سطوة وداع عاتية لا تستكين أبدا

رحيل مفجع آخر، يخطه حروفه الأليمة مولاي الأصبهاني الذي قرر مغادرة ضجيج الحياة، في تلويحة وداع قاس لا طاقة لنا على تحمله.
مولاي الطاهر الذي يجر وراءه مسارا حافلا؛ عنوانه اللافت هو احترام الجمهور، والأصالة الفنية لهذا الاسم المراكشي الوارف الذي كان محط إشادة وتقدير من لدن المهتمين والمتابعين، لِمَا تميز به من مواهب فَذَّة، وإمكانيات خَلاَّقَة، وألمعية آسرة، وأداء مبهر… ظهر جليا في العديد من الأعمال الغنائية والمسرحية والدرامية والسينمائية… إذ من المؤكد أن الذاكرة والوجدان المغربي لن ينسى أبدا توقيعاته الصوتية الشجية مع أفراد فرقة جيل جيلالة؛ الذي يعتبر مولاي الطاهر أحد أعمدتها وأركانها المؤسسين، ذات إشراقات سبعينية مشرعة على العنفوان، والجموح، وإيراق المطامح، والتحدي، والحلم بمغرب يُزْهِرُ فيه اشتعال الأمل الحاضن للجميع… فلا يمكن أن نتصور الإرث الغنائي لهذه المجموعة الأسطورية، دون أن يأخذنا سحر القرار الدافئ ذي اللمسة العذبة والروعة الأخَّاذَة للأصبهاني؛ الذي سبق لعبد الحليم حافظ في إحدى زياراته للمغرب، أن أبدى انبهاره بأدائه الآسر، وهو يشاهد جيل جيلالة مباشرة، بل أكثر من هذا، فقد رافق المجموعة بالغناء وهي تؤدي رائعة «ليغارة»، ليمسك في الأخير بيد مولاي الطاهر ويرفعها عاليا، معلنا إعجابه بصوته الرخيم… وهذه كانت، من اللحظات النادرة التي جمعت العندليب الأسمر  بجيل جيلالة.
مع العلم أن عددا من الأغاني الخالدة التي يحفل بها ريبرتوار هذه المجموعة، كانت تحمل البصمة الدامغة لمولاي الطاهر، على مستوى تسطير الألحان والتركيب الموسيقي وتوظيف الإيقاعات… وسيتذكر الجمهور دائما، خامته الصوتية الدافئة الحاملة لدفء روحه الشفيفة، وهي تغني ألجواد ألجواد… العار أبويا… ليام تنادي… أش بيك دارت لقدار… الشمعة… داويوه… يامن نرجاك… مصاب ياهلي… يادنيا ياكتاب… يا من عانى… لاش عايش…
وفي السينما والدراما، كانت للراحل مشاركات كثيرة وأدوار عديدة متنوعة، أبانت عن علو كعب الأصبهاني الممثل، ولعل أبرزها؛ تجسيده البطولة في فيلم جنة الفقراء، بمعية جيل جيلالة وممثلين آخرين، مغاربة وفرنسيين… وهو الفيلم الذي تدور أحداثه حول هجرة مجموعة من الشبان المغاربة المولعين بالفن والموسيقى إلى فرنسا، بحثا عن مستقبل واعد، وفرص حياة أفضل، لكنهم سيصطدمون بواقع الاستهداف العنصري الذي يرفض وجودهم، فتنتهي حياتهم هناك، بمأساة اغتيال أحد الأصدقاء.
وتجدر الإشارة كذلك، إلى أن تألق الأصبهاني وهو في بداية مشواره على مستوى تجربة مسرح الهواة بمراكش، كان وراء إصرار الراحل الطيب الصديقي على ضمه إلى فرقته المسرحية، حيث سيقوده عشق الخشبة إلى ترك وظيفته بالمديرية الجهوية للفلاحة بمراكش ، وشد الرحال إلى البيضاء، وهناك سيشارك الصديقي في تقديم عدد من الأعمال؛ أبدى فيها الجمهور إعجابه الكبير بالأصبهاني الذي ما إن يخطو خطوة، أو يُوَقِّعُ على أثر فني، إٍلاَّ ويسرق الأنظار كافة.
عطاء متدفق، وحضور باذخ، وآثار غزيرة… لا يمكن أن نستوفيها في هذه المساحة المتاحة من البوح، عن صاحب البَحَّة الجميلة، التي تسلب عذوبتها الأسماع.
فهل تَرَجَّلْتَ حقا عن صهوة جموحك وترانيمك الحافلة بالعشق الغامر؟! أيها الطاهر، الحاضر دوما وأبدا.
فلترقد روحك في سلام أيها الصادح بأغاني الحياة، الساطع، المُشْرِق، البهي، المُحَلِّق بأجنحة تسافر في النور.


الكاتب : سفيان ياسين الماديلي

  

بتاريخ : 16/05/2023