زلزال سياسي كبير يضرب الطبقة الحاكمة والثرية في السعودية

أوقف 11 أميرا وعشرات الوزراء الحاليين والسابقين مساء أول أمس السبت في السعودية وفق وسائل إعلام، في حملة تطهير غير مسبوقة في المملكة، يفترض أن تسمح لولي العهد الشاب بتعزيز سلطته.
كما صدرت أوامر ملكية بإعفاء وزير الحرس الوطني ووزير الاقتصاد والتخطيط وإحالة قائد القوات البحرية إلى التقاعد، بحسب وكالة واس.
وجرت الحملة بعد ساعات على تشكيل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لجنة لمكافحة الفساد أسند رئاستها إلى نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقضت بتوقيف 11 أميرا واربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين، بحسب ما ذكرت قناة العربية ذات الرساميل السعودية.
وأصدر العاهل السعودي أمرا ملكيا قضى “بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة”.
وبحسب الأمر الملكي الذي نشرت نصه وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) فإن اللجنة مكلفة “حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام”، وقد باشرت التحقيق في الفيضانات التي شهدتها مدينة جدة الواقعة في غرب المملكة على البحر الأحمر في 2009 وأدت إلى مقتل 123 شخصا وتشريد الآلاف.
ومنح الملك سلمان اللجنة صلاحيات “التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيا كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال”.
وعلقت هيئة كبار العلماء بالسعودية على موقع تويتر مؤكدة أن “محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب”.
وأقال الملك سلمان بموجب أوامر ملكية وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، وعين بدلا منه الأمير خالد بن عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن، كما أعفى وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه وعين مكانه محمد التويجري، بحسب ما ذكرت وكالة واس.
كذلك أصدر الملك سلمان أمرا ملكيا قضى بإنهاء خدمة قائد القوات البحرية الفريق الركن عبدالله بن سلطان بن محمد السلطان بإحالته إلى التقاعد، وترقية اللواء البحري الركن فهد بن عبدالله الغفيلي إلى رتبة فريق ركن وتعيينه قائدا للقوات البحرية.
وأفادت مواقع الكترونية سعودية أن من بين الموقوفين الأمير الملياردير الوليد بن طلال، غير أنه لم يتم التأكيد رسميا على ذلك.
قال الخبير في شؤون الخليج في معهد بيكر بجامعة رايس الأمريكية لوكالة فرانس برس “يبدو أن نطاق ومدى هذه الاعتقالات لم يسبق لهما مثيل في التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية”.
وأضاف “إذا تأكد اعتقال الامير الوليد بن طلال، فسيشكل ذلك موجة صدمة على الصعيد الداخلي وفي عالم الأعمال الدولية”.
وقال مصدر في المطار لوكالة فرانس برس إن قوات الأمن منعت طائرات خاصة في جدة من الاقلاع، وذلك منعا لمغادرة شخصيات الأراضي السعودية.
يعمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إحكام قبضته في السياسة والاقتصاد، بحسب ما يرى محللون، عبر استراتيجية مزدوجة: التصدي لأي معارضة، واستقطاب الجيل الشاب إلى حلقة طموحاته.
واتخذ الامير الثلاثيني منذ تعيينه في منصبه في يونيو الماضي إجراءات سياسية وأمنية عديدة بهدف تعزيز نفوذه في المملكة قبل أن يتوج في المستقبل ملكا خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز (81 عاما).
وتعهد في نهاية أكتوبر بقيادة مملكة معتدلة ومتحررة من الأفكار المتشددة، في تصريحات جريئة شكلت هجوما عنيفا ونادرا من قبل مسؤول سعودي رفيع المستوى على أصحاب الأفكار المتشددة في المملكة المحافظة التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة بوادر انفتاح اجتماعي.
وقال الأمير محمد متحدثا خلال منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي أقيم في الرياض “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الاسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”، مضيفا “70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا”.
وتسارعت بوادر الانفتاح الاجتماعي في المملكة منذ بروز دور الأمير محمد في العام 2015 حين كان وليا لولي العهد. وفي 2016، أعلن الأمير عن خطة اقتصادية شاملة تحت مسمى “رؤية 2030” تقوم على تنويع الاقتصاد المرتهن للنفط وتركز على قطاعي السياحة والترفيه، وعلى تفعيل دور المرأة في الاقتصاد.
وعلى صعيد الإصلاح الاجتماعي، اتخذت السعودية مؤخرا خطوة تاريخية، إذ سمحت للمرأة بقيادة السيارة، اعتبارا من يونيو المقبل، وألمحت إلى امكانية السماح بإعادة فتح دور السينما قريبا، كما أعادت بعض الحفلات الغنائية إلى دور الموسيقى في الرياض وعلى شاشة القناة الرسمية الثقافية.
وشهدت السعودية في سبتمبر حملة توقيفات شملت أكثر من 20 شخصا بينهم رجال دين بارزون وشخصيات معروفة.
ورأى محللون أن بعض الموقوفين معارضون للسياسة الخارجية المتشددة التي تتبعها السعودية حاليا، خصوصا في ما يتعلق بالأزمة مع الجارة قطر، في حين أن بعضهم الآخر ينظر بريبة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي يعتمدها الأمير محمد، وبينها تخصيص قطاعات عامة وتقليل الدعم الحكومي.

لائحة المعتقلين

قالت قناة العربية التلفزيونية إن السعودية احتجزت 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين، في إطار تحقيق تجريه لجنة عليا لمكافحة الفساد، تشكلت حديثا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقال مسؤول سعودي كبير طلب عدم نشر اسمه إن الأسماء التالية من بين المعتقلين: – الأمير الوليد بن طلال رئيس شركة المملكة القابضة.
– الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني.
– الأمير تركي بن عبد الله الأمير السابق لمنطقة الرياض.
– خالد التويجري الرئيس السابق للديوان الملكي.
– عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط.
إبراهيم العساف وزير المالية السابق.
– عبد الله السلطان قائد القوات البحرية.
– بكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن.
– محمد الطبيشي الرئيس السابق للمراسم الملكية في الديوان الملكي.
– عمرو الدباغ المحافظ السابق للهيئة العامة للاستثمار.
– وليد آل ابراهيم مالك شبكة (إم.بي.سي) التلفزيونية.
– خالد الملحم المدير العام السابق لشركة الخطوط الجوية العربية السعودية.
– سعود الدويش الرئيس التنفيذي السابق لشركة الاتصالات السعودية
– الأمير تركي بن ناصر الرئيس العام السابق للأرصاد وحماية البيئة.
– الأمير فهد بن عبد الله بن محمد آل سعود النائب السابق لوزير الدفاع.
– صالح كامل رجل أعمال.
– محمد العمودي رجل أعمال.

الأمير متعب المعفى، مرشح سابق للعرش

كان الأمير متعب بن عبد الله الذي ولد عام 1953 يرأس الحرس الوطني السعودي الذي تأسس كقوة أمنية داخلية من قوات خاصة على أساس وحدات قبلية تقليدية أدارها والده على مدار خمسة عقود.
ولأنه كان الابن الأقرب إلى قلب والده، فقد كان من المعتقد في فترة من الفترات، أنه مرشح لاعتلاء العرش.
وكان الأمير متعب خريج كلية ساندهيرست العسكرية ، آخر من كان يحتفظ بمنصب رفيع في هيكل السلطة السعودية من فرع شمر الذي ينتمي له والده، وذلك بعد إعفاء أخويه مشعل وتركي من منصبيهما كأمراء على محافظات في عام 2015.
وانتهى دوره في دهاليز السلطة أول أمس السبت عندما صدر مرسوم ملكي بإعفائه من منصب وزير الحرس الوطني.
وقد ظل الأمير متعب يرأس فعليا قوة الحرس الوطني منذ أن تولى والده إدارة شؤون البلاد عام 1996 عندما أصيب الملك فهد بجلطة أقعدته لكن الأمير لم يتول القيادة بصفة رسمية إلا في عام 2010.
وقال مصدر دبلوماسي في الخليج “هو شخص عملي جدا. أعتقد أنه أذكى كثيرا مما يعتقده الناس. وهو طموح للغاية”.
وتعزز مركز الأمير متعب في عام 2013 عندما أصبح للحرس الوطني وزارة وشغل منصب الوزير.
وشكل الحرس الوطني قاعدة قوة للملك عبد الله على مدار عشرات السنين، وأصبح أشبه بجيش مواز يمثل حصنا في وجه أي محاولة انقلاب محتملة وهمزة الوصل الرئيسية بين القبائل ذات النفوذ في البلاد والحكومة.
ويمكن تتبع أصول الحرس الوطني إلى الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة الذي قاد مجموعة من المحاربين القبليين (الإخوان) فتح بهم معظم شبه الجزيرة العربية في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.
فبعد وفاة الملك عبد العزيز حولت السلطات السعودية مكتب الجهاد والمجاهدين الذي كان يدير شؤون الإخوان وغيرهم من القوات القبلية إلى الحرس الوطني.
ولا يزال الحرس الوطني يختلف إداريا عن الفرعين الآخرين في الهيكل الأمني السعودي المتمثلين في وزارتي الداخلية والدفاع.

علاقات قبلية

يدير الحرس الوطني في الوقت الحالي أكاديميات عسكرية ومشروعات إسكان ومستشفيات كما أنه مصدر دخل هائل للمتعاقدين العسكريين الأمريكيين الذين يتولون تدريب أفراده العاملين وعددهم نحو 100 ألف فرد والمتطوعين غير النظاميين فيه وعددهم 27 ألفا.
ولشركة فينيل كوربوريشن التابعة الآن لشركة نورثروب جرومان تعاقدات لتحديث الحرس الوطني منذ ما يقرب من أربعة عقود.

وكتب الباحث جوزيف كشيشيان في كتابه Power and Succession in Arab Monarchies (السلطة وتعاقب الحكم في الممالك العربية) يقول إن “متعب محبوب لدى القيادات القبلية والأهم من ذلك لدى المجندين الذين يستفيدون من سخائه في العطاء”.
وأضاف “في أقل من 50 عاما غير الحرس حال قطاع من سكان المملكة من عناصر قبلية معدمة إلى مجندين ميسوري الحال مسلحين تسليحا جيدا ومدربين تدريبا عاليا”.
وبصفته قائدا ورث الأمير متعب عن والده مسؤولية مهرجان الجنادرية السنوي الذي يجتذب ملايين السعوديين كل شتاء للاحتفال بالتقاليد والتراث الشعبي لمختلف أقاليم المملكة.
ويمثل هذا المهرجان لكثير من السعوديين تعبيرا مهما عن الكرامة الوطنية وضمان الحفاظ على التراث الثقافي الذي بدأ يختفي في المجتمع السعودي الذي يشهد عملية تحديث متسارعة.

وللارتباط بهذا المهرجان فوائده السياسية

ومن المعتقد أن مصالح الأمير متعب الاقتصادية تشمل ملكية فندق أوتيل دي كريون الراقي في وسط باريس والذي ذكرت صحيفة لو فيجارو الفرنسية أنه اشتراه عام 2010 بمبلغ 354 مليون دولار.
ويقول كشيشيان في كتابه إن والد الأمير متعب أوعز إليه بصفة خاصة أن ينأى بنفسه عن الإفراط في النشاط التجاري.
والأمير متعب متزوج من ابنة صلاح فستق الذي ينحدر من عائلة لبنانية وكانت شقيقته إحدى الزوجات المقربات لدى الملك عبد الله.
ويملك فستق “شركة المعمرون العرب للتجارة”، وهي الشريك المحلي لشركة فينيل في تعاقداتها مع الحرس الوطني.
والأمير متعب من عشاق الفروسية، وكان ابنه الأمير عبد الله من أعضاء فريق الفروسية السعودي، الذي فاز بميدالية برونزية في أولمبياد لندن عام 2012.


بتاريخ : 06/11/2017