يحمل الدخول المدرسي في كل سنة دراسية آمالاً جديدة وتطلعات متجددة، سواء لدى التلميذات والتلاميذ وأسرهم، أو لدى الأطر التربوية والإدارية، وحتى على مستوى السياسات العمومية التي تراهن على المدرسة باعتبارها رافعة أساسية للتنمية. غير أن هذه اللحظة المهمة تكشف في الوقت نفسه عن واقع متعدد الأبعاد، يفرض علينا النظر إليه بعين واقعية، بعيدا عن المبالغة في التوقعات أو الانغماس في النقد المجرد.
لقد حققت المدرسة المغربية بالفعل مكتسبات لا يمكن إنكارها، من أبرزها تعميم التمدرس بشكل واسع، وتوسيع شبكة المؤسسات التعليمية، وإدماج تقنيات ومقاربات بيداغوجية جديدة. لكن هذه الإنجازات ما تزال تصطدم بعدد من التحديات التي تتجلى في استمرار الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، والنقص في التجهيزات والوسائل التعليمية، والفوارق بين الوسطين الحضري والقروي، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على جودة التعلمات.
ويظل المدرس في صميم كل محاولة إصلاحية، باعتباره الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العمل التربوي. ومن ثم فإن الاعتناء بأوضاعه المهنية والاجتماعية، وتوفير تكوين مستمر فعال، وتقدير جهوده المعنوية، كلها عناصر ضرورية لضمان انخراطه الإيجابي في مسار الإصلاح. فلا يمكن تصور مدرسة قوية من دون مدرس محفَّز ومتمكن. أما التلميذ، وهو جوهر العملية التعليمية برمتها، فإنه يحتاج إلى بيئة مدرسية دامجة تتيح له التعلم في ظروف لائقة، وتوفر له الدعم البيداغوجي والنفسي، مع أنشطة موازية تغذي شخصيته وتمنحه الثقة في قدراته. ومن المهم هنا أن ندرك أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية للأسر تلعب دورا كبيرا في تحديد مسار التلميذ الدراسي، الأمر الذي يفرض التفكير في سياسات مندمجة لدعم تكافؤ الفرص.
إن النظر بعيون واقعية يفضي إلى قناعة أساسية مفادها أن النهوض بالمدرسة المغربية مسؤولية جماعية تتجاوز حدود الوزارة الوصية لتشمل الأسر، والمجتمع المدني، والجماعات الترابية، والقطاع الخاص. فالمدرسة ليست شأنا قطاعيا ضيقا، وإنما هي قضية وطنية كبرى تتقاطع فيها رهانات التنمية والعدالة الاجتماعية والارتقاء بالإنسان. من هنا فإن الدخول المدرسي ينبغي أن يُقرأ باعتباره فرصة للتفاؤل والعمل الجاد في الآن نفسه. فهو مناسبة للتأكيد على المكتسبات التي تحققت، لكنه في الوقت ذاته لحظة للتفكير في الأعطاب التي ما تزال تعيق بلوغ مدرسة منصفة وذات جودة. الإصلاح الحقيقي يتطلب الصراحة في التشخيص، والإرادة في المعالجة، والتعبئة الجماعية لمواجهة التحديات.
إن المدرسة المغربية قادرة، بما تزخر به من طاقات وإمكانات، على أن تكون فضاء للعلم والمعرفة وبناء الإنسان، إذا ما نظرنا إلى واقعها بموضوعية، وتعاملنا معها بإرادة جماعية صادقة. وهكذا يصبح الدخول المدرسي ليس مجرد بداية تقنية لسنة دراسية، بل محطة وطنية متجددة لمراجعة المسار وتعزيز الثقة في المستقبل.
رغم المكتسبات التي حققتها .. معاناة المدرسة المغربية مع الاكتظاظ، الخصاص، والفوارق بين الوسطين الحضري والقروي تتواصل

الكاتب : محمد تامر
بتاريخ : 04/09/2025