استمرار التراجع عن مكتسبات المرأة المغربية التي أقرها الدستور
عدم التحلي بالجرأة والشجاعة في معالجة قضايا النساء
ساءل الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، في إطار الموضوع الذي خصص للقضية النسائية، واعتبرت حنان فطرتي، نيابة عن أعضاء وعضوات المعارضة الاتحادية، أن «المسألة النسائية من المواضيع الأساسية التي حظيت باهتمام المغرب في العقود الأخيرة، إذ يلاحظ اهتمام خاص بالمرأة واستحضارها في مختلف المشاريع التنموية إيمانا بدورها الفعال في تحقيق تقدم وازدهار المجتمع. فالنساء يشكلن أكثر من نصف المجتمع، ولا يمكن إطلاقا تجاهل وجودهن أو اعتبارهن كائنا من الدرجة الثانية، بل أثبتت التطورات المتعاقبة، وخاصة على محك الأزمة الوبائية لجائحة كورونا، أنهن يضطلعن بدور مجتمعي رائد يسهم في تعزيز التماسك والتضامن الاجتماعيين.
وقد استطاعت المرأة أن تحصل على كثير من المكتسبات الهامة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والثقافية، بفضل التعبئة الجماعية للقوى السياسية والمدنية ذات التوجه التقدمي والحداثي. وتفاعلا مع ذلك، تحققت العديد من التراكمات الإيجابية نتيجة المبادرات السامية التي اتخذها جلالة الملك محمد السادس، والإجراءات المتخذة على عهد حكومة التناوب التوافقي، سواء من حيث تقوية إشراك النساء في الحياة السياسية والاقتصادية، أو من حيث تعزيز حقوقهن الاجتماعية المختلفة. وكان أبرز حدث، في هذا الصدد، تنصيص الدستور الجديد في الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، في الفصل 19 على: «تتمتع المرأة والرجل، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب …».
غير أن المتتبع للمشهد السياسي الوطني، يلاحظ أن العشر سنوات الموالية لإقرار الدستور الأخير، لم تعرف تفعيل المقتضيات المتعلقة بالمرأة بشكل إيجابي يراعي التطورات المجتمعية ومتغيرات البنية الأسرية، بل على العكس من ذلك تماما، طغت المواقف السياسية والمشاريع القانونية ذات الصبغة المحافظة التي أرادت التراجع عن العديد من المكتسبات السياسية والحقوقية التي ناضلت من أجلها القوى الحزبية والمدنية التقدمية والحداثية. وظهرت مجموعة من الاختلالات التي أدت إلى تفاقم الفوارق بين الجنسين واتساع الهوة بينهما على الصعيدين الاجتماعي وداخل المجالات. وزادت فترة الحجر الصحي التي فرضتها جائحة كورونا، من حدة الوضعية المتدهورة بالنسبة للعديد من النساء حيث تفاقمت هشاشة وضعيتهن في سوق الشغل، وتعرضن للبطالة، خاصة في العالم القروي. إضافة إلى معاناة المرأة والفتاة في العديد من المناطق من تدني الخدمات الصحية والتعليمية، وتعرضهن للعنف بكافة أشكاله، وحرمانهن من ممارسة حقوقهن الأساسية.
وقد اعتبرنا أن تشكيل الحكومة الحالية، لطبيعة قيادتها ذات الاتجاه الليبرالي الحداثي، سيشكل فرصة للقطع مع التصور المحافظ للمرأة، وتفعيل الالتزامات المتضمنة في البرنامج الحكومي من أجل إدماج فعلي للنساء وتحقيق المواطنة الكاملة لهن، غير أن الواقع الحالي، وعلى مقربة من منتصف الولاية الحكومية، ما زال عنيدا إذ لم تخرج إلى الوجود أية مبادرات حكومية لمباشرة إصلاح المنظومة التشريعية المتعلقة بحقوق المرأة، وعلى رأسها فتح ورش مراجعة مدونة الأسرة الذي دعا إليه جلالة الملك.
وبناء عليه، فإننا نسائلكم رئيس الحكومة عن استراتيجيتكم لإقرار المساواة بين الجنسين، وتميكن المرأة من حقوقها الكاملة في الميادين السياسية والاقتصادية».
وفي تعقيب الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية على رد عزيز اخنوش والذي قدمته كل من خدوج اسلاسي ومجيدة شهيد نيابة عن المعارضة الاتحادية، شددت المداخلة على «أن الفريق الاشتراكي كمعارضة مسؤولة وكقوة اقتراحية هدفها مصلحة النساء المغربيات التي هي من صميم المصلحة الوطنية.
لكن، قبل أن ندخل في بعض التفاصيل، علينا أن نسجل بأن التقارير التي أصدرتها مؤسسات وطنية، وإن كانت تقف عند بعض التقدم في ما يخص التمكين الاقتصادي والسياسي للنساء، تقر صراحة أو ضمنا بأن ما تحقق لم يكن في مستوى الطموحات، ولا في مستوى الإمكانيات المرصودة، والتي كانت تسمح لنا بتحقيق تقدم أكثر مما هو حاصل اليوم.
فالواقع المعقد الذي تعيشه النساء في المغرب، بالرغم من حجم المجهود الوطني الذي تم بذله من أجل تمكينهن، كفيل بأن يجيبكم ويقنعكم بأن المرأة المغربية في حاجة إلى بذل مجهود أكبر لتحرير الطاقات النسائية بما يضمن تحصين المكتسبات، والدفع في اتجاه تقوية حضورها أكثر داخل الحياة العامة في بلادنا.
الواقع اليوم يثبت، وفق مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل لسنة 2022، أن معدل البطالة في صفوف النساء ارتفع بنسبة 0,4 % حيث بلغ 17,2 %، وأن ثلاثة أرباع غير النشيطين بالمغرب نساء، وأن أزيد من 80 % من النساء في سن النشاط هن خارج سوق الشغل، وأن أزيد من نصف المغربيات لا يتوفرن على أية شهادة تعليمية.
الواقع أن نسبة انتشار ظاهرة العنف على الصعيد الوطني بلغت 54,4 % حسب نتائج البحث الوطني حول انتشار العنف ضد النساء بالمغرب.
معطيات مفزعة تعكس بشكل جلي معاناة المغربيات، خاصة في المناطق النائية وفي العالم القروي، حيث تتفاقم الفوارق المجالية بانعدام أو تدني مختلف الخدمات التربوية والصحية والثقافية. فالنساء أصبحن اليوم، بعد تداعيات الجائحة، أكثر عرضة للفقر وللتهميش في غياب إجراءات حقيقية تمنح المعنى الملموس لشعار الدولة الاجتماعية. وهو ما يستدعي إعطاء الأولوية القصوى لمعالجة أوضاع النساء، كما أكدنا على ذلك في الأرضية التي أصدرها الاتحاد الاشتراكي حول آليات تدبير تداعيات الجائحة والتي عممتها دوليا منظمة الأممية الاشتراكية.
وهنا، نؤكد في المعارضة الاتحادية، أن التمكين للنساء لا يعني فقط وضع برامج لمحاربة الهشاشة وكافة أشكال الفقر، والذي تعتبر النساء في مقدمة ضحاياه، بل يعني كذلك تمكين النساء اقتصاديا بعيدا عن منطق المساعدة الاجتماعية أو الإعانة الظرفية، ما دام أن تمكين المرأة أساسي للنهوض بالاقتصاد الوطني، وأن المطلوب هو الاستفادة من كافة الكفاءات الوطنية التي لا يجب إقصاؤها بسبب النوع الاجتماعي، مما تكون تكلفته مضاعفة على سيرورة التنمية ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. فضعف التمكين الاقتصادي للنساء يؤثر سلبا على موقعهن الاجتماعي، ويعوق تقدمهن في مجالات التعليم والثقافة والفن، كما أنه مرتبط بأعطاب قانونية تحد من تفعيل السياسات الرامية إلى المناصفة والإنصاف، وبعقليات غير مؤمنة بالمساواة تعمل على إفراغ بعض القوانين الملزمة من روحها مع كامل الأسف.
إن التفاوتات بين الجنسين في ما يخص الاندماج الاقتصادي لا يمكن التغاضي عنها، سواء على مستوى الأجور، أو تيسير الولوج إلى العمل، أو الحماية من كافة الخروقات المرتبطة بقانون الشغل، أو الحصول على تكوين مستمر مؤهل للترقي المهني، أو ساعات العمل والتعويضات.
كما أن تمثيلية النساء في المناصب العليا، في القطاعين الخاص والعام، تظل دون سقف الطموحات، ودون ما تتوفر عليه النساء من مهارات علمية ومهنية. وللأسف، حتى التعيينات الصادرة عن المجلس فيها تراجعات» .
وفي ذات التعقيب تم التساؤل حول «أية إجراءات فعلية تم اتخاذها من أجل تقليص الفوارق الاجتماعية المرتبطة بالنوع الاجتماعي؟ وهل عجزتم عن وضع سياسة عمومية تأخذ بعين الاعتبار نواقص الولوج والفرص والموارد التي تعانيها المرأة المغربية كما التزمتم بذلك؟ كنا نتمنى أن نرى الشعارات الانتخابية لتحالفكم الثلاثي تتحقق على أرض الواقع، لكن للأسف ليس هناك إلا السراب الذي يتمدد يوما بعد يوم وأنتم تعلنون الخطوط العريضة لثالث قانون مالية على عهدكم: ميزانية 2024.
قوانين المالية التي تعد الآلية العملية التي تترجم الأولويات الحكومية، والتي كان من شأن اعتمادها لمقاربة حقيقية للنوع أن يعكس جدية إيمانكم بتمكين النساء. للأسف، ظلت الميزانيات القائمة على النوع مجرد وثيقة محاسباتية تقنية، عكست بشكل فج اختياراتكم الاقتصادية الليبرالية الخاضعة للموازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية، والمؤمنة بفكرة وجود قطاعات غير منتجة لا تستحق رفع ميزانياتها، ومن ضمنها ما يتعلق بتعزيز موقع النساء في الحياة العامة.
ولذلك، شتان بين النوايا والممارسة الواقعية، ولتعلموا السيد رئيس الحكومة أن المغربيات والمغاربة يحتاجون إلى الأفعال، الأفعال التي تحتاج بدورها إلى إرادة».
وشدد التعقيب على «أننا نحتاج اليوم إلى نفس جديد في التعاطي مع قضية المرأة برهاناتها المتعددة، نفس يوازي ما تحقق في بداية العهد الجديد بالمبادرات الملكية السامية وبإجراءات حكومة التناوب التوافقي، حيث تمت مباشرة الأوراش الإصلاحية التي تأسست جميعها على تفعيل مقتضيات ومواد التوصيات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا، وكان أبرزها إقرار قانون للأسرة اعتبر حينها ثورة حقيقية في مجال تمكين النساء.
بلادنا تحتاج اليوم إلى نفس جديد يستوعب الدينامية التي أحدثتها نضالات القوى السياسية والحقوقية والمدنية، والتي تم تضمين بعض مطالبها الأساسية في دستور 2011 الذي أقر المساواة بين الرجل والمرأة».
وأوضحت المعارضة الاتحادية أن «بلادنا تحتاج نفسا يقطع مع تعطيل مقتضيات الدستور، ومع التصور المحافظ المتزمت الذي ناهض حقوق المرأة طيلة عقد من الزمن مسجلا تراجعات متعددة عن المكتسبات التي تحققت لفائدة المرأة، وأنه لا يفهم الأسباب التي جعلت حكومتكم تركن إلى الانتظارية في ما يتعلق بتفعيل إصلاح مدونة الأسرة، مما يسهم في هدر الزمن الحكومي وتعطيل الإقلاع التنموي الواعد. فنحن لا نلمس لدى الحكومة إرادة حقيقية لإنصاف المرأة المغربية التي أثبتت على محك جائحة كورونا أنها كانت في الصفوف الأمامية لحماية بلادنا من الفيروس القاتل. أبهذا الصمت الحكومي وانعدام المبادرة سنكافئ تضحيات أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟
كيف ستنصفون المرأة المغربية وحصيلتكم التشريعية فيما يتعلق بوضعيتها وحقوقها منعدمة، ذلك أنكم لم تتقدموا بأي مشروع قانون من شأنه أن يضمن حقا جديدا أو أن يكرس حقا قائما لفائدتهن. والأكثر من ذلك أنكم لم تتفاعلوا بالإيجاب مع المقترحات التشريعية ذات الصلة بالأسرة والمرأة والطفولة، والتي تقدمت بها المعارضة الاتحادية إيمانا منها بتكامل عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكنكم تستمرون في تجاهل مبادراتنا التشريعية كمعارضة مبادرة ومنتجة، وتستمرون في التزام الصمت بخصوص مشاريع القوانين التي سحبتها الحكومة في بداية ولايتها، خاصة القانون الجنائي، دون تقديم أي توضيحات بهذا الشأن أو إعادة إحالتها من جديد على البرلمان.
إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كفاعل تاريخي مناصر لقضايا المرأة دون قيد أو شرط، نعتبر أن المدخل الأساس لترجمة هذه الإرادة السياسية هو إقرار منظومة تشريعية تقر المناصفة كمبدأ دستوري يجب تفعيله في كل القوانين المرتبطة بالسياسات العمومية، سواء في التشغيل أو التعليم أو التعيين في المناصب أو التمثيلية في كل الهيئات، وغيرها.
كما أن الحكومة مطالبة بدعم وتقديم المساعدة بمختلف أوجهها لمنظمات المجتمع المدني العاملة منذ سنوات مع النساء، في برامج الدعم الدراسي والصحة الإنجابية ومكافحة العنف ضد النساء، والتعاونيات النسائية والاقتصاد الاجتماعي، والتي راكمت وعيا متقدما وعلاقات إيجابية مع الهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان وأوضاع النساء. فالحكومة مطالبة بفتح قنوات الحوار مع الحركة النسائية والاستفادة من خبراتها التي راكمتها لمدة تزيد عن نصف قرن من العمل. وفي هذا الصدد، نقول لكم بكل الوضوح اللازم: إن تفعيل النموذج التنموي لن يستقيم بدون تمكين المرأة المغربية من حقوقها كاملة.
وفي هذا الإطار، نلفت انتباه حكومتكم، ونحن في موسم عودة مغاربة العالم إلى أحضان الوطن، إلى ضرورة واستعجالية وضع مخطط للاستفادة من الكفاءات النسائية التي تقطن في المهجر، وهي كفاءات اقتصادية وعلمية وفنية وثقافية ورياضية. فالكفاءات النسائية من مغاربة العالم يمكن الاستفادة منها على واجهتين، الأولى مرتبطة بالدبلوماسية الموازية، وبدعم السياسات الموجهة لمغاربة العالم في دول إقاماتهم، والثانية مرتبطة بتوطين هذه الخبرات محليا، والاستفادة منها في مشاريع البحث العلمي وخلق الثروة وجلب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيات الحديثة.
عليكم أن تتحملوا مسؤوليتكم التاريخية في هذه الظرفية الخاصة، وأن تبادروا إلى الفتح المستعجل لورش مراجعة مدونة الأسرة، وأن تحرصوا على إشراك القوى السياسية والحقوقية والمدنية الفاعلة في المجال، وأن تتحلوا بالشجاعة لوضع مدونة حديثة ومنصفة.
ففي تحالفكم الثلاثي، مكون تقاسمنا معه كل اللحظات الصعبة في مسيرة النضال الوطني ودافعنا معا على تقوية المسار الديمقراطي وتعزيز موقع النساء في الحياة العامة، وهناك مكون يكاد خطابه يطابق خطابنا السياسي الديمقراطي الحداثي في العديد من المجالات المرتبطة بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، وأنتم رئيس الحكومة الذين تقودون هذا التحالف تحدثتم دائما عن انتمائكم للديمقراطيين الاجتماعيين ببعدهم الحداثي والتقدمي والحقوقي.
بكل هذا التحالف ولا تستطيعون التحرك. إننا نستغرب عدم تحليكم بالجرأة والشجاعة وعدم قدرتكم على المبادرة التي نعتبر أن شروطها اليوم متوفرة بشكل كامل.»