سامية أحمد: أجد نفسي مستعدة لابتكار صيغات أخرى من الأغاني ودائمة البحث عما يحبه الجمهور الذي يحترم الفن وله أذن فنية صائبة

  استمتعت جريدة الإتحاد الإشتراكي بإجراء حوار شبه مطول مع فنانة شابة، ولو أن منبرنا سبق ونقل أخبارها في عدة مناسبات.
هي فنانة اشتهرت لدى الجمهور كثيرا من خلال علاقتها بالراحل سعيد الشرايبي، الأيقونة الفنية المغربية العالمية، الذي لحن معظم أغانيها، وعرفها المغاربة بارتباط اسمها بالفقيد لمدة طويلة، إذ كانت لسامية تجارب وحفلات عدة مع الفنان الراحل.
 عرفها إذن الجمهور، وذلك قبل أن تتفجر لدى هاته الفنانة ذات الشخصية الهادئة والمتميزة طاقات أخرى، وترفرف بأجنحتها نحو إبداعات أخرى تحمل قناعاتها الفنية، وتسير بخطوات نحو نحت أوسع لشخصيتها المهنية الفنية، التي لا تبدو أنها بعيدة جدا عن معبدها وشخصيتها الحقيقية كإنسانة وكأم تعيش حياتها الأسرية كجميع الأسر.
والحديث هنا عن الفنانة سامية أحمد، الفنانة المثقفة العاشقة للفن التراثي الغرناطي والأندلسي والأغاني الكلاسيكية والمؤمنة بتلاقح الألحان والثقافات وأهمية الألحان العذبة كما الكلام الجيد الذي ينهل من النصوص الشعرية الزجلية سواء منها المغاربية أو العربية.
سامية التي فتحت لنا صدرها على مصراعيه، لتبوح لنا عمن تكون سامية الإنسانة كما الفنانة، وعن رأيها حول المشهد الفني المغربي الغنائي الحالي، على اختلاف أنواعه، وحول قناعاتها بتلاقح الثقافات، وتحدثنا عن بداياتها: ألبوماتها وأعمالها، ولتكرم، من خلال منبرنا، وبجمل لا تخلو من احترام وشجون، أستاذها الراحل سعيد الشرايبي، الذي تقدر فيه فنه كما إنسانيته، ولتطلعنا عن مشاريعها الفنية التي تحمل أمانيها.
وكل هذا، بكل أدب ولطف، خشية أن تخدش مشاعر حاملي مشعل التراث الفني الأصيل، كما أصحاب الفن الرفيع. علاوة على أحاسيس جمهورها اليافع كما الأكبر سنا.. وهي تصرفات تعكس، حقيقة، وبدون مبالغة في نقل الحوار كما جرى، تربية الفنانة سامية أحمد القيمة والراقية.

 الفنان الراحل الأستاذ سعيد الشرايبي له مكانة كبيرة في المجال الفني داخل وخارج الوطن وليس من السهل أن يتعامل مع فنانين آخرين إلا إذا استشف فيهم بذرة الاتقان والصناعة الفنية الراقية. كيف كانت تجربة سامية أحمد مع هاته المعلمة؟

خوضي للكلام حول هاته القامة التي هي سعيد الشرايبي هو حديث ذو شجون ويحتاج إلى يوم بأكمله أو أكثر لكي أستطيع أن أوفي له حقه، وربما لن أستطيع تماما. فبالنسبة لي السي سعيد الشرايبي فعلا أيقونة.
هو أكيد مشهور على الساحة الفنية، ولكن هو معروف جدا لدى الناس المقربين منه.
عرف السي سعيد بكونه قليل الكلام، ويترجم أفكاره إلى أحاسيس وإلى ألحان التي غالبا ما تكون جامعة ما بين البحث والإلهام، وما بين الإحساس لدرجة عالية من الإدراك والوعي.  أكيد أنه يعزف على العود بمستوى عالي من المهنية، لكن خصوصيته ليست فقط في العزف على العود، لكن أيضا في ألحانه التي تجد بها تيمات معينة وحمولة فلسفية وتاريخية، قد تجعلنا حقا نصفه بأنه «فيلسوف الألحان».
وفضلا عن هذا، فالأشخاص الذين عرفوه عن قرب، يعلمون بكونه كان رجل نكتة، وجيد اللعب بالكلمات. بالإضافة إلى هذا فقد كان كريما يحب المعرفة، وذا جود في العطاء وتلمسه عندما ترى بريق الشغف في عينيه والذي يعتريه عندما مثلا تسأله عن مقام موسيقي معين فيجيبك بلهف، ويعزز جوابه بابتسامة عريضة تستشف منها ولعه بعمله وتقديره وإخلاصه إليه، ويسره أنه يمنح كل ما عنده من أجل فقط إشباع هذه المحبة لفنه.
لقد كنت، صراحة، محظوظة بصداقته وبلقائي به، وأكثر حظا أن ألبومي الأول كان كله من ألحانه وموسوم ببصمته. فسعيد الشرايبي مفخرة للعالم العربي بإبداعاته وبإحساسه الراقي الرائع. أتمنى له الرحمة وأن يكون في سلم وأمان أينما كان.

سامية أحمد أكيد اكتسبت شهرة كبيرة في المجال الفني، ومشت خطوات كبيرة في مسارها الفني، لكن لايزال هناك من يود التعرف على بداياتها وكيف كان العشق الأول للطرب وللفن بصفة عامة

كان من الأبسط أن تكون إجابتي عن البدايات، بالقول إنها عرفت النور عند انضمامي في سن مبكرة إلى مجموعة كورالية، بعدها أسست مجموعة من الكورال وبعدها كان لقائي بالأستاذ سعيد الشرايبي الذي جعل الإحساس بالمسؤولية الفنية أكبر، مما دفعني إلى أن أبحث في مساري المهني عن التميز والنهل من مشارب موسيقية متعددة، لكن فضلت أن أستهل قصة مساري من البدايات الأولى وبالتحدث عن سامية كإنسانة.
فأنا أنحدر من مدينة أسفي الساحلية العتيقة والتي عرفت تلاقح الحضارات بداخلها، نشأت في أسرة تحب الأدب والفن والثقافة والفلسفة إلى حد الولع، استأنست منذ نعومة أظافري بسماع أصوات عذبة، أصوات أيقونات، منهم: أم كلثوم، صباح فخري، محمد عبد الوهاب وديع الصافي وفيروز .. وتشبعت بمدرسة تجمع ما بين المسرح والأدب والموسيقى وما بين الفلسفة أيضا.
بالإضافة إلى كل هذا ترعرعت وسط الفن المغربي الجميل المتعدد المشارب مثل الأندلسي والغرناطي، والموسيقى العذبة للحسين السلاوي وكبار القامات مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بالخياط ونعيمة سميح وبهيجة إدريس وغيرهم من الفنانين.
كل هذه الظروف وهذه الخزانة السمعية التي راكمتها والتي تحمل من كل المنابع الفنية، حفزتني على أن أصر أن تكون لي خصوصية في مساري الفني، مرجعيتها الأساسية هي ذلك الخزان الموسيقي، وجعلتني أهوى التحليق من فن لآخر ومن لون موسيقي لآخر دون أن ألتزم بلون خاص، وأن أتمسك بأن تكون لسامية أحمد خصوصية لا لزومية بأن تقلد أو تتشبه فيها بنوع معين.

سجلت الفنانة سامية أحمد العديد من أغاني التراث العربي الأندلسي لكن بطريقة مغايرة

بالفعل لي في ريبرتواري الغنائي مجموعة من الأغاني أعتز بها مثل:
«أنا قد كان لي خليل»، «يا رشا الفتان»، «مرفوف الدلال»، كما لدي أغاني شخصية مثل «الله حاضر» و» ماندماش عليك» فضلا عن أغنية «تبسم» التي تم إطلاقها في 6 يناير من سنة 2021.
وأرغب أن أوضح، خاصة في  ما يخص الأغاني التراثية التي تم إعادتها، أنني في مساري كفنانة أحببت أن أخرج بموسيقى بشكل أو «ستايل جديد»، وكما نعرف فإن تراثنا، العديد منا يغار عليه ولا يحب التغيير فيه، لكن لي رأي آخر في الموضوع. فأنا أرى بأنه لابد أن نضيف «بصمة»، لا أسميها «تكملة» فتراثنا «كامل مكمول»، إلا أنه يمكن أن نقول عنها: «وضع تقريبي»، قصد أن تستأنس أذان الشباب، بالتراث الموسيقي، خاصة أن هذا الجيل يعد من مستهلكي الأشياء السريعة، وليس بمقدوره أن يستمع لمقطوعة تراثية من أولها لآخرها، مع احترامي لهذا اللون الغنائي التراثي الأصيل.
الأغاني التراثية من الموسيقى الغرناطي والأندلسي أعدت أداءها بتوزيع آخر، يمتاز بقليل من الخفة. و»مرفوف الدلال» كان عملا ضمن ألبومي «تحية».
من جهة أخرى فأغنية «الله حاضر» هي تجربة أعتز بها لأنها من لحني وكنت لأول مرة أخوض تجربة التلحين.
«ما نادماش عليك» عمل فني راق جعلني أتعامل مع فنانين صديقين، قامتين كبيرتين، لازلت أنوي التعامل معهما، وهما على التوالي: الأستاذ والشاعر الكبير محمد الباتولي ثم الفنان والمطرب الكبير والمثقف سيدي محمد الزيات.
وللإشارة فقد كان هذا أول لقاء فني بيننا، وأود وبالمناسبة، أن أوجه لهما الشكر من خلال هذا المنبر.
أما أغنية «تبسم» أفتخر بها هي الأخرى، وقد جمعتني مع مجموعة من الموسيقيين مغاربة، فهي من توزيع فؤاد خضري، شعر مترجم من طرف الفنان عبدو بلحاج. و قد أديتها ك»ديو» مع فنان تركي وتم العزف من طرف فنان كبير جدا يدعى رمضان أسيكغوزو الذي عزف على الكمان، وكانت تجربة جميلة وأثناء فترة الحجر علاوة لأغنية «الله حاضر» التي كانت هي الأخرى في فترة الحجر وأغنية «مالك القلب» التي تم تصويرها من داخل المنزل.

 o o كيف مرت ظروف العمل الفني خلال فترة الحجر الصحي؟

n n ظروف العمل خلال الحجر الصحي كانت صعبة جدا، وكان علينا أن نتعامل معها بما تتاح لنا الظروف حينها، لم يكن لنا لا الأستوديو ولا «كاميرامان» مهني ولكن كان من واجبنا ومن مسؤوليتنا ألا نبقى مكتوفي الأيادي، فضلا عن ذلك كان من واجبنا أن نتفاعل مع الظروف الجديدة بإيجابية وبالتالي أن نبدع، ولا ننسى أن عملية الإبداع هي مرتبطة ولصيقة بالفنان وواجب عليه ومسؤوليته أن يكون حاضرا في هاته الفترات الصعبة، أولا، من أجل نفسه، من أجل أن يستمر في عملية الخلق وثانيا، ليسهل الأمور بالنسبة للمتلقين والجمهور ليمنحه الطاقة الإيجابية التي تبعث على التفاؤل بالرغم من الظروف الصعبة. ورغم كل العراقيل فالفنان حاضر مستعد لكل التحديات..
فالظروف إذن، كانت صعبة، لكننا خرجنا بأغاني جميلة مثل»مالك القلب» وهو عمل فني عبارة عن  ديو مع الفنان حسن الدراز، وأيضا أغنية «تبسم» وهو عمل كان مشتركا مع فنانين من تركيا وكنت محظوظة لأنهم تفهموا الصعوبات التي تتطلبها اللغات المختلفة عن بعضها البعض.
وكما سبقت وقلت، فعندما يكون هناك الوهج، كل الصعاب تهون والعراقيل تصبح تحديات يمكن تجاوزها للوصول إلى الهدف ألا وهو هذا الإشباع الفني الدفين في كل فنان منا: أنك تخرج بعمل جميل لائق بشغفك بالفن.

 o o وكيف ترى سامية أحمد المشهد الفني المغربي الغنائي، الحالي على اختلاف أنواعه، أهو صحي أم ابتعد عن التقنية الصحيحة؟ كيف يتجاوب شباب اليوم مع الفن الاصيل؟

n n المشهد الفني، ولكي نكون متفائلين، به مجموعة من الفنانين الذين يجتهدون. وبه موسيقى جيدة بألحان جيدة، بصمود أكثر.
هناك في الساحة مجموعة من الفنانين أحترمهم وأتابعهم، إلا ما تبقى، أجد وضعهم الفني غير صحي ويسعى في إطار البحث عن البوز. وأتمنى من كل قلبي، ألا يسلط الإعلام عليهم الأضواء.
وفي هذا الصدد أود أن أقول بأنه أحيانا حتي تسليط الضوء يكون بطريقة غير مباشرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد مثقفا ينتقد عملا فنيا رديئا أو فنانا لا ذوق له، ويمنح من طاقته ووقته وكتابته له، لكي تكون النتيجة في الأخير، أنه يركز عليه فعلا ويخلق منه نجما دون أن يدري، فهذه بالنسبة لي، ظاهرة هي الأخرى غير صحية. وكان من الأفضل أن هؤلاء المثقفين و الفنانين يركزون أكثر على الفن الجيد، وكلما ركزنا على الفن الجيد سوف نرى كل ما هو جيد وإيجابي.
المختلفة والنابعة من كل الدول وخاصة الموسيقى التي تحدث أثرا في نفسيتي، سواء التي أتفاعل معها أو يتفاعل معها جسمي الروحي: بمعني الرجفة أو الإحساس بالذبذبات .. أو الموسيقى التي تثير في شعورا معينا أو حالة نفسية سواء البهجة أو العناء أوغيرهما ، فأنا أحب
Les instrumentaux
والتي يسميها البعض، خطأ، «الموسيقى الصامتة». فأنا مستهلكة لها لدرجة الجنون.
من جهة أخرى، فأنا أهوى السينما، خصوصا سينما المؤلف سواء كانت أفلاما أو مسلسلات، وحتى لو لم أجد مع من أناقشها فإنني أدون الأسئلة التي تطفو بخاطري التي تثيرها لي بعض المشاهد، أكتب الملاحظات فقط لجعلها حبرا على ورق، وحبا في الفن الجميل والتصوير الجميل. وبالتالي فأنا لست بعيدة عن الفن.
أحب أيضا النكتة (تقول ضاحكة)، يعجبني أن أضحك بشكل كبير أو الأدهى أن أخلق جو المرح، فأنا مرحة بطبيعتي وهناك من يظن بأنني جد جدية، لكن حقيقة الأمر أومن بأن هذا لا ينفي ذاك: فحب النكتة والبهجة لا يمنع عني أن أكون جدية، هو جزء منه ولهذا السبب تراني أستمتع كثيرا با»لفكاهة الذكية» ، إذا صح التعبير
L’humour intelligent
وأحب ان أتابع كل الفكاهيين الذين يتقنون عملهم، بنفس الشكل الذي أحب به الموسيقيين والفنانين الذين يتقنون عملهم.
فهذه هي سامية الإنسانة، أحب الشق الأنساني في الإنسان.

 o o فماذا عن تكوين سامية العملي ؟

عملي هو الفن وتكويني بعيد جدا عن الفن، فقد درست المحاسبة وإدارة الأعمال، وكنت، ولمدة طويلة، مسؤولة إدارية، ولكن اعتزلت هذا العمل لكي أستطيع التفرغ لشغفي وحلمي.

o o أكيد أن الفنانة سامية تم تكريمها في عدة مناسبات ونالت جوائز مغربية وعالمية، في أي إطار كان ذلك؟

n n بالفعل، وآخر تكريم لي كان يوم 12 من شهر مارس الماضي، ضمن تكريم للمبدعات في المغرب من طرف مجلة. وكان بحضور مسؤولين من مكتب حقوق المؤلف ووزارة الثقافة. كما حظيت بشرف التكريم من قلب مدينة تونس العاصمة في معهد الراشدي من طرف المعهد، في شخص مديرها. وتكريم من بلاد أوزباكستان حيث قدمت هدايا خاصة للمشاركين. دون أن ننسى أنه في كل سفر أو لقاء خارج المغرب هو تكريم وتكليف وتشريف، والمسؤولية تكون مضاعفة كونك تكون لك مسؤولية أن توصل بأمانة تراث بلدك وتعكس مرآة تراثه وما يزخر به من غنى وتنوع وأن تعطي صورة عنه وتنقلها كما هي.

o o ماهي مشاريع سامية أحمد المقبلة؟

n n لدي مشروع أغاني مع سيدي محمد الزيات وسيدي محمد الباتولي.
فضلا عن هذا، لدي مشاريع أخرى مع فنانين وملحنين آخرين، وكلها في إطار البحث عما يحبه الجمهور، وأقصد بذلك الجمهور النوعي، أي الجمهور الذي يحترم الفن وله أذن فنية صائبة، واحتراما لهذا الجمهور أجد نفسي دائما مستعدة للتنويع، قصد ابتكار صيغات أخرى من أغاني، تشبهني طبعا ولكن خارجة نوعا ما عن المألوف وعما تعودت أن أقدمه.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 12/04/2022