سوق الصالحين بسلا.. بين الماضي العشوائي والحاضر المهيكل .. إشكالات وتساؤلات تستلزم أجوبة واضحة من المسؤولين  :

يتواجد سوق الصالحين على مساحة تفوق العشرين هكتارا، بمدينة سلا مقاطعة تابريكت، بين كل من حي السلام وحي كريمة ودوار الجديد. كان في الماضي يتشكل من مجموعة من محلات الصفيح العشوائية، وأصحاب «الفراشات» الأرضية.
كان المكان جغرافيا يعتبر مركزا للتبادل التجاري ووجهة لبيع وشراء مختلف أنواع متطلبات الحياة اليومية للمواطنين.
ماذا تغير بين الأمس العشوائي والحاضر المهيكل؟ من المستفيد من هذا السوق؟ ومن المتضرر؟ أسئلة ستحاول جريدة الاتحاد الاشتراكي الإجابة عنها، من خلال تتبع ورصد ما وراء الطلاء الخارجي للمبنى الجميل المفتوح على كل الواجهات حتى السقف.
بداية الانفراجة..إحصاء وهيكلة

مرت أكثر من خمس سنوات على هدم سوق الصالحين أو  «سوق الساعة» أو «سوق الكلب» كما كان يُعرف سابقا، حيث قامت السلطات المعنية بإحصاء أصحاب المحلات الصفيحية سنة 2016، تم تحيين لوائح الإحصاء سنة 2019، بهدف تعويضهم في مركز تجاري مهيكل، افتُتِح بتعليمات من الملك محمد السادس سنة 2022، بأزيد من ألف وأربعمئة متجر ومحل تجاري، ومساحات خضراء تحيط به.
ولجنا السوق المركزي «سوق الصالحين» التقينا بمحمد الغميري، أحد الأمناء بالسوق، الذي أعرب عن صدق إعجابه بالتغيير الذي حصل، من حيث البنية التحتية ومن حيث عملية البيع والشراء التي أصبح التجار والحرفيون يعيشونها.
يقول محمد لجريدة الاتحاد الاشتراكي: « الأمور بخير، التجار والحرفيون يشتغلون بشكل أكثر أريحية عما سبق، حتى الزبائن يدخلون السوق بدون تخوف، وبغرض قضاء أو اقتناء أغراضهم ومتطلباتهم وفقط».
لم يخف محمد أن هناك بعض الإشكالات التي لا يسعه الوقت لجردها لنا، لذا قررنا البحث عن شخص يستطيع وضعنا في الواقع الذي يعيشه السوق بشكل مفصل.
مواطن يطالب بحقه

يوسف واحد من ممتلكي المحلات العشوائية بسوق الصالحين القديم، كان يمتلك محلا يمارس من خلاله مهنة «قهوجي»، منذ أزيد من اثنتى عشرة سنة. تم تحويل يوسف وباقي ممتلكي محلات الصفيح إلى «مصلى» بحي كريمة، لمزاولة تجارتهم مؤقتا، قبل أن تتم القرعة والاستفادة من محلات السوق المهيكل الجديد.
يصرح يوسف لجريدة الاتحاد الاشتراكي، والحسرة جلية وواضحة عليه:» كنت هنا منذ سنوات مضت، بعد الهدم كانت «كورونا» التي أخرت علينا عملية الاستفادة، نادونا للقرعة لكنني رفضت، لكونهم وضعوني مع أصحاب بيع الملابس وأنا لست كذلك، كنت أمتلك مقهى، وإلى حدود هذه اللحظة لم أستفد من حقي في محل تجاري، وهذا الذي أشتغل فيه اكتريته من صاحبه».
قام يوسف بوضع شكاية لدى مصالح ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة، ليجيبه عامل عمالة الرباط، عن موضوع الشكاية، بجواب يؤكد ضمنيا حقه في الاستفادة. وجاء  الجواب في نقطتين؛ الأولى هي أن عملية إجراء القرعة الخاصة بسوق الصالحين تمت في إطار لجنة مختلطة مكلفة بدراسة وتتبع جميع الملفات المتعلقة بالسوق، ضمت في عضويتها أمناء المهن وممثلي التجار والحرفيين ومختلف القطاعات المتدخلة والثانية، أن اسمه كان مدرجا بقوائم الإحصاء الرسمي في فئة أصحاب المأكولات الخفيفة، وقد تم استدعاؤه عدة مرات لإجراء القرعة على غرار باقي المستفيدين، غير أنه رفض المشاركة في أية قرعة في هذا الشأن بدعوى أنه كان يستغل مقهى وليس محلا لبيع المأكولات الخفيفة مما جعل ملفه يبقى عالقا إلى حد الآن.
يحيلنا يوسف على الوثائق المصادق عليها باسم أمناء السوق وأعضاء مكتب جمعية تدبير فضاءات سوق الصالحين، يشهدون له فيها بأنه امتلك محلا يمارس من خلاله مهنة «قهوجي»، مزودا جريدة الاتحاد الاشتراكي ببعض صور مقهاه في المحل الصفيحي.
يقول يوسف في هذا الصدد: « توجهت إلى السلطات المحلية، أجابني قائد المنطقة أن هناك خطأ بالنسبة لحالتي، وسيتم حل المشكلة. جاءني استدعاء من أجل قرعة ثانية، ذهبت لكنني تفاجأت هذه المرة أن اسمي تم إدراجه في فئة أصحاب المأكولات الخفيفة، فرفضت المشاركة».
ليس يوسف وحده

ليس يوسف وحده من تعلق حقه في السوق المركزي «سوق الصالحين»، وإنما هناك متضررون آخرون، تتوفر جريدة الاتحاد الاشتراكي على مجموعة من الشواهد الإدارية، المقدمة من طرف القائد رئيس الملحقة الإدارية كريمة بسلا، تخص المرحلة الثانية من الإحصاء سنة 2019، تتضمن أسماء، ترتيبها في قائمة الإحصاء، المهن التي كانت تزاولها بالسوق القديم، وهدمها للمحلات الصفيحية التي امتلكتها، لكن لم يتم تعويضها.
لتوضيح الأمر، حاولنا الحصول على وثيقة من مؤسسة وسيط المملكة بتاريخ 30 دجنبر 2022، تتضمن قرارا بحفظ ملف إحدى هاته الحالات التي بلغتنا؛ سيدة كانت تستغل محلا صفيحيا، لبيع الخشب المستعمل بسوق الصالحين، أكثر من خمس عشرة سنة، تم إحصاؤها في السوق، حسب الشهادة الإدارية المسلمة لها من الملحقة الإدارية المعنية بحي كريمة-سلا سنة 2019.
يأتي في هذا القرار: «القرعة تمت في إطار لجنة مختلطة، مكلفة بدراسة وتتبع جميع الملفات المتعلقة بالسوق المعني، قامت بالتشطيب على مجموعة من الأسماء خلال عملية تحيين لوائح إحصاء المستفيدين من سوق الصالحين، وشملت كل من لا يزاول نشاطا فعليا ومستمرا بالمحل الصفيحي، وكذا المسجلين المقيدين بالخارج، والمسجلين من الموظفين العموميين، إضافة إلى زوجات وأبناء بعض المستفيدين غير المزاولين لنشاط تجاري بالسوق».
يؤكد القرار أن سبب عدم استفادتها كونها ضمن فئة «زوجات وأبناء بعض المستفيدين غير المزاولين لنشاط تجاري بالسوق»، لكن كانت السيدة تزاول نشاطا تجاريا بالفعل، وذلك ما يؤكده كل من القرار نفسه والشهادة الإدارية المقدمة من طرف الملحقة الإدارية المعنية، والتي جاء فيها: « قامت بهدم المحل التجاري الصفيحي الكائن بسوق الصالحين بصفة نهائية بتاريخ 18 ماي 2019، وتم ترحيلها بصفة مؤقتة إلى محل تجاري صفيحی متواجد بالبقعة المسماة مصلى حي كريمة، إلى حين استفادتها من محلها التجاري فور الانتهاء من إنجاز المشروع».
ماذا يحصل؟

تواصلت جريدة الاتحاد الاشتراكي مع عضو مكتب جمعية تدبير فضاءات سوق الصالحين، حول إمكانية استفادة أفراد من نفس الأسرة بالسوق، قام بتأكيد وجود أفراد مستفيدين من نفس الأسرة معللا في حديثه إلينا: « هناك أفراد من نفس الأسرة استفادوا، ذلك يعود لكون الفرد يمتلك محلا صفيحيا، يزاول فيه عملا، أو اشتراه وأصبح في اسمه».
نفس الأمر أكده لنا أصحاب محلات بالسوق، مع رفضهم تقديم أي تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي، خوفا من أمر مجهول، أو جهلا بدورنا في نقل الواقع بأمانة.
« كنت أبيع السجائر في التسعينيات، بعد مدة بنيت محلا قصديريا «عشة»، قالوا إنه سيتم تعويضي، لم يتم ذلك»، هكذا تفاعلت معنا امرأة كبيرة في العمر بعد أن وصفها لنا أحد التجار بأنها من المتضررين. ثم انصرفت من أمامنا، وعادت السيدة إلى «الگاريطة» تبيع السجائر، وتنظف المراحيض.
رغم مساحته الكبيرة، ولونه الأبيض، ومحلاته الكثيرة وأزقته المفتوحة، تعطل على بعض ذوي الحقوق؛ الحصول على حقهم من سوق الصالحين، وفي الوقت ذاته مازالت هناك مجموعة من المحلات بالسوق مقفلة، فهل يا ترى تكون بعض هذه المحلات من نصيب الأسر المعلقة آمالها. خاصة وأن عناصر الشرطة القضائية تبحث في ملفات هذا السوق؟!


بتاريخ : 02/11/2024