رواية «فريحة» لشفيق الحدادي .. عندما يحاصر «السياق التاريخي» أسئلة الهوية و نوستالجيا الأمكنة

بعد الانتهاء، من القراءة النقدية لرواية «فريحة»، للكاتب المغربي د/شفيق الحدادي، يقرأ القارئ على غلاف الكتاب، ما يفيد أنّ الرواية تحكي عن شخصية مغربية يهودية أصولها من مدينة تطوان، حيث تقرر مغادرة كاراكاس عاصمة فنزويلا، بعد اشتداد الأزمة السياسية في هذا البلد.
في البداية، تتذكر « فريحة «، بطلة هذه الرواية ما حكته جدتها لها، عن الفظاعات التي قضت على حلم الأندلس الجميل، فتعود بذاكرتها إلى تطوان، التي استقرت فيها عائلتها بعد الطرد من الأندلس …
تسبح فريحة في ذاكرتها في تفاصيل الملاح « حارة اليهود « الذي طالما حكت لها أمها  عن أسراره وهي طفلة..
إلى ذلك، يجرنا «السياق التاريخي»، لهذا النص الروائي، عبر اجترار الأحداث داخله، إلى الالتقاء مع فكرة استرداد الهوية، من خلال إدارة الكاتب للحوار بين شخوص الرواية، و بين طيات كثافة الحكي، تقرر الشخصية الرئيسية في الرواية» فريحة  مغادرة فنزويلا.
في هذه اللحظة، تبرز داخل ثنايا النص، أسئلة الهوية، و هو ما ينفذ إلى عمق الكينونة نفسها، حيث تذوب الهوية، لتتلاقى في انصهارها مع نوستالجيا الأمكنة، وهو ما يؤكد على المفارقة في طبيعة الإنسان، حيث تصبح الهوية كاشفة لأعماق الروح، وهو كيان معقد تتشابك فيها المشاعر الجياشة حول استرداد الانتماء؛ مما يجعل المتخيل السردي يتجاوز اللغة و المشاعر معا ، إلى ما فوق الواقعية، و هو ما يتجلى في النصوص السريالية بشكل عام،  لتصبح الكلمات و الجمل  غير عاجزة عن أداء مهمتها، أمام سطوة الدلالة اللغوية داخل النص، و هو ما يتقاطع الحكي  بشأنه مع المتخيل السردي، و رغبة « فريحة « في إعادة بناء هوية قديمة-جديدة لذاتها، بعدما عاشت الفظاعات في كاراكاس.
هذا، و نجد داخل الرواية، أصداء للحياة القديمة و المعاصرة، بالانتقال من السياق التاريخي، إلى أسئلة الهوية، و حنين الأمكنة، وهو ما شكل داخل النص ، غوصا في مياه الذات العميقة، ضمته كل فصول الرواية، حيث تتجلى  حرارة الأسئلة و رحلة البحث عن جذور الهوية.
لذلك ، تتخلل التجربة الإنسانية، في رواية « فريحة»، تفكيكا للقناعات التي تدفع المرء للهجرة، عبر تغيير الأمكنة، مما يتيح نقطة ارتكاز و تحول واضحة، داخل النص و فكرته، فالحوار بين فريحة ولونة   يستدعي الحواس و القوة الذهنية للقارئ، في أوج هذا المسار، لأن تداخل الجذور و الهوية و الانتماء ، مع الأمكنة و رواسب  العلاقات العائلية المتجذرة، هو ما نجح فيه الكاتب من خلال بنائه للنص، حيث ارتبطت البنية و الشكل بين ثناياه ارتباطا مزدوجا، عبر ترابط بنية الحكي بين فصول الرواية، بدءا من السياق التاريخي، إلى محاصرته لأسئلة الهوية، و نوستالجيا الأمكنة. لذلك فإن التزام الكاتب في هذا العمل الروائي، بمنطق التخييل و صوره المرتبطة ارتباطا عضويا بالدلالات اللغوية، كشرط أساسي  يجب توفيره لمواجهة أي نقد أدبي، هو ما يحقق متعة القراءة، و يرتقي لما أسماه رولان بارث ب « لذة النص»، وهذا ما سيجده القارئ في رواية « فريحة «.

* صحافي مغربي    


الكاتب : نزار القريشي *

  

بتاريخ : 10/07/2025