عن دار خطوط للنشر والتوزيع، صدر حديثًا كتاب جديد بعنوان: “سحر الشرق وغوايته: امتدادات صورة المدينة العربية في الفن الاستشراقي، من دولاكروا إلى بول كلي”، لعزالدين بوركة دراسة نقدية، ضمن حجم متوسط يناهز 204 صفحات (بملحق صور). تتصدر الغلاف لوحة لبول كلي (زقاق تونسي [1914]).
في كلمة التقديم، كتب الفنان والكاتب الأردني ـ الفلسطيني محمد العامري أنّه: “يشكّل هذا الكتاب مساحة مهمّة في مسألة اختبار النظرة الاستشراقية لصيرورة المدينة العربية في سياقاتها التاريخية والاجتماعية، وصولًا إلى الأنماط المعمارية التي سادت في حقب مبكّرة”، مضيفًا: “يُعَدّ هذا الكتاب صورة من صور إعادة النظر في ما خلّفه المستشرقون من رسومات وتفاصيل عن الحياة العربية، وتحديدًا عن المدينة العربية، بوصف الاستشراق في الفن التشكيلي من أكثر الظواهر الثقافية والتاريخية والسياسية مدعاة للتأمل وإعادة القراءة بصورة جديدة. ورغم أنها ظاهرة قديمة، فإنها متجددة في طروحاتها التي لم تنتهِ جدليتها بين الشرق والغرب، كونها احتكاكًا بين حضارتين مختلفتين. وهي أيضًا مساحة عريضة لتسليط الضوء على الشخصية الشرقية وملامح الحضارة الإسلامية والحياة اليومية، وصولًا إلى صورة المرأة والرجل، من ملبس وعادات وتقاليد ومهن. ولعلّ اختبار ظاهرة الاستشراق في الفن يقودنا إلى بروز عدّة إشكاليات تتمثل في أشكال تناول المستشرق للبيئة الشرقية وكيفية تعامله معها فنيًا، وأسلوب نقلها إلى بيئته، وما تركه من أدلجة للفن التشكيلي عبر توظيف نفسي متعدّد”.
أما في مقدمة الكتاب نفسه، فيوضح المؤلَّف أنّ هدف هذه الدراسة هو: “تبيّن البعد الحضري والجمالي في الاستشراق الفني المقترن أساسا بتصوير المدن العربية. من خلال تحليل عدد من الأعمال الفنية التي ركزت على البيئة الحضرية العربية، كما سنناقش كيف تمت إعادة تشكيل المدينة العربية بصريًا في أذهان الفنانين الغربيين، وكيف ساهمت هذه الأعمال في تكوين تصور معين عن الشرق والعرب. وكيف أثرت زيارات فنانين الاستشراق للمدن العربية -خاصة- على ملونته وأساليبهم، إذ إن العديد من الرسامين تطورت رؤاهم واشتغالاتهم التصويرية الصباغية وتحديد ألوانهم بعد رحلتهم إلى المغرب والشرق العربيين. فحتى مقامات الألوان لديهم باتت دافئة أكثر، وصارت الدائرة اللونية محصورة بشكل عامل في ألوان محددة مثل الأحمر والأصفر والبني وجميع تدرجاتها المختلفة. وتتمثل الفكرة التي اتحدوا حولها في تصوير المناخ والحرارة والضوء لهذه الأراضي والمدن الغنية والمضاءة بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، سنتناول كيفية تأثير هذه الصور على الهوية العربية، سواء عبر تعزيزها أو تشويهها”. ويضيف في موضع آخر: “المدينة ليست مجرد مساحة جغرافية في هذه الأعمال، بل هي مرآة تعكس الثقافة والتاريخ والتقاليد. (….) ومن خلال استكشاف هذه المدن، مثل القاهرة، بغداد، دمشق، وفاس، وطنجة، ومراكش، وتونس، والجزائر، ووهران، ومكناس… إلخ؛ يُظهر الفنانون الغربيون عمق الجمالية العربية في بيئتها الحضرية، غير أنهم غالبا ما يشتغلون عليها تصويريا مضيفين ملامح تسعى لاستمالة رغبات وأحلام واستيهامات الفرد الغربي. فالتصور الشائع الذي يتردد في العديد من الأعمال هو أن المدن العربية تحتوي على طبقات من التاريخ والحضارة، مما يعطيها هالة خاصة من الغموض والجاذبية”.
وقد تناول الكتاب أبعادا مدينية متعددة من مساجد ودور وقصور وفضاءات الحريم والساحات العمومية والأسواق والأفضية المغلقة مثل الحمامات وغيرها. واستحضر تجارب استشراقية هامة رسمت معالم التحول والامتداد، من دولاكروا وجيروم وإنغر ودافيد روبرتس، وجون فريديرك لويس، وبريدغمان، و ستيفان سيدلاسك، مرورا بعثمان حمدي بك، ولودفيغ دويْتش، وإتيان ديني (الذي اعتنق الإسلام)، وموريس بومبار، وصلا إلى هنري ماتيس وفاسلي كاندينسكي وبول كلي وغيرهم…
ويُعَدّ هذا الكتاب امتدادًا لمشروع نقدي أوسع يواصل فيه الناقد الجمالي عز الدين بوركة البحث في فن الاستشراق بالشرق والمغرب، بعد أن افتتح بإصدار كتاب السابق: “نوافذ هنري ماتيس، المغرب شرقًا بين الألفة والغرابة” (عن دار خطوط وظلال، 2024).
«سحر الشرق وغوايته».. عز الدين بوركة يواصل البحث في فن الاستشراق بالشرق والمغرب

بتاريخ : 05/09/2025