رغم العياء والأعطاب: المنتخب الوطني يكتب السطر الأخير في كتاب الإعجاز الكروي

 

رغم أنهم كانوا يمنون الأنفس بإنهاء مشاركتهم الحالمة في مونديال قطر بمركز ثالث، ومكافأة الجماهير الشغوفة، التي ملأت جنبات ملعب خلفية الدولي، مساء أول أمس السبت، أمام كرواتيا، إلا أن الحلم لم يتحقق، واكتفى لاعبو الفريق الوطني بمركز رابع في أروع مشاركة مونديالية لكرة القدم الإفريقية والعربية.
ورغم الأعطاب التي هزت أركان المنتخب الوطني في مبارتي نصف النهائي والترتيب، وكذا العياء الكبير الذي دب في أوصال اللاعبين، جراء المجهود الخرافي الذي بدلوه طيلة مبارياتهم السبعة في هذا المونديال، وهو رقم قياسي مغربي وعربي وقاري، فقد قدمت العناصر الوطني فصولا كروية جميلة ورائعة، منحتهم إشادة عالية واسعة، وأصروا على نترك بصمتهم الخاصة في هذا المونديال، الذي جرى لأول مرة في التاريخ على أرض عربية.
ورغم الخسارة أمام المنتخب الكرواتي في لقاء الترتيب، بهدفين مقابل هدف واحد، إلا أن الفريق الوطني استحق أن يكون حبة كرز في هذا المونديال، وينثر سحره الخاص على منافسات هذه الدورة، وكان بقليل من الحظ والحياد التحكيمي، أن يكون طرفا في اللقاء النهائي، بعدما أكدت العديد من تعاليق المختصين في هذا المجال أنه استحق أكثر من ضربة جزاء في لقاءي فرنسا وكرواتيا.
لقد حمل المنتخب الوطني على أكتافه آمال الأفارقة والعربي، وكان في مستوى التطلعات، ونجح في تحقيق إنجاز فريد لم يسبقه إليه أي منتخب، عربيا وإفريقيا، وعبد الطريق لهم في المستقبل كي يكرروا مثله هذا الإنجاز أو يحسونه، وهو ما توقعه الناخب الوطني وليد الركراكي، في ندوته الصحافية، عقب نهاية مباراة الترتيب، حيث أكد على أنه بداية من دورة 2026، التي ستشهد زيادة في عدد منتخبات إفريقيا إلى تسعة، بعد رفع العدد الإجمالي على 48 منتخبا، بإمكان منتخبات إفريقيا أن تبلغ أعلى المراتب، وقد نراها متوجهة باللقب في غضون 15 أو 20 سنة المقبلة.
وستظل نسخة 2022 بقطر شاهدة على التميز المغربي في عالم الساحرة المستديرة، حيث قدم المنتخب الوطني أداء يستحق أن يدرس في مجال التكوين الأكاديمي، لأننا لاحظنا لاعبين يتكلمون لغة واحدة، وحوّلوا أرضية الميدان إلى فضاء عائلي، تتناغم فيه اللوحات، ويتماهى العطاء إلى حد يصيب المشاهد بالدهشة، خاصة لما نشاهد المهاجم يتحول إلى الدفاع والعكس صحيح، أما لاعبو خط الوسط فكانوا أشبه بالمحاربين، يقطعون المسافات يمينا ويسارا دون كلل أو تعب.
هذا المجهود الساحر كان له ثمنه الكبير، حيث أصيب أكثر من خمسة لاعبين خلال ربع النهائي، عجز الطاقم الطبي –رغم المجهود الكبير الذي بدله خلال هذا المونديال – عن تجهيزهم للقاء نصف النهائي، وقد شاهدنا كيف أن العميد سايس غادر في الدقيقة 21 بعد تجدد الإصابة، فيما اعتذر أكرد قبيل صافرة البداية، بينما أكمل المزراوي الجولة الأولى بصعوبة. وحتى أملاح الذي عوض سايس، ترك مكانه قبل ربع ساعة من نهاية المباراة، لتتبين الصعوبة التي وجدها الناخب الوطني في جمع شتات الأعطاب، وهو ما فرض عليه خلال مباراة الترتيب، الاعتماد على بلال الخنوس (أصغر لاعبي عربي يشارك في المونديال) وعطية الله في الرواق الأيسر عوض مزراوي، والثنائي الياميق وداري في العمق الدفاعي، اللذين اضطرا إلى ترك أرضية الميدان، ليجد الركراكي نفسه في وضع حرج، فكان لا بد له من إرجاع أمرابط إلى العمق الدفاعي بجانب بدر بانون.
هي متغيرات وتقلبات مباريات كرة القدم، والتي أظهرت أن المنتخب الوطني في حاجة إلى كرسي احتياط يكون في مستوى لاعبي الصف الأول، كما أظهرت أن قلة تجربة لاعبي الفريق الوطني كان لها مفعولها، وهو ما سجل بالملموس في لقاء الترتيب الترتيب، حيث استقبلت شباك الحارس بونو هدفين نتيجة أخطاء دفاعية. لكن مع توالي المباريات والمشاركات سيتغير كل شي لا محالة، وسيصبح أسود الأطلس في الأوج، وستكون البداية ببطولة أمم إفريقيا المقررة بكوت ديفوار، التي أكد الركراكي أنه سيدخلها برهان التتويج، حين قال: «أعتقد أننا من بين أفضل أجيال إفريقيا، لكننا لسنا الأفضل. قلت للاعبي أنه يتوجب عليهم الفوز بكأس أمم إفريقيا لنكون الأفضل في القارة. قبل أن تكون ملكا في العالم يجب أن تكون ملكا في بيتك».


الكاتب : إبراهيم العماري

  

بتاريخ : 19/12/2022