شهدت سفارة المغرب بباريس مبادرة متميزة لتكريم الجيل الأول من المهاجرين المغاربة في فرنسا، نظمتها السفارة المغربية بتعاون مع قنصليات المملكة. وتم اختيار ثلاثين شخصاً من أبناء الجيل الأول من المغاربة المقيمين في فرنسا، حيث مُنحوا ميداليات تحمل أسماءهم، إضافة إلى رحلة إلى المغرب عبر الخطوط الملكية المغربية.
«أبي، أمي، في أي يوم غادرتم وطنكم الأصلي؟ وكيف غادرتم؟ ولماذا؟» بهذه الكلمات افتتحت السفيرة سميرة سيطايل كلمتها، مستحضرة قصص الرواد الأوائل الذين غادروا المغرب بين عامي 1952 و1962، في فترة كانت المملكة لا تزال تحت الحماية الفرنسية والإسبانية.
وأكدت السفيرة أنه «في المرحلة التأسيسية للهجرة المغربية إلى فرنسا. لم يكن هناك أحد في استقبالهم، ولم يكن أغلبهم يتقن اللغة أو يعرف أحداً هنا. جاؤوا بحثاً عن حياة أفضل؛ بعضهم بدافع المغامرة، لكن معظمهم كان يحمل حلماً في بناء مستقبل مختلف.»
وجرى هذا الحفل البهيج بحضور عدد من الشخصيات، من بينهم السفير المندوب الدائم للمملكة لدى اليونسكو سمير الدهر، ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج إدريس اليزمي، ومدير شركة الخطوط الملكية المغربية بأوروبا وأمريكا أمين الفارسي، إلى جانب قناصلة المملكة بباريس وضواحيها، وعدد من الفاعلين الجمعويين وأفراد الجالية المغربية.
وتم خلال هذا الحفل تكريم ثلاثين مهاجراً مغربياً استقروا بفرنسا بين عامي 1952 و1962، ويقيمون حالياً بباريس أو ضواحيها، حيث تسلموا ميداليات استحقاق بأسمائهم، اعترافاً بمساراتهم المتميزة.
وقد أدار الحفل بإتقان طارق الرمضاني، المسؤول عن الثقافة بالسفارة، وشهد تقديم شهادات مؤثرة ألقت الضوء على قصص الشجاعة والمثابرة والتضامن التي ميزت مسارات هؤلاء الرواد، مما يعكس قيماً إنسانية تناقلتها الأجيال، ويبرز أن العلاقة بين المغرب وفرنسا تتجاوز حدود الهجرة للعمل، لتقوم على أساس تاريخ إنساني عميق.
من بين الشهادات المؤثرة، شهادة رحمة حجي، المعروفة بـ»خالتي رحمة»، التي روت رحلتها بداية الستينيات للالتحاق بزوجها: «التحقت بزوجي الذي كان يعمل بفرنسا بداية الستينيات رفقة طفلي، وسافرت بالحافلة عبر باب سبتة. بعد الوصول إلى فرنسا، أقمت مع أختي أياماً قبل أن أكتري منزلاً. سكنت بعدها في أحد البراريك بسان دوني، وخضت معركة حقيقية للخروج من حي الصفيح الذي كان يفتقر إلى الماء والكهرباء. لدي اليوم ثمانية أطفال، وتبنيت طفلين. عملت كمربية أطفال، وتكفلت بأبنائي بعد وفاة زوجي مند سبعة وتلاثين سنة . أحمد الله اليوم، وقد بلغت الثالثة والثمانين من عمري، واولادي نجحوا في مسارهم المهني.»
أما محمود نصير، فقد قال: «غادرت مدينة فكيك بحثاً عن عمل. كنت في السابعة عشرة، وأخذت 30 ألف فرنك من والدي دون علمه. حاولت العمل في مناجم الفوسفاط بخريبكة، لكن رُفض طلبي لصغر سني. ثم انتقلت إلى الجزائر وعملت في بناء سد بمنطقة القبايل سنة 1951، وبعد جمع بعض المال، ركبت الباخرة نحو مرسيليا. لم أكن أعرف أحداً هناك، فاتجهت إلى لاموزيل للعمل في البناء، ثم انتقلت إلى باريس حيث استضافني صديق لعدة أيام حتى وجدت عملاً وسكناً. عانيت من المرض، وبعد الشفاء غيرت عملي من البناء إلى الكهرباء. سنة 1955، التحقت بي زوجتي يامينة، وأنجبنا ثمانية أبناء، واليوم لدينا أحفاد وأبناء أحفاد. توفيت زوجتي سنة 2020، وأبلغ اليوم 84 عاماً.»
من جانبه، دعا إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى ضرورة الاهتمام بالحالات الصعبة داخل الجالية، قائلاً: «كثير من المهاجرين اليوم معهم عائلاتهم، لكن بعضهم لم يقم بالتجمع العائلي، ويعيشون في مساكن إيواء. هذه الفئة تعاني من العزلة والشيخوخة، وتفتقر إلى بعض الحقوق الأساسية. لا أريد الدخول في التفاصيل، لكنها ما زالت تُرفض للمتقاعدين.» وأضاف في كلمته: «يصعب الحديث بعد هذه الشهادات المؤثرة التي استمعنا إليها. لكنها تذكرنا بتاريخ الهجرة المغربية، فمنذ سنة 1937 كان هناك فنانون مغاربة في باريس مثل الحاج بلعيد ومحمد السلاوي. في أغنيته ‘السفر إلى باريس’، كان الحاج بلعيد يتساءل هل الهجرة حلال أم حرام. وقال إنها حلال إذا كانت بهدف إطعام الأسرة. وهذا ما فعله هؤلاء الرواد، فقد هاجروا من أجل الكرامة ومن أجل أسرهم.»
وفي إطار انفتاحها على الجالية، حرصت السفارة على إشراك مغربيتين من أصول مهاجرة في تنظيم الحفل، ويتعلق الأمر بنادية عاويدي، مؤلفة كتاب «في قلب والدي»، الذي يعد تكريما لوالدها، ودنيا حناش، مخرجة الفيلم القصير «بوا سيدو»، المهدى بدوره إلى والدها.
ولتوثيق هذه التجارب، قبلت أربع كاتبات مغربيات مهمة جمع الشهادات من المكرمين لإصدار مؤلف جماعي مرتقب في نونبر 2025، يُسلط الضوء على صفحة مهمة من التاريخ المشترك بين المغرب وفرنسا. وسيتزامن هذا الإصدار مع الذكرى السبعين لإعلان لا سيل سان-كلو (6 نونبر 1955) الذي شكّل اعترافاً باستقلال المغرب، والذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء.
وستشرف الصحفية والكاتبة سندس الشرايبي على تنسيق هذا المشروع لفائدة مجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى جانب الكاتبات هاجر أزيل، ريم بطال، وسميرة العياشي.
سفارة المغرب بباريس تكرم الجيل الأول من المهاجرين المغاربة بفرنسا

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي
بتاريخ : 07/07/2025