في هذا الحوار مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، يتحدث سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، عن مسار المنتدى وإنجازاته، وفي مقدمتها الحصول مؤخرًا على الصفة الاستشارية لدى منظمة اليونسكو في قطاع المعلومات والاتصال. كما يناقش وضعية حرية الإعلام بالمغرب بين النصوص القانونية والممارسة، فضلًا عن أدوار الإعلام العمومي والخاص في مواكبة النقاش السياسي قبل الانتخابات المقبلة، وتحديات الأخبار المضللة. كما يكشف المودني الذي يشغل أيضا مهمة منسق الشبكة المغاربية لحرية الإعلام، رهانات الندوة المغاربية للإعلام التي سوف ينظم المنتدى نسختها الثانية خلال شهر نونبر المقبل.
p المنتدى المغربي للصحافيين الشباب حصل مؤخرًا على الصفة الاستشارية لدى منظمة اليونسكو، ما الذي يمثله هذا الاعتراف بالنسبة لكم، وللصحافيين الشباب في المغرب؟
n هذا الاعتراف الأممي ليس مجرد تتويج رمزي، بل محطة مفصلية في مسار المنتدى. منذ تأسيسنا ونحن نشتغل بمنطق أن الدفاع عن حرية الصحافة والنهوض بأخلاقيات المهنة يتجاوز حدود النقاش الوطني، ويتطلب الانفتاح على المرجعيات الكونية والانخراط في الدينامية الأممية.
اليونسكو، باعتبارها منظمة أممية من مهامها العمل على النهوض بحرية الرأي والتعبير، لا تمنح هذه الصفة إلا للهيئات التي أثبتت استقلاليتها ومصداقيتها.
بالنسبة للصحافيين الشباب، فهذه رسالة قوية بأن صوتهم مسموع، وأن نضالهم قادر على أن يصل إلى دوائر القرار الأممي.
كما أن المنتدى لا يكتفي بالعمل الوطني، بل يحرص على التفاعل المستمر مع مختلف الآليات الأممية لحماية حقوق الإنسان، سواء من خلال إعداد تقارير موازية لآلية الاستعراض الدوري الشامل، أو عبر المذكرات الموجهة للمقررين الخاصين، أو المشاركة في النقاشات الدولية داخل مجلس حقوق الإنسان بجنيف. هذه الصفة الاستشارية ستمنحنا إمكانيات أكبر لتأطير هذا العمل وتوسيع نطاقه، بما يجعل المغرب حاضرًا بشكل إيجابي ومهني في النقاشات الكونية حول الإعلام وحقوق الإنسان.
قوانين الإعلام
بين النص والممارسة
p كيف تقرؤون واقع حرية الإعلام في المغرب اليوم، بين النصوص القانونية والالتزامات الدولية من جهة، والممارسة الفعلية من جهة أخرى؟
n حرية الإعلام في المغرب عرفت خطوات إصلاحية بارزة، خاصة مع صدور قانون الصحافة والنشر الذي ألغى العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر. هذه الإصلاحات منحت المشهد الإعلامي المغربي هامشًا مهمًا من الحرية والتنوع.
لكن، إذا انتقلنا من النص إلى الممارسة، تظهر مجموعة من التحديات. أولها أن بعض المقتضيات الجنائية ما زالت تستعمل في متابعة الصحافيين في قضايا متعلقة بالنشر، وهو ما يتناقض مع روح الإصلاحات التي كان هدفها فك الارتباط بين حرية التعبير والعقوبات السالبة للحرية. ثانيها أن الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها المقاولات الصحافية تجعل استقلالية الصحفي في خطر دائم، وتفتح الباب أمام تبعية الإعلام لمصادر تمويل قد تمس بخطوط التحرير.
من زاوية الالتزامات الدولية، وخاصة المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المغرب قطع خطوات مهمة لكنه لم يصل بعد إلى مستوى الملاءمة الكاملة. ما زلنا بحاجة إلى إصلاحات أعمق، مثل مراجعة القوانين ذات الصلة بالنشر، وتعزيز ضمانات حماية الصحافيين، فضلا عن تعزيز وتوسيع فضاء حرية الرأي والتعبير في إطار منسجم مع المواثيق الدولية وبما يضمن احترام المعايير الكونية ويعكس التزامات المغرب الدولية ثم هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية: ثقافة حرية التعبير. النصوص وحدها غير كافية إن لم تتعزز بثقافة مجتمعية ومؤسساتية تؤمن بأن الإعلام الحر والمهني الذي يحترم أخلاقيات المهنة ليس تهديدًا، بل رافعة للتنمية والديمقراطية.
تجربة التنظيم الذاتي عبر المجلس الوطني للصحافة أثارت نقاشًا واسعًا. ما تقييمكم لها، خاصة في ظل مشروع القانون الجديد لإعادة تنظيم المجلس؟
أولًا، من الضروري التأكيد أن تجربة التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة في المغرب شكلت منذ البداية خيارًا ديمقراطيًا متقدمًا، عكس نضجًا مؤسساتيًا ورغبة في أن تكون المهنة شريكة في تنظيم ذاتها. المنتدى المغربي للصحافيين الشباب انخرط منذ تأسيسه في مواكبة هذه التجربة بروح نقدية بناءة، عبر لقاءات ومشاورات وإصدار مذكرات ترافعية، سواء على المستوى الوطني أو من خلال التفاعل المستمر مع آليات الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان.
اليوم، مع مشروع القانون رقم 26.25 الذي صادق عليه مجلس النواب في يوليوز 2025، نسجل أن هناك مكتسبات مهمة لا بد من التنويه بها، وفي مقدمتها تكريس مبدأ الانتخابات المباشرة عبر الاقتراع الفردي مع احترام مقاربة النوع. هذه خطوة جوهرية لأنها تجعل الصحافيين في موقع تملك مؤسستهم الذاتية، وتتيح لهم محاسبة المرشحين الذين يختارونهم ديمقراطيًا. كما أن المشروع استوعب عددًا من المقترحات التي سبق أن قدمها المنتدى، وهو ما يُحسب إيجابًا لمسار النقاش المؤسساتي والمهني.
لكن، في المقابل، لدينا بعض التحفظات التي نرى أنها تحتاج إلى نقاش مؤسساتي هادئ، خصوصًا فيما يتعلق بـالطابع الزجري للعقوبات التأديبية، في غياب منظومة حماية متكاملة تضمن استقلالية الصحافيين وتحميهم من الضغوط داخل المقاولات الإعلامية. التنظيم الذاتي لا يجب أن يتحول إلى جهاز تأديبي، بل إلى آلية لحماية المهنة وصون كرامة الصحافيين، بما ينسجم مع روح المواثيق الدولية والممارسات الفضلى.
من بين ما نطرحه أيضًا ضرورة تعزيز تمثيلية الصحافيين المهنيين داخل المجلس مقارنة بالناشرين، وضمان مساهمتهم الفعلية في إعداد التقرير السنوي حول حرية الصحافة والانتهاكات، حتى يكون هذا التقرير مرآة حقيقية لواقع المهنة وتحولاتها. كما نعبر عن قلقنا من اعتماد معيار رقم المعاملات في تحديد تمثيلية المؤسسات الإعلامية، لأنه قد يضر بالتعددية ويُقصي المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تلعب دورًا أساسيًا في تنوع المشهد الإعلامي.
إلى جانب ذلك، نقترح إحداث هيئات تحرير منتخبة داخل المؤسسات الإعلامية الكبرى، تُناط بها صلاحيات مرتبطة بأخلاقيات المهنة والخط التحريري، بما يعزز الاستقلالية التحريرية ويحصن الصحافيين من الضغوط السياسية والمالية.
الإعلام وانتخابات 2026
p على بُعد سنة من الانتخابات التشريعية المقبلة، ما الدور الذي يجب أن يضطلع به الإعلام، العمومي والخاص، في مواكبة النقاش السياسي؟
n الانتخابات المقبلة تمثل محطة أساسية في مسارنا الديمقراطي، وهي لحظة لتجديد الثقة بين المواطن والمؤسسات. لكن هذه الثقة لن تُبنى فقط عبر البرامج الانتخابية للأحزاب، بل تحتاج أيضًا إلى إعلام مسؤول، مهني، وقادر على تقريب السياسة من المواطن.
الإعلام العمومي، بحكم مسؤوليته الدستورية، مطالب بأن يضمن الولوج المتكافئ لكل الفاعلين السياسيين، وأن يفسح المجال أمام نقاشات معمقة تُسهم في توضيح الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية للمغاربة. المطلوب أن يكون الإعلام العمومي منصّة للتعددية السياسية والفكرية، وأن يقدم خدمة عمومية حقيقية تحترم ذكاء المواطن وتضمن حقه في المعلومة الصحيحة والمفيدة.
أما الإعلام الخاص، فمسؤوليته تكمن في الجرأة والاستقلالية: أن يطرح الأسئلة الصعبة، وأن يفتح النقاش حول القضايا المسكوت عنها، وأن يساهم في بناء وعي جماعي نقدي. الإعلام الخاص لا يجب أن يتحول إلى مجرد مقاولات تبحث عن الربح، بل إلى فضاءات للنقاش العمومي الحر، مع احترام أخلاقيات المهنة.
على بعد سنة من الانتخابات، هناك أيضًا تحدٍ كبير اسمه الفضاء الرقمي. اليوم جزء مهم من المعركة الانتخابية سيتحدد في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الأخبار الزائفة والدعاية المضللة. هنا يبرز دور الإعلام المهني في فحص الحقائق، وفي تقديم المعلومة الدقيقة للمواطن.
باختصار، نحن بحاجة إلى إعلام يواكب الدخول السياسي ليس كشاهد محايد فقط، بل كفاعل أساسي يساهم في ترسيخ ثقافة المشاركة والمساءلة والشفافية.
مواجهة التضليل الإعلامي
p في السنوات الأخيرة، انتشر خطاب التضليل بشكل غير مسبوق عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية. كيف ترون خطورة الأخبار المضللة، وما هي الأدوات الممكنة لمواجهتها؟
n الأخبار المضللة اليوم أصبحت سلاحًا حقيقيًا في المعارك السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. لم نعد نتحدث عن أخطاء مهنية أو زلات معزولة، بل عن صناعة ممنهجة للمعلومات الكاذبة، تُضَخّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية بسرعة كبيرة، وتؤثر بشكل مباشر على الرأي العام.
خطورة التضليل تكمن في ثلاثة مستويات:
المستوى السياسي: لأنه يقوض الثقة بين المواطن والمؤسسات ويشوه النقاش العمومي.
المستوى الاجتماعي: حيث يزرع الشك والانقسام داخل المجتمع، خصوصًا في قضايا حساسة مثل الهجرة، الصحة، أو الأزمات الاقتصادية.
المستوى المهني: إذ يُضعف مكانة الصحافة الجادة، ويجعل المواطن في حالة ارتباك بين الخبر الصحيح والمفبرك.
لمواجهة هذه الظاهرة، نحتاج إلى استراتيجية متكاملة تقوم على تعزيز التحقق من الأخبار منصات مستقلة ومهنية قادرة على كشف الأخبار الزائفة بسرعة وبأسلوب مبسط للمواطن والتربية الإعلامية، ودعم الصحافة الجادة لأن الصحفي المهني الملتزم بأخلاقيات المهنة هو خط الدفاع الأول ضد الأخبار الكاذبة، فضلا عن تشجيع التعاون بين الإعلام والمجتمع المدني والباحثين: لأن مواجهة التضليل ليست مهمة الصحفي فقط، بل معركة مجتمعية شاملة.
الندوة المغاربية
والقضايا الكبرى
p- نظمتم سنة 2023 أول ندوة مغاربية حول الإعلام، وتستعدون الآن لتنظيم النسخة الثانية. ما هي أبرز خلاصات الدورة الأولى، وما هي توقعاتكم بالنسبة للنسخة المقبلة؟
n النسخة الأولى من الندوة المغاربية التي نظمناها يومي 17 و18 نونبر 2023 بالرباط، حول موضوع «إعادة التفكير في وسائل الإعلام المغاربية: من التحدي التكنولوجي إلى الاستقلال الاقتصادي والتحريري»، كانت محطة أساسية لأنها صادفت الذكرى الـ21 للرسالة الملكية الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام في 15 نونبر 2002. خلال يومين كاملين، جمعت الندوة مسؤولين وصحافيين وفاعلين حقوقيين من مختلف الدول المغاربية: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا.
لخلاصات الأبرز التي خرجنا بها يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط:
الإعلام المغاربي لم يواكب بعد بشكل كاف التحولات الرقمية الكبرى، سواء على مستوى إنتاج المحتوى أو على مستوى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ثانيا لا يمكن الحديث عن صحافة حرة بدون نموذج اقتصادي مستدام يضمن استقلالية المقاولات الإعلامية، بعيدًا عن الضغوط السياسية والمالية، وثالثا التعاون المغاربي، إذ رغم الجمود السياسي، لمسنا رغبة مشتركة لدى الصحافيين والفاعلين الحقوقيين في تعزيز التعاون المهني والإقليمي، بما يجعل الإعلام فضاءً بديلًا للتلاقي والحوار.
اليوم، ونحن نتهيأ لتنظيم النسخة الثانية من هذه الندوة، التي سنخصصها لموضوع «الإعلام المغاربي والقضايا الكبرى»، بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ومنظمة اليونسكو، نطمح إلى أن تكون أكثر شمولية وجرأة
ستناقش هذه الدورة الجديدة كيفية تعاطي الإعلام المغاربي مع القضايا الكبرى التي تشغل منطقتنا: التحولات السياسية والاجتماعية، انتشار خطاب الكراهية، قضايا الهجرة، التنمية، وحقوق الإنسان. الرهان هو أن ننتقل من مستوى التشخيص الذي ميز الدورة الأولى، إلى مستوى اقتراح حلول عملية، عبر بلورة توصيات مشتركة يمكن أن تشكل أرضية للتعاون المغاربي والإقليمي لاسيما وأننا سوف ننفتح على زملائنا الصحافيين في منطقة الساحل.
بالنسبة لنا في المنتدى، هذه الندوة ليست مجرد تظاهرة فكرية، بل هي مشروع استراتيجي لبناء فضاء مغاربي للتفكير الإعلامي المشترك، يجعل من حرية الصحافة رافعة للديمقراطية، ومن الإعلام المستقل أداة لفهم القضايا الكبرى التي تواجه شعوبنا والتحديات المطروحة عليها.