رمزية رأس السنة الأمازيغية بين الواقع والآفاق

لا شك في أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو طقس هوياتي وثقافي متجذر في الحكايات الشعبية القديمة لكل شعوب شمال افريقيا في ارتباط أزلي بالأرض والطبيعة. ويحتفل الأمازيغ في كل 12 يناير من كل عام بهذا الحدث الثقافي المرتبط برأس السنة الأمازيغية. ويوافق 2022 عام 2972 بالتقويم الأمازيغي الذي يربط الأمازيغ بالأرض وسخائها فهو عيد الطبيعة والوفرة والعطاء الدائمين.
ولرمزية هذا اليوم وارتباطه بالرافد الأمازيغي الضارب في عمق الثقافة الوطنية، ولتقريب قرائنا أكثر من طقوس هذا اليوم، حاورت جريدة الاتحاد الاشتراكي ناشطين أمازيغيين مهتمين بالثقافة الأمازيغية، وهما عبد الله بادو وأمينة امحارش، المتخصصين في المسألة الأمازيغية.

 

ما هو أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية؟

يرى عبد الله بادو أن الأمازيغ يستندون في تقويمهم إلى الشمس وتنطلق السنة الأمازيغية يوم 13 يناير من كل سنة، وله علاقة مهمة بالتقويم الفلاحي الذي يتبعه الفلاحون في زراعتهم لضبط السقي والغرس ويرمز إلى احتفالات الفلاحين بالأرض والزراعة ما جعلها تُعرف باسم «السنة الفلاحية» نظرا لتعلق الأمازيغ بالأرض وارتباط معيشهم بها عبر العصور. كما أن الاحتفال ينتشر عبر تراب شمال إفريقيا ككل دون استثناء، وإن اختلفت الأشكال والتسميات فهي تظل متزامنة في نفس الفترة من كل سنة. وانتشارها الواسع والضارب في عمق التاريخ خير دليل على أهمية هذا الاحتفال عند الأمازيغ ويوضح أن ذلك كان بقرار يجهل لحدود الساعة مصدره ولا الشروط التاريخية التي ساعدت في هذا الانتشار، ومن الباحثين من ينسب الاحتفالات إلى فوز الملك الامازيغي شيشونغ على فرعون مصر وحكمه لمصر وشمال إفريقيا ككل.
وفي هذا الاتجاه، ترى أمينة امحارش أنه يمكن العودة إلى 3500 سنة قبل الميلاد، وأن هذا التقويم يرجع لعبادة أمازيغ البحر الأبيض المتوسط للآلهة تانيت، آلهة الخصوبة والأرض.

هل رأس السنة الأمازيغية مكون هوياتي أساسي في الثقافة الأمازيغية أم هو طقس من طقوس الاحتفال بالسنة الفلاحية؟

يرى الناشط الأمازيغي عبد الله بادو بأن الاحتفال يخص الشعب الأمازيغي دون غيره من الشعوب، سواء كان ذلك لدواعي سياسية أو ثقافية أو فلاحية فهي تبقى مناسبة تسم ذاكرة كل الأمازيغ، وازداد الاهتمام بها بفضل النضالات والترافعات التي قام بها العديد من النشطاء والفعاليات الأمازيغية التي عززت من حضور قوي لهذه الاحتفالات في الأنشطة التي تنظمها أو كطقس احتفالي عائلي تنظمه كل الأسر الأمازيغية بدون استثناء.
كما أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية له دلالة رمزية قوية، لكونه يترجم حب الأمازيغ للأرض وارتباطهم القوي بها وتثمين عطائها والعرفان بجودها، إلى جانب أنه يعتبر من الطقوس التي دأب الأمازيغ على تخليدها على مر العصور، مما يجعلها طقسا ثقافيا حصريا للأمازيغ دون باقي الشعوب.
كما ترى المتحدثة أن رأس السنة الأمازيغية هو مكون هوياتي أساسي في الثقافة الأمازيغية الأم وهو طقس من طقوس الاحتفال بالسنة الفلاحية، ولكن لا يمكن حسر هذا الطقس في البعد الفلاحي فقط بل يرتبط بمجموعة من الأبعاد تتجاوز ما هو فلاحي إلى ما هو ميتولوجي وإنساني وهوياتي المرتبط أساسا بارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه وهويته وثقافته وتجذرها في شمال إفريقيا ككل.

هل أنت راض عن مستوى استعمال الأمازيغية وإدراجها في الحياة العامة وإدماجها في التعليم؟ أم مازال ينتظرها مجهودات جبارة لإدماجها بشكل فعال في كل المناحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالمغرب؟

يقول عبد الله بادو إنه «من خلال تتبعنا لورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية رصدنا العديد من الإشكالات والمعيقات والتي تحد من وجهة نظرنا في تحقيق التقدم الواجب في مجال تعاطي الدولة مع الأمازيغية وكل ما يرتبط بها، منها تهرب الحكومة الحالية من تقديم مخططاتها في تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وهذا للأسف يترجم غياب إرادة حقيقية للدفع بالملف الأمازيغي وحتى تصريحات الناطق الرسمي للحكومة الذي تهرب من الادلاء بموقف الحكومة تجاه مطلب يحمله العديد من المدافعين عن الأمازيغية لعقود ألا وهو مطلب ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، رغم كل العراقيل التي تواجه تطورها ونموها ويحد من حيويتها باعتبارها لغة رسمية للبلاد.
كما أننا اليوم وبعد ما يزيد عن 11 سنة على دسترة الأمازيغية لغة رسمية يتبين لنا بجلاء أن الدولة المغربية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، عميقة كانت أو ظاهرة، غير مهتمة بتطوير اللغة والثقافة الأمازيغيتين ولا حمايتها ولا النهوض بها، كما أنها لا تدرجها ضمن أولويتها في الوقت الحاضر ولا في المدى المتوسط على الأقل، وإلا فكيف يمكن لنا تفسير التعثر الحاصل في تنزيل وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وعدم إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية رغم أهميته الاستراتيجية في إرساء سياسة لغوية وثقافية قائمة على التعدد والتنوع باعتباره مؤسسة دستورية مرجعية في الشأن اللغوي والثقافي؟ إن سياسة تدبير ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية يكشف لنا أننا أمام مناورة جماعية كبيرة، ساهمت في امتصاص غضب الشارع المغربي خلال فبراير 2011، والآن يمكن القول إن كل الأقنعة سقطت وانكشفت ولم يعد لها ما يبرر أي تماطل يطال الملف، وإلا فهي فقط كانت تقامر وتساوم بملف الأمازيغية خلال الولايتين الأخيرتين للحكومة المغربية بدعوى أن الحزب الحاكم هو من كان يعرقل تقدم الملف. علما أننا لا ننتظر الشيء الكثير من التركيبة الثلاثية الحالية للحكومة نظرا لأنها لم تدرج الأمازيغية ضمن أولويات برنامجها الحكومي، حيث اكتفت فقط بتخصيص صندوق هزيل لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية دون أن تكلف نفسها عناء شرح كيفيات ومجالات الصرف ولا الخطوط العريضة لبرنامجها الحكومي، وهو أحد الالتزامين اللذين تضمنهما البرنامج الانتخابي لحزب الأحرار لتشريعيات 2021 إلى جانب خلق لجن استشارية بينوزارية مركزيا وجهويا. ولعل ما يفصح عن الضبابية وعدم وضوح الرؤية هو أن الحكومة الحالية وبعد مضي ما يزيد عن ثلاثة أشهر على تنصيبها بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار مازال الوضع مبهما ولم تفصح الحكومة على رؤيتها ولا مخططها الحكومي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية كما أنها لم تصدر أي موقف بخصوص المخطط الذي أعدته حكومة العثماني في آخر أيامها، كما أنها لحدود الساعة لم تعمل على إشراك فعاليات المجتمع المدني النشيط في مجال الدفاع والترافع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية على مدى عقود، خاصة أن الوضعية الراهنة للغة والثقافة الأمازيغية تثير الكثير من القلق بخصوص مستقبلها. حيث يلاحظ أن حيويتها في تراجع مستمر وبشكل مهول مما سيؤدي إلى انقراضها في غضون العقود المقبلة في ظل غياب سياسة وطنية لحمايتها والنهوض بها باعتبارها لغة رسمية لجمهور لفئة عريضة من سكان المغرب، كم أننا رصدنا تراجعات كثيرة بخصوص المكتسبات الهشة التي حققتها اللغة والثقافة الأمازيغيتين في مجالات كالتعليم والإعلام خلال العقدين الأخيرين، والذين للأسف بدل أن تتم رسملة وترصيد التجربة يتم وأدها باعتماد تدابير بيداغوجية وديداكتيكية تراجعية ستحد بشكل كبير من الكفايات التعليمية المستهدفة في مناهج تدريس اللغة الأمازيغية، إلى جانب عدم اعتماد نفس المبادئ المؤطرة لإعداد البرامج والكتب المدرسية في باقي المواد المدرسة بالمدرسة العمومية، حيث يتم احتكارها من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضدا عن مبدأ التنافس الحر بين فرق التأليف التربوية. دون أن ننسى التذكير بالارتجالية التي تطبع طريقة تدبير اللغة الأمازيغية بجميع أكاديميات المملكة من قبيل: المنهاج الدراسي الذي لا يخول للمتعلم التمكن من الكفايات الأساسية للقراءة والتواصل باللغة الأمازيغية شفهيا وكتابة، عشوائية إعداد خريطة توزيع الأساتذة، إسناد الأقسام وتوزيعها داخل نفس المؤسسة، عدم التوفر على مفتشين/ات متخصصين/ات في تأطير ومراقبة تدريس اللغة الأمازيغية…إلخ.
أما على مستوى الإعلام فمزال المجال يخضع للعشوائية وغياب الرؤية الواضحة لتطويره، وتجويد خدماته، وطنيا وجهويا. حيث مازالت التلفزة الأمازيغية والإذاعة الأمازيغية تعاني من قلة الموارد البشرية والأرصدة المالية الكافية لتمويل إنتاج البرامج وإغناء الخزانة السمعية البصرية الأمازيغية بمنتوجات جديدة وذات جودة كما جاء في دفاتر التحملات، والتي بدورها في حاجة ماسة للمراجعة حتى تتلاءم مع الوضع الجديد للغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للبلاد، من أجل ضمان وضع يضمن لها حقها في المساواة والمناصفة في كل القنوات الإذاعية والتلفزية العمومية دون أي تمييز.
في ظل العشوائية التي تطبع السياسة اللغوية والثقافية ببلادنا ونظرا لضعف تملكها لقيم ومبادئ التعدد والتنوع فإننا اليوم في حاجة ماسة إلى ميثاق وطني للغات والثقافة يروم تحقيق عدالة لغوية معززة للتعدد اللغوي وحامية للتنوع الثقافي بما يضمن الشروط الضرورية لحيوية اللغتين الرسميتين للبلاد ويعزز تدريجيا وظائف اللغة الأمازيغية والارتقاء بها لتقوم بوظائفها كاملة كلغة رسمية للبلاد، كما أننا في حاجة إلى قانون يجرم المس بإحدى مكونات الثقافة واللغات المغربية باعتبارها مواقف عنصرية وتمييزية مرفوضة يجب مناهضتها واستئصالها من المجتمع المغربي.
وتسجل أمينة امحارش كذلك، في هذا السياق، عدم رضاها عن مستوى استعمال اللغة الأمازيغية وإدراجها في الحياة العامة بالشكل الذي يليق بها رغم مرور إحدى عشر سنة على الاعتراف المؤسساتي باللغة الأمازيغية، لكن هناك مجموعة من الشوائب والنواقص التي تعيق الاستعمال الفاعل والحقيقي لاستعمال حروف تيفيناغ في الأوراق الثبوتية مثلا لكن القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية لم ير النور ليومنا هذا إضافة إلى حذف مقررات اللغة الأمازيغية في زمن الحجر الصحي.
وترى بأن اللغة الأمازيغية تحتاج لترسيم فاعل ومسؤول، وهنا يمكن القول إنه كان هناك نوع من اللامبالاة والتهميش للأمازيغ مثلا غياب كبسولات بالقطب العمومي تحذر السكان الناطقين بغير العربية من هذا الوباء الخطير مقارنة مع عدد الكبسولات الناطقة بالدارجة.

هل البرنامج الحكومي يشمل خطة فعلية للنهوض بالأمازيغية؟

يؤكد الناشط عبد الله بادو بأنه، وبعد مرور 100 يوم على تنصيب الحكومة الجديدة التي تتألف من التكتل السياسي الثلاثي لحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، كانت كافية لكشف عجز الحكومة في أن تضع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في سكته الصحيحة مما يكشف بجلاء زيف كل الشعارات التي تغنت بها الأحزاب أثناء الحملة الانتخابية لتشريعية 2021. وبالمناسبة أود الإشارة الى الوضعية الهشة للأمازيغية حيث أن الملف مازال لم يبرح مكانه رغم الوعود التي أتى بها التصريح الحكومي.
إن موقف الحكومة الحالية وغياب رؤيتها لملف الأمازيغية وعدم تقديمها لمخططها الحكومي في هذا المجال يسائل مدى جديتها بخصوص تدبير ملف الأمازيغية، ومدى استعدادها للوفاء بالتزاماتها وتعاقداتها تجاه بعض مكونات الحركة الأمازيغية في الفترة التي سبقت الاستحقاقات التشريعية، أم أن ذلك لا يعدو أن يكون استثمارا سياسويا وانتخابويا للملف من أجل الظفر بمقاعد انتخابية لا غير.
كما نسجل، وبقلق شديد، استمرار جحود ورفض الدولة المغربية بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية إقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا لعموم الشعب المغربي ضدا عن الإرادة الشعبية التي عبر عنها المواطنون والمواطنات بالإصرار على احتفالهم بها في ظل استمرار سياسة التمييز والإقصاء التي تستهدف اللغة والثقافة الأمازيغيتين دون باقي المكونات الهوياتية المشكلة للهوية المغربية المتعددة والمتنوعة الروافد.
وأرجع التعثرات التي يعرفها مسار تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية إلى عدم تملك الحكومة الحالية لرؤية استراتيجية للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغية في شتى المجالات باعتبارها لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وهو ما يفسر ضبابية التزامات الحكومة الجديدة تجاه القضية الأمازيغية وتماطلها في الإفراج عن مخططها الحكومي لتفعيل القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مناحي الحياة العامة، والإسراع في تنفيذه بإجراءات وتدابير عملية من خلال سن سياسات عمومية واقعية وذات نجاعة.
وختمت أمينة امحارش بالقول إن غياب الرغبة السياسية واستمرار الفكر الرجعي الذي يعرقل كل ما من شأنه النهوض باللغة الأمازيغية وتفعيلها على أرض الواقع ورفض الاعتراف بهذا المكون الضارب حتى العمق في الوطن وثقافة الوطن تكالب للحكومات المتتالية على الأمازيغية، وهي التي يفترض فيها أن تجيبنا عن سبب الحيف الممارس بحقنا في الاحتفال بيوم واحد له رمزية ومكانة يحملهما في كياننا الجمعي.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 15/01/2022