تم يوم الإثنين 24 دجنبر 2018 بالمعرض الجهوي للكتاب الذي أقيم بفضاء الكورنيش مارتشيكا بالناظور، توقيع رواية « على ذمة التحقيق» للروائية أمنة برواضي الرواية الفائزة في الملتقى العربي الثاني للرواية العربية بوجدة سنة 2016 على هامش فعاليات المعرض الجهوي للكتاب، برواق «الجمعية المغربية للكتبيين» تعتبر هذه الرواية رابع عمل روائي للروائية بعد: «أبواب موصدة «و»أحلام مجهضة» و»شظايا حارقة « التي قدم لها الدكتور امحمد امحاور.
وقد كان التوقيع مصحوبا بقراءة للرواية من طرف الدكتور الناقد امحمد امحاور الذي استعرض إنجازات الروائية في مجالات متعددة في القصة والشعر ومسرح الطفل، ولكنه خص رواية «على ذمة التحقيق» بقراءة شاملة من جملة ما جاء فيها:
شيدت المبدعة أمنة برواضي عالما سرديا خصبا ومائزا في روايتها « على ذمة التحقيق «.
وصيغة هذا العنوان تدل بشكل صريح على الفضاءات المؤثثة لمسارات السرد، ومحكياته المتناسلة والمنسجمة مع قضايا المجتمع وأسئلته الحارقة، وما تنطوي عليها من عوالم تخييلية تتيح للذات الساردة أن تتفاعل مع النفوس الحزينة التي تتجرع مرارة الأيام، وتنخرط بكل عفوية وتلقائية في قضايا المظلومين الذين زج بهم وراء القضبان، بلغة سردية واصفة تحاور بها وعلى لسان شخصيات واقعية، فضاء مغلقا يحيل على أحداث مجتمعية، تمت بصلة وثيقة إلى الأزمة الحديثة والمعاصرة الحبلى بالمتناقضات، والصراعات، التي يحفل بها هذا المتن الروائي الذي يفتح شهية القارئ للتعاون المثمر مع شخوص لا يريد لها السارد أن تكون من ورق، ترفل في الأغلال، والسلاسل، والقيود، في بناء المعنى، وتشييد القوانين الداخلية المتحكمة في البنية العميقة للسرد.
إن المتلقي لهذا العمل الروائي الرصين سينخرط عبر فعل القراءة العالمة في قضايا السجن والاعتقال، وسيعيد صياغة أسئلة عميقة ودقيقة حول هذا الفضاء الذي أريد له أن يكون مغلقا، وما يقترحه من علامات سميائية تختزل نظرة شخصية السجين إلى الوجود وفلسفتها إزاء الحياة.
أن توظف الساردة ضمير الغائب في الحكي، يعني ذلك أنها تستحضر هموم المقهورين وراء القضبان، توجهها مقصدية خاصة في الكتابة تتماهى مع رؤيا فلسفية عميقة تنفذ عبرها إلى عوالم نفسية واجتماعية محبوكة بعناية فائقة تحمل بصمة المبدعة المتألقة دوما، والمنشغلة بقضايا العصر في أزمنة رديئة لا تعير كبير اهتمام لمبادئ حقوق الإنسان ومواثيقه الكونية والإنسانية.
وقد نجحت المبدعة إلى حد كبير في رسم ملامح الشخوص وما تنضح بها من دلالات عميقة ورصينة، ومنفتحة على نسيج من الفضاءات البيضاء والفجوات التي تنتظر من يملأها، وعيا منها بأهمية السرد في لملمة التشظي والانشطار الحاصلين على مستوى الذات المنتجة للخطاب السردي، مصدر الإبداع والإلهام، ومكمن الأحاسيس والمشاعر، ولا عجب، فالرواية بوصفها ديوان العرب والعجم في عصرنا الحاضر، لها القدرة الفائقة على الانصات الجيد لهمسات القلب وأسراره، وحركاته في فضاء سجني مغلق ودامس.
إن الذات المنتجة للخطاب السردي تتفاعل مع صوت الإنسان السجين. وهذا يدل على أن هذه الذات تتفاعل مع عوالم تخييلية وافتراضية هي ليست وليدة اللحظة الإبداعية بقدر ما هي تفاعل وحوار مع ذوات إنسانية أخرى مسلوبة الحرية، قد تشارك هذه الذات أحلامها وأشواقها، وشجونها، وقد تستميلها لتعيش لحظات متوترة ومنشغلة لكونها لحظات من صميم التخيل، لا تكتفي برصد تفاصيل واقع السجن وإنما تسعى لتحقق فعلا إبداعيا بعد أن حررت طاقاتها التخييلية من أبعادها المادية، لتربطها بأبعاد تفاعلية من صميم الطاقة الفنية التي تمتلكها الذات الساردة، المفعمة بالحياة، والحيوية، التي تنتصر للقيم الإنسانية، وتتعاطف مع الإنسان السجين أينما وجد، عبر الانصات المرهف لانطباعاته ومواقفه الإيجابية.