وجه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، عبر النائب مولاي المهدي الفاطمي، سؤالاً كتابيا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، حول الاختلالات التي يعانيها المشهد التلفزيوني الوطني خلال شهر رمضان.
وأكد الفاطمي أن النقاش حول جودة الأعمال الرمضانية يتكرر سنويا دون أي تغيير جذري، رغم الوعود المتكررة بتطوير القطاع.
وأشار النائب البرلماني إلى أن البرامج والأعمال الدرامية في رمضان تقدم بنفس الوجوه والأفكار، مع غياب شبه تام للابتكار في الكتابة والإخراج، مما يدفع إلى التشكيك في جدية المؤسسات المسؤولة عن الارتقاء بجودة الإنتاجات.
وعتبرالسائل ، أن نسب المشاهدة المرتفعة لا تبرر استمرار هذا الوضع، لأنها قد تعكس ببساطةً فرض خيار وحيد على المشاهد، الذي يجد نفسه مضطرا لمتابعة محتوى مكرر خلال فترة الإفطار، كأنه يشاهد نسخة معاد تحميلها من مسلسل العام الماضي.
وفي تفاصيل السؤال، طالب الفريق الاشتراكي الوزيرَ بتوضيح الإجراءات المتخذة لضمان جودة الأعمال، والمعايير المعتمدة في توزيع ميزانيات الإنتاج، مع التأكيد على ضرورة مراقبة صرف المال العام لصناعة محتوى يليق بتطلعات المشاهد المغربي.
وأشار النائب البرلماني إلى أن الإنتاجات الرمضانية تكرر الصيغ الكوميدية ذاتها وتستعين بالأسماء الفنية نفسها، رغم وجود مبدعين مغاربة قادرين على تقديم أعمالٍ تعكس ثراء الثقافة المغربية، بدلا من تحويل الشاشة إلى متحفٍ للوجوه المألوفة.
بعيدا عن هذا النقاش الرسمي، وقريبا من النقاش الجماهيري خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تلتقي وجهتا النظر بشكل متطابق، يرى الجمهور
أن الشاشات العمومية حوّلت رمضان إلى موسم الضيوف الدائمين، حيث تتنقل الأسماء نفسها بين المسلسلات والبرامج، وكأنهم أبطال مسرحية واحدة تقدّم على منصات متعددة، حتى أن بعض الفنانين صاروا يظهرون على الشاشة من الإفطار إلى السحور، في أدوارٍ تتراوح بين التمثيل والغناء وحتى تقديم النصائح الطبخية، وكأنهم متجر فني يبيع كل شيء إلا التنويع.
المفارقة الكبرى تظهر عند المقارنة مع دول مثل مصر، التي تقدم أعمالا درامية مكثفة 15 حلقة، تفتح المجال لمواهب جديدة، بينما تشبه الأعمال المغربية حلقات متسلسلة، من مسلسل واحد، تعيد تدوير المشاهد ذاتها مع تغيير طفيف في الديكور، حتى أغاني التتر المصرية صارت علاماتٍ مميزة، في حين تكتفي الشاشات المغربية بمحاربة كل ما هو جديد وتصر على التكرار والجمود.
أما عن نظرية التكرار التي يطرحها الجمهور، فهي تتراوح بين الشكوك في عقودٍ سرية مع نجوم محددين، أو خوف المنتجين من المغامرة بوجوه جديدة.
ومن أجل إعادة الأمور إلى نصابها والشاشة الصغيرة إلى اهتمامات ورهانات وطموحات المغاربة، لانملك إلا طرح الأسئلة،ومنها، هل ستبقى المناقشات حول التكرار مجرد حلقة سنوية من النقاشات البرلمانية والتعليقات الساخرة، أم أن رمضان القادم سيفاجئنا بخطوة جريئة تكسر الحلقة المفرغة؟ .
التجارب العالمية والعربية تثبت أن التنويع الفني ليس مستحيلا،ففي تركيا، مثلا، يتم دمج المواهب الجديدة عبر مسابقات وورشات تدريبية تحت إشراف خبراء.
وفي الهند، تخصص ميزانيات ضخمة لاكتشاف نجوم جدد،أما في المغرب، فما زال الطريق إلى الشاشة يشبه سباق حواجز لا ينجح فيه إلا مَن يملك بطاقة مرور من دائرة الضيوف الدائمين.
الوزارة مدعوة اليوم إلى تحويل السؤال البرلماني إلى فرصةٍ حقيقية، لماذا لا تطلق منصة وطنية لاكتشاف المواهب؟ أو تنظم مهرجاناتٍ للدراما القصيرة التي تمنح الفرصة للوجوه الجديدة؟ حتى أغاني الجينيريك يمكن أن تتحول إلى مسابقة وطنية يشارك فيها مغنون ومواهب آخرون ، بدلا من الاعتماد على أسماء « منورة « ومعمرة الشاشة وسلمى دائما من كل إقصاء رغم أن هذا النهج غير رشيد.
المشاهد المغربي، رغم سخطه، ما زال يمسك بجهاز التحكم وكأنه ينتظر معجزة. لكن المعجزات لا تحدث في الفن، بل تصنعها إرادة التغيير.
فإما أن تتحول الشاشة إلى نافذة حقيقية تعكس تنوع الوطن، أو ستظل نافذة مغلقة ننظر من خلالها إلى نفس الوجوه حتى يعتاد الجميع على الظلام.
والسؤال الأخير ،هل سنشهد يوما يصبح فيه رمضان المغربي مناسبة للافتخار بإبداعاتنا، أم أننا سنستمتع بذكريات أبطال التكرار ،وسيناريوهات الاجترار، حتى يصيروا جزءا من التراث الوطني؟، الجواب في الحلقة القادمة من «مسلسل رمضان».