ليلتئم جرحك…
شُمَّني كلّي في كِسرة الخبز الخارجة من كانون العذاب…
وذوّق مني القطة الشهباء.. لا تنس، حبيبي أن تنيمها في حضنك كما كانت في حضني كل «الليالي حياني»…
لا تتركهم يسرقون منك حضنك، من أجل قطتنا الشهباء…
تماسك…
سأزروك.. الطرق هنا سالكة ممهّدة…
2
أمي الحزينة
أنا في وادي الأطفال
لا طريق هنا، مؤلمة إلى مدرسة.
لا ثعالب تطل من أعين الأغراب والكاميرات..
النور يأتي من كل صوب لنكتشف كلما تبادلنا النظرات أنا كاملون كأزهار لوزتنا…
الليلة جمعت أطفال الوادي
وقرأت عليهم «سويداء» أبي…
هل تذكرينها يمّا الحزينة؟:
«في بلاد سرقت الأشباح وجهها،
جاءت إليّ امرأة عليلة ومضيئة.
قالت: أنا أمك.
قلت: قلبي ناضج مفغور ينتظر…
جاء إلي عجوز أزرق…
قال: أنا أبوك.
قلت: أجل أعرف.
جاءت إلي فتاة بيضاء…
قالت: شممت رائحتك فخرجت أحضنك وأعود إلى قبري.
قلت: أنت أختي. وأنا هنا كي لا تعودي، ولتبقي في حضني…
جاء رجل.
قال: أنا أخوك. لست ذئبا، لست ذئبا…
قلت: وأنا لأجلك تركت نوريَ الكابي حين خامرَتني ظلمتك المكلومة.
وأخيرا جاء من الجهة الأخرى
بين حاشيته وحرسه
من لا أدري…
قال: أنا سيدك، وسيد كل العابرين…
تلفَّت قلبي إلى حجر، والتفت السيد إلى حرسه…
وقامت الأجداث.
وكانت حياةٌ…
وكانت بلادٌ…
تمسح شفتيها المدمّيَتين لِـ «ّتَحُبَّ» على جبين من يسمّيها.
حين أنهيت القراءة تناثرت قبلاتنا في الجهات، وعدونا حتى سبقنا ظلالنا.
3
حزانى لفراقك
أبتي.
لا تقلق على كبدك أختيّ.
هما غافيتان فقط
صامتتان وهادئتان كلؤلؤتين…
يفصلني عنهما فقط، ذلك الجرو الأبيض المشاكس..
أَنَّ من الجوع ساعات، لكنه رفض أن يأكل من إصبعي المنفصلة… الآن وقد غلبه العطش، يلعق من الظلام الحلو الذي يغطينا…
عفوا أبتي سأتركك..
أرى شبحا يخترق الغبار قادما نحونا…
إنها يمّا…
لونها زعفران ويدها مائدة…
4
عزيزي موحا
أنا زيتونتك.
أخيرا وجدت باحة نسخةً من باحة بيتنا الذي أعادته الأرض إلى حضنها. سأغرس فيها جدعي.
سقْوتك الأخيرة لا تزال نُطَفُها تمرح بين أغصني وأوراقي.
لا خوف من حرّةٍ هنا. ثماري نهدَت وأخضرُها اشتعل.
للأشجار هنا أم زيتونة لا شرقية ولا غربية. تقول لنا مطَمئِنةً: سيكون موسم قطاف بديع.
لكني حزينة، حزينة يا موحا.
لن تهشّني يداك بذاك القضيب، ولن تلقُطَ بناتي أناملُ فاضمة ويزة، ولن يدورعلى جسومها النيِّرة حمار يعقوبَ الحكيمِ بِرَحى المعصرة.
5
عزيزتي زينب
أنا عيشة.
هل أقول إني أغبطك؟
حين حملني التراب في أنينه الأخير لم أكن أعرف أن العالم سيأتي نحوك بهذا الجنون.
كم طبطبة على كتفيك، أخشى أن تحني ظهرك…
كم صورة أُخذت لك، أخشى أن تُنسيَك صورتك…
أنا الآن في سوق لا بيع فيه ولا شراء إلا الصور؛ من اشتهى صورة دخل فيها.
أبحث فقط عن صورتك لأدخل فيها.