هل سينهي النظام الجديد وجود القواعد العسكرية الروسية؟
خسارة سوريا لإيران في مرحلة ما بعد الأسد، تعتبر مكسبا لتركيا، حيث ستحاول أنقرة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه إيران في المنطقة
كشفت صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية، عن معلومات وصفتها بـ»الحصرية»، لحالة اللوم الشديدة داخل القوات الإيرانية، بسبب سقوط الرئيس بشار الأسد في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الحرس الثوري الإيراني، أن «قادة القوة العسكرية النخبوية في إيران يتبادلون اللوم بمصطلحات غاضبة، بسبب انهيار نظام الأسد وفقدان النفوذ الإيراني في المنطقة».
وقال مسؤول من طهران للصحيفة: «الجو يشبه شيئا ما بين التهديد بالضرب المتبادل، وضرب الجدران، والصراخ على بعضهم البعض، وركل حاويات القمامة. يتبادلون اللوم، ولا أحد يتحمل المسؤولية».
وتابع: «لم يتخيل أحد قط رؤية الأسد يفر، لأن التركيز لمدة عشر سنوات كان منصبًا فقط على إبقائه في السلطة. ولم يكن ذلك لأننا كنا نحبّه، بل لأننا أردنا الحفاظ على القرب من إسرائيل وحزب الله».
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران أنفقت مليارات الدولارات لدعم نظام الأسد، مضيفة أن «حكومته كانت أيضًا حجر الزاوية في «محور المقاومة» الإقليمي الذي قاده آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، وقاسم سليماني، قائد قوة القدس السابقة في الحرس الثوري، الذي قُتل في ضربة جوية أمريكية في 2020».
ولفتت إلى أنه «كانت تلك الشبكة قد تعرضت بالفعل لهجوم شديد خلال الأشهر الـ14 الماضية من خلال الحروب الإسرائيلية ضد حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان، والضربات الجوية البريطانية والأمريكية ضد الحوثيين في اليمن».
وتابعت: «لكن خسارة سوريا قد تكون قاتلة لأنها كانت الطريق الرئيسي لإمداد حزب الله، الذي كانت ترسانته في جنوب لبنان تعرض القوة العسكرية الإيرانية مباشرة على حدود إسرائيل».
وقال مسؤول آخر من الحرس الثوري للصحيفة: «أنت بحاجة إلى شخص هناك لإرسال الأسلحة، لكنهم إما يُقتلون أو يهربون. الآن التركيز هو على كيفية المضي قدمًا من هذا المأزق».
وقال: «في الوقت الحالي، لا توجد مناقشات حول الأسلحة، لأن الجميع يحاولون فهم ما يحدث حقًا ومدى خطورته على إيران»، مضيفا أن «البعض يلوم اللواء إسماعيل قاآني، القائد الحالي لقوة القدس، لأنه سمح لجيش الأسد بالتفكك».
وأردف قائلا: «لا أحد يجرؤ على إخباره بذلك وجهًا لوجه، ولكن هو الشخص الذي تجب محاسبته وإقالته»، مؤكدا أنه «لم يفعل شيئًا لمنع مصالح إيران من الانهيار. سقط الحلفاء واحدًا تلو الآخر، وكان هو يشاهد من طهران. قد تأتي أيام أسوأ».
مكاسب تركيا والقوى الخارجية؟
نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، مقالا، للمحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز، والي نصر، قال فيه إنّ: «خسارة سوريا لإيران في مرحلة ما بعد الأسد، تعتبر مكسبا لتركيا، حيث ستحاول أنقرة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه إيران في المنطقة».
وقال والي نصر إنّ: «الأحداث الكارثية التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية في لبنان وسوريا، من تدمير حزب الله إلى سقوط نظام الأسد، فتحت فصلا جديدا في الشرق الأوسط».
ويرى نصر أنّ: «الأمل هو أن يبشّر انهيار ما يطلق عليه -محور المقاومة- الإيراني في بلاد الشام بفترة من السلام والاستقرار في المنطقة. ولكن النتيجة الأرجح هي زيادة المنافسة الإقليمية لملء الفراغ الناجم عن تقلص نفوذ إيران وحلفائها».
وتابع: «قد أدّى انهيار حزب الله إلى تغيير ميزان القوى بين إيران وإسرائيل، كما أدى سقوط بشار الأسد إلى إضعاف إيران»، مردفا أن: «النتيجة الأوسع نطاقا هي تغيير ميزان القوى بين تركيا وكل الأطراف الأخرى»، بحسب قوله.
وأضاف أنّ: «النهاية السريعة لنظام الأسد تشكّل لحظة فاصلة بالنسبة لسوريا. فهي تمثل تحرر بلد عانى طويلا من 54 عاما من الحكم العائلي الذي اتّسم بالفساد، ولم يكن ذلك أكثر قسوة منه في السنوات الأربع عشرة الماضية من الحرب شبه المستمرة».
واسترسل: «كما أنها تشكل هزيمة مهينة لإيران وروسيا، اللتين دعمتا الأسد، فقد تخسر روسيا القواعد العسكرية التي استخدمتها كنقطة انطلاق إلى أفريقيا، في حين خسرت إيران سوريا كجسر بري لها إلى لبنان»، معتقدا أنّ: «الاحتفالات والنشوة بزوال حكم آل الأسد وهزيمة إيران لا تحكي القصة كاملة».
وأكد: «يمكننا أيضا النظر إلى الحرب الخاطفة التي استمرت 12 يوما وانتهت باستيلاء المعارضة السورية على دمشق، باعتبارها لعبة قوة بارعة من قبل تركيا»، مضيفا: «كانت أنقرة الراعي للجماعة الرئيسية التي قادت الحملة ضد الأسد، هيئة تحرير الشام، وهي مسؤولة لحد كبير عن نجاحات المجموعة في ساحة المعركة».
وأردف: «أعربت تركيا عن دهشتها من السرعة التي انهار بها نظام الأسد، لكن النتيجة كانت مقصودة. إنه عرض واضح لقدرة تركيا على فرض قوتها من خلال هيئة تحرير الشام والقوات المتحالفة معها، حيث تحل تركيا محل روسيا وإيران كقوة خارجية مهيمنة في سوريا».
«مكاسب تركيا في سوريا، قد تمتد مع مرور الوقت إلى لبنان والعراق، وبخاصة مع ضعف موقف إيران في هذين البلدين بخسارة سوريا. وسيغير هذا الواقع توازن القوى الإقليمي بطرق مهمة. فمن ناحية، يمثل هذا نكسة هائلة لإيران. وبنفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكثر أهمية، فإن المكاسب التركية ستترك أثرها على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى» بحسب المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية.
وأكد: «من المرجح أن تعمل جميعها على تعديل سياساتها استجابة للواقع الجديد»، مردفا: «أما بالنسبة لإيران، فخسارة سوريا تعتبر ضربة قوية لمكانتها واستراتيجيتها الإقليمية. وسيقود هذا لإضعاف قدرتها على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل».
واستطرد: «لكن كما تظهر ردود أفعال المراقبين عبر الطيف السياسي الإيراني على سقوط الأسد، فإن المكاسب التركية في سوريا تشكل مصدر قلق كبير. ذلك أن إيران تنظر لتركيا باعتبارها منافسا إقليميا يتحدى مناطق نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز، حيث تنافست الدولتان لفترة طويلة على النفوذ».
وأوضح: «مع الدعم القوي من جانب تركيا لأذربيجان، بما في ذلك الضربة الخاطفة لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ من الجماعات الانفصالية المدعومة من أرمينيا في أيلول/ سبتمبر 2023، فقد خسرت إيران هذه المنافسة فعليا».
وتابع بالقول: «إذا قدمت تركيا، التي شجعتها النتيجة في سوريا، الدعم الآن لأذربيجان لتأكيد سيطرتها على طريق التجارة في زانغيزور الذي سيربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، فستقطع إيران تماما عن القوقاز».
«بالنسبة لإيران، ربما بدا هذا بمثابة إعادة تشكيل لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على القوقاز وبلاد الشام التي تصارعت معها إيران عليها بين القرنين الـ16 والـ20» تابع المحاضر نفسه، مبرزا أنه: «من المفارقة أن العدو الرئيسي لإيران، إسرائيل لديها أسبابها للقلق من تطور الأحداث في سوريا».
وتابع: «سوف يتلاشى احتفال إسرائيل بكل شيء تقريبا لإنهاء الوجود الإيراني في بلاد الشام بسبب التحديات الكامنة في مواجهة مجال النفوذ التركي هناك. وسترفض الحكومة الصاعدة بقيادة هيئة تحرير الشام، بمجرد ترسيخ سلطتها في سوريا، ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، ومن المرجح ألا تظل محايدة بشأن محنة الفلسطينيين».
وأشار إلى أنّ: «الواقع أن الروابط العربية السنية التي تربطها بالفلسطينيين أكثر عضوية من الروابط بين إيران وحزب الله»، مردفا: «يعتقد نصر أن الخطر الكامن على حدود إسرائيل، يكمن الآن في النظام السياسي الجديد في دمشق، بدعم من أنقرة».
وأضاف: «أما الدول العربية، من مصر والأردن إلى دول الخليج العربي، يبدو انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا بمثابة صدى خطير للربيع العربي، الذي اعتقدت هذه الدول أنها هزمته. فقد تحدت تلك الانتفاضات الاستبداد في العالم العربي بدعوات إلى الديمقراطية والحكم الرشيد. وسرعان ما تبنتها الأحزاب الإسلامية».
ومضى بالقول: «احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتفاضات العربية، ورأى مستقبلا للعالم العربي يعكس رؤيته الخاصة للديمقراطية الإسلامية. وفي المقابل، تبنت العديد من الأحزاب الإسلامية تركيا كمصدر إلهام ودعم لها». متابعا: «في النهاية، انتصرت الدول العربية. ولم تكن المخاطر في أي مكان أعلى بالنسبة لتركيا من سوريا».
وتابع: «قد دعمت تركيا بنشاط جزءا من المعارضة، التي شملت فصائل إسلامية، ورحّبت بملايين اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية»، مبرزا: «في تلك المعركة، كانت روسيا وإيران هما اللتان أحبطتا جهود تركيا لإسقاط الأسد. وباعتباره عميلا لإيران، أدارت الدول العربية ظهرها له، ولكن بقاءه كان يتناسب مع هدفها المتمثل في منع أي صعود للحركات الإسلامية».
وأردف: «قد اتخذت الدول العربية، في الآونة الأخيرة خطوات لإعادة بناء العلاقات مع الأسد والترحيب بسوريا مرة أخرى في الحظيرة العربية. وبعد 14 عاما من الانتفاضة السورية، انتصرت تركيا في معركة الإطاحة بالأسد وإقحام نفسها في سوريا».
ومن المثير للقلق بالنسبة للمتحدث نفسه: «بالنسبة للدول العربية فإن هذا النصر يمثل فصلا متأخرا من الربيع العربي، ويأتي على هيئة إحياء للفكرة الإسلامية، كقوة سياسية تسيطر على دولة عربية حيوية»، فيما يرى أنّ: «صعود حظوظ قوة إقليمية واحدة من شأنه أن يدعو حتما لإعادة تنظيم التحالفات ومن ثم بناء استراتيجيات لاحتوائها وعكس مسارها».
وأكّد: «ربما عولت هذه الجهود على استغلال الثغرات داخل سوريا. فمن جهة، تسيطر هيئة تحرير الشام على الحكومة السورية والممر الشمالي -الجنوبي المهم جدا من حلب لدمشق، لكن سيطرتها على بقية البلاد ليست مضمونة لحد كبير. وهناك قوى إسلامية وقومية أخرى تعمل في سوريا، فضلا عن القوى الكردية التي تسيطر على شمال – شرق البلاد».
وختم بالقول: «قد يكون لهذه القوى أسبابها الخاصة لتحدي النظام الجديد في دمشق، وستكون جهودها أكثر قوة إذا وجدت الدعم من الجهات الفاعلة الخارجية الراغبة في دعم قضيتها».
واستطرد: «أفضل نتيجة لسوريا وبعد سنوات من المعاناة هي دولة قوية ومستقرة تركز على إعادة بناء البلاد التي مزّقتها الحرب. ولكن إذا تورطت سوريا في دوامة التنافس الإقليمي، فقد تنتظر مستقبلا لا يختلف كثيرا عن ليبيا، حيث أدّت المنافسة بين القوى الخارجية لتفتيت البلاد وإطالة معاناتها».
مستقبل القواعد الروسية في سوريا
سلط موقع «نيوز ري» وصحيفة «غازيتا» الروسية الضوء على تأثير انهيار نظام بشار الأسد على النفوذ العسكري الروسي في سوريا، ومستقبل قواعدها في البلاد.
وقال موقع «نيوز ري» الروسي إن مستقبل القواعد العسكرية للقوات المسلحة الروسية في اللاذقية وطرطوس مجهول في ظل التطورات الأخيرة.
ونقل الموقع عن المدون العسكري أوليغ تساريف قوله: «وردني من صديق لي أن طائرات الهليكوبتر نقلت جنودنا من المناطق النائية إلى حميميم وطرطوس أمس. كان عليهم ترك المعدات».
من جانبها، ذكرت قناة «وارغونزو» على موقع تليغرام، أن الوضع حول القواعد العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية لا يزال متوتراً، بينما أشارت قناة «ريبار» إلى أن مدينتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري لم تتأثرا بالمعارك.
وحسب ريبار، فقد تم تفكيك المنشآت العسكرية الروسية في بقية أنحاء سوريا، وتم سحب الوحدات نحو حميميم.
وأضافت: «اتخذ قرار العودة إلى روسيا بالنسبة لبعض الوحدات. في سياق الوضع المتغير، من الطبيعي أن تخضع وحدات الجيش الروسي لتغييرات. ما زالت بعض الوحدات المكلفة بالحراسة والدعم في المواقع الاستراتيجية في وسط سوريا موجودة».
وأوردت «ريبار» أن قوات هيئة تحرير الشام أعلنت أنها تعارض وجود قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي السورية.
وأشارت القناة إلى أنه رغم تخفيض القوات العسكرية الروسية وجودها في وسط البلاد، فإنها لا تزال تحتفظ بوجودها في المناطق الكردية ومنطقة شرق الفرات، وقد انتقلت وحدات العمليات الموجودة في كويرس ودير الزور إلى هناك. أما في منطقة تدمر التي تحيط بها حقول النفط، وتمركزت فيها مجموعة فاغنر سابقا، فإن وضع القوات الروسية هناك يبدو غامضا، وفق تعبير قناة «ريبار».
وكتبت قناة «المراقب العسكري» على تليغرام، أن السكان المحليين في اللاذقية وطرطوس، حيث تقع القواعد العسكرية الروسية، بدؤوا بإزالة تماثيل حافظ الأسد، والد بشار الأسد الذي فرّ من البلاد، وهو ما يثير التساؤلات حول استمرار الوجود العسكري الروسي على الساحل السوري.
من جانبه، يرى المراسل العسكري، ألكسندر سلادكوف، أنه يمكن الحفاظ على القواعد في حميميم وطرطوس، لكن ذلك يتطلب دفع تكلفة باهظة.
من جانبها، اعتبرت صحيفة «غازيتا» أن الادعاءات السابقة بأن موسكو حققت انتصارًا كبيرًا على المستوى الجيوسياسي في سوريا، واختبرت كفاءة قواتها، وأنشأت منصة لتوسيع نفوذها إلى دول القارة الإفريقية، تبيّن أنها لا تمت للواقع بأي صلة.
وقالت الصحيفة إن هناك عوامل عدة قد تفسر انهيار نظام الأسد، ومن أبرزها تقليص القدرات القتالية للقوات الجوية الروسية في قاعدة حميميم.
وأضافت أن الوضع القائم حاليا يثير تساؤلات بشأن كيفية سحب الخبراء العسكريين الروس من سوريا، وتحديدًا من طرطوس و حميميم، دون خسائر. ولمّحت إلى أن روسيا قد تضطر إلى التخلي عن القاعدتين في ظل استحالة إمكانية تمديد الاتفاقيات السابقة مع القيادة الجديدة لسوريا بشأن استمرار وجود القواعد العسكرية الروسية على أراضيها.
الجدير بالذكر أن روسيا استثمرت منذ 2015 مبالغ ضخمة لبناء وتجهيز هذه المنشآت العسكرية، حيث تم بناء قاعدة طرطوس البحرية من الصفر تقريبًا بأعلى المواصفات، كما تم تحويل حميميم إلى قاعدة جوية متطورة، والآن قد تضطر -وفقا للصحيفة- إلى ترك هذه المنشآت، وتذهب جهودها سدى.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الوقت لا يزال مبكرا للتنبؤ بالعواقب الجيوسياسية لانهيار نظام بشار الأسد، لا سيما في ظل تطور الوضع في سوريا بشكل سريع، مشيرة إلى أن الشرق الأوسط يقف على عتبة تحوّلات مفصلية.