زعماء يرفضون اتهامات «وثائق باندورا»

رفض الكثير من الدول والقادة المعلومات التي كشفها تحقيق واسع أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين واتهم مئات السياسيين وأقاربهم بإخفاء أصول في شركات “أوفشور” بهدف التهرب الضريبي خصوصا.
وكشف التحقيق الذي نشرت نتائجه الأحد الماضي أن عددا من القادة السياسيين بينهم رئيس الوزراء التشيكي وملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ورئيسا كينيا أوهورو كينياتا والإكوادور غييرمو لاسو، أخفوا أصولا في شركات أوفشور بهدف التهرب من الضرائب خصوصا.
وسمي التحقيق الذي شارك فيه نحو 600 صحافي “وثائق باندورا” في إشارة إلى أسطورة صندوق باندورا الذي يحوي كل الشرور. وهو يستند إلى نحو 11,9 مليون وثيقة من 14 شركة خدمات مالية كشفت وجود أكثر من 29 ألف شركة أوفشور.
ورفض الكرملين الذي طالته الاتهامات، واصفا ما ورد في وثائق “باندورا” بـ “مزاعم لا أساس لها”. وحسب تحقيق الاتحاد الدولي حصلت سفيتلانا كريفونوجيخ التي قدمتها وسائل الإعلام الروسية على أنها عشيقة سابقة للرئيس فلاديمير بوتين، في 2003 على شقةفي مقابل أربعة ملايين دولار في موناكو عبر حسابات أوفشور. كما ورد ذكر مقربين آخرين من الرئيس الروسي في التقرير.
كما أكد الديوان الملكي في عمان، في بيان له، هذه الاتهامات، معتبرا أن المعلومات التي وردت في التقرير “غير دقيقة” و”مغلوطة” معتبرا أن نشر عناوينها يشكل “تهديدا لسلامة الملك وأسرته”. وأوضح البيان أن الملك تحمل شخصيا كلفة عقاراته في الخارج.
ونفى رئيس وزراء ساحل العاج باتريك أتشي أيضا الذي كان يدير شركة في جزر الباهاماس حتى 2006 على الأقل وفقا للتحقيقات، الإثنين أن يكون قام بأي “عمل غير قانوني”.
وكان رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيش نفى الأحد أن يكون أودع 22 مليون دولار في شركات وهمية لتمويل شراء قصر في موجان بجنوب فرنسا.
وكتب على تويتر “لم أفعل على الإطلاق أي شيء غير قانوني أو خاطئ لكن هذا لا يمنعهم من محاولة تشويه سمعتي والتأثير على الانتخابات البرلمانية التشيكية” المقرر إجراؤها الجمعة والسبت المقبلين.
وضع الرئيس الإكوادوري غييرمو لاسو أموال ا في صندوقين ائتمانيين مقرهما الرئيسي في الولايات المتحدة في ولاية داكوتا الجنوبية، حسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الذي تحدث عن رئيسي تشيلي وجمهورية الدومينيكان أيضا.
وقال لاسو وهو مصرفي سابق، في بيان “صرحت عن كل مداخيلي ودفعت الضرائب المترتبة في الإكوادور، مما جعلني أحد دافعي الضرائب الرئيسيين في البلاد شخصيا”. وأضاف أن “جميع الاستثمارات في الإكوادور والخارج جرت في إطار القانون”.
ويمتلك الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو منذ حوالى عشرين عاما شركة أوفشور في جزر فيرجين البريطانية، بينما كان الرئيس الغابوني علي بونغو يمتلك شركتين هناك في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حسب صحيفة لوموند الفرنسية اليومية.
في المجموع، ربط الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بين الأصول الخارجية و 336 من كبار المسؤولين التنفيذيين والسياسيين الذين أنشأوا نحو ألف شركة أكثر من ثلثيها في جزر فيرجين البريطانية.
وتتعلق حوالى مليوني وثيقة من أصل 11,9 مليون حصل عليها الصحافيون في إطار “وثائق باندورا” ب”ألكوغال”، حسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الذي أكد أن مكتب المحاماة البنمي هذا لعب “دورا رئيسيا في التهرب الضريبي” وشارك في إنشاء حسابات لإخفاء أموال أكثر من 160 شخصية.
ورأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن هذه الممارسة “غير مقبولة إطلاقا” وعلى الاتحاد الأوروبي “العمل أكثر” على هذه المسالة.
ووردت في التحقيق أيضا أسماء المغنية شاكيرا وعارضة الأزياء كلوديا شيفر وكذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لشرائه عقارات في لندن والوزير الفرنسي السابق دومينيك ستروس كان.
وقال التحقيق إن المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي قام بتحويل ملايين من الدولارات من أتعاب نشاطاته الاستشارية، عبر شركة مغربية معفاة من الضرائب.
وكتب ستروس كان على تويتر “إنني مقيم ضريبيا في المغرب منذ 2013 … وأدفع ضرائبي هناك بحدود 23,8% من أرباحي، ما عادل 812 ألف يورو للسنوات 2018 و2019 و2020”.
وفي معظم البلدان، لا يعاقب القانون على هذه الأفعال. لكنها محرجة بالنسبة لبعض القادة، إذ يقارن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بين خطاب مكافحة الفساد لدى البعض واستثماراتهم في الملاذات الضريبية.
وعلى هذا الصعيد، أكد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا مرار ا تصميمه على محاربة الفساد وإلزام المسؤولين الكينيين بالشفافية بشأن ثرواتهم، في حين كشفت “وثائق باندورا” أنه يملك مؤسسة في بنما والعديد من أفراد عائلته المباشرين أكثر من 30 مليون دولار في حسابات خارجية.
وعلق كينياتا على التقرير مرحبا بتحقيق “سيساهم في تحسين الشفافية المالية”، بدون أن يرد على الاتهامات.
وكشف التقرير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي بنى صورته على مكافحة الفساد، أقام اعتبارا من 2012 شبكة من الشركات أوفشور استخدمها بصورة خاصة لشراء ثلاثة أملاك باهظة في لندن.
غير أن الرئاسة الأوكرانية بررت ذلك بضرور “حماية نفسه” من “الأنشطة العدوانية” لنظام الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا.
وورد اسم وزير الاقتصاد البرازيلي باولو غيديس في هذه الوثائق لإخفائه أصولا خلف شركات أوفشور. إلا أن الوزير أكد أن كافة نشاطاتها كانت قانونية ومصر ح بها للسلطات الضريبية.
من جانبه، طلب الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فتح تحقيق يستهدف نحو ثلاثة آلاف مكسيكي ي شتبه في أنهم أخفوا ممتلكات في ملاذات ضريبية للتهرب من الضرائب، بينهم أحد وزرائه. وقد وردت أسماء جميعهم في “وثائق باندورا”.

ما هي وثائق باندورا؟

تتضمن وثائق باندورا تسريب 6.4 مليون مستند، وحوالي ثلاثة ملايين صورة، وأكثر من مليون رسالة بريد إلكتروني، وما يقرب من نصف مليون جدول بيانات.
وتكشف وثائق باندورا عن شبكات معقدة من الشركات التي تم إنشاؤها عبر الحدود، مما يؤدي غالبا إلى ملكية خفية للأموال والأصول.
على سبيل المثال، قد يمتلك شخص ما عقارا في المملكة المتحدة، لكنه يمتلكه عبر سلسلة من الشركات الموجودة في بلدان أخرى، أو “في الخارج”.
ويميز هذه البلدان أو الأقاليم الخارجية ما يلي:
من السهل إنشاء الشركات فيها
هناك قوانين تجعل من الصعب التعرف على هوية أصحاب الشركات
ضريبة الشركات منخفضة أو قد تكون معدومة
وغالبا ما تسمى هذه الوجهات بالملاذات الضريبية أو القضائية. ولا توجد قائمة محددة للملاذات الضريبية، ولكن الوجهات الأكثر شهرة تشمل أقاليم ما وراء البحار البريطانية مثل جزر كايمان وجزر العذراء البريطانية، بالإضافة إلى دول مثل سويسرا وسنغافورة.

هل استخدام الملاذات الضريبية أمر غير قانوني؟

تسمح الثغرات في القانون للأشخاص بتجنب دفع بعض الضرائب بشكل قانوني، عن طريق نقل أموالهم أو إنشاء شركات في ملاذات ضريبية، ولكن غالبا ما يُنظر إلى ذلك على أنه أمر غير أخلاقي.
وتقول حكومة المملكة المتحدة إن التهرب الضريبي “ينطوي على العمل بحَرفية القانون وليس بروحه”.
هناك أيضا عدد من الأسباب المشروعة التي قد تجعل الأشخاص يرغبون في حيازة الأموال والأصول في بلدان مختلفة، مثل الحماية من الهجمات الإجرامية أو الحماية من الحكومات غير المستقرة.
وعلى الرغم من أن امتلاك أصول خارجية سرية ليس أمرا غير قانوني، فإن استخدام شبكة معقدة من الشركات السرية لنقل الأموال والأصول هو الطريقة المثلى لإخفاء عائدات أفعال جرمية.
ولطالما دعا السياسيون لجعل تجنب الضرائب أو إخفاء الأصول أمرا أكثر صعوبة، لا سيما بعد التسريبات السابقة التي تناولت هذا الأمر مثل وثائق بنما.

هل من السهل إخفاء الأموال في ملاذات ضريبية؟

كل ما تحتاجه هو إنشاء شركة وهمية في إحدى البلدان أو الولايات القضائية التي تمنح درجة عالية من السرية. توجد هذه الشركة بالاسم فقط، حيث لا مكاتب لديها ولا موظفين.
لكن هذا الأمر يكلّف بعض المال، إذ يتم الدفع لشركات متخصصة لإنشاء وإدارة شركات وهمية بالنيابة عنك. وتقوم هذه الشركات المتخصصة بتوفير عناوين وأسماء لمدراء يتلقون رواتب، مما يعني طمس أي أثر لمن يقف حقيقة وراء الشركة الوهمية.

ما حجم الأموال المخبأة في ملاذات ضريبية؟

من الصعب الجزم بذلك، لكن التقديرات تشير إلى مبالغ تتراوح بين 5.6 تريليون و 32 تريليون دولار، وذلك بحسب الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.
وكان صندوق النقد الدولي قد قال إن الحكومات حول العالم تخسر ما يصل إلى 600 مليار دولار من أموال الضرائب نتيجة استخدام الملاذات الضريبية.
وتقول السيدة كومار إن لهذا الأمر تأثيرا على بقية المجتمع، وتضيف أن “للقدرة على إخفاء الأموال أثرا مباشرا على حياتك، إنها تؤثر في فرص أطفالك في الوصول إلى خدمات التعليم والصحة والعيش في منزل جيد”.

ما الإجراءات التي تتخذها المملكة المتحدة لمواجهة الأمر؟

واجهت المملكة المتحدة انتقادات لسماحها بامتلاك عقارات من قبل شركات مجهولة تقع في الخارج.
وقد نشرت الحكومة مشروع قانون عام 2018، يتطلب الإعلان عن المالكين الفعليين للعقارات في المملكة المتحدة، لكنها ما زالت تنتظر عرضه على البرلمان.
وأشار تقرير برلماني صدر عام 2019 إلى أن نظام المملكة المتحدة يجذب أشخاصا “مثل مبيضي الأموال، الذين قد يعمدون إلى شراء العقارات لإخفاء الأموال التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة”.
وقال التقرير إن التحقيقات كثيرا ما تتعرض “للعرقلة” نظرا لأن الشرطة لا تستطيع تحديد المالكين الفعليين للعقارات.
وقد رفعت الحكومة مؤخراً مستوى الخطر المتعلق بغسيل الأموال عبر شراء العقارات من “متوسط” إلى “مرتفع”. وهي تقول إنها تتخذ إجراءات صارمة ضد غسيل الأموال عبر قوانين أكثر صرامة، وإنها ستقدم سجلا بالشركات التي تمتلك عقارات في المملكة المتحدة وتتخذ من ملاذات ضريبية مقرا لها، عندما يسمح جدول أعمال البرلمان بذلك.
وثائق باندورا هي عبارة عن تسريب لأكثر من 12 مليون مستند وملف من الشركات التي تقدم خدمات خارجية في الملاذات الضريبية حول العالم.
وقد سلطت هذه الوثائق الضوء على الأسرار المالية لبعض أغنى أغنياء العالم، بما في ذلك قادة العالم وسياسيون ومشاهير. وتم الحصول على البيانات من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في واشنطن العاصمة، والذي قاد أكبر تحقيق عالمي من نوعه على الإطلاق.
وقد تتبع أكثر من 600 صحفي من 117 دولة، الثروات الخفية لبعض أقوى الأشخاص على هذا الكوكب، وقادت بي بي سي بانوراما، وصحيفة الغارديان التحقيق في المملكة المتحدة.


بتاريخ : 06/10/2021