سيباستيان راوولت: قصة الهاكرز الفرنسي المرحل إلى أمريكا.. من الألف إلى الياء!

بررت محكمة النقض حكمها بترحيل الهاكرز الفرنسي «سيباستيان راوولت» (21 سنة) إلى الولايات المتحدة، بدلا من فرنسا، بأن الطلب قدمته الولايات المتحدة «خلال الفترة التي حددها القانون»، وأنه كان مصحوبا بجميع الوثائق اللازمة مثل «مذكرة الاعتقال» و»المعلومات الشخصية» للمشتبه به)، حسبما ذكرت وكالة «فرانس بريس» يوم الإثنين المنصرم، حيث اعتقلته قوات الأمن المغربية في شهر ماي في «المطار الدولي الرباط – سلا»، لكونه كان على «النشرة الحمراء» الخاصة بـ»الإنتربول» بسبب تورطه في «قضية قرصنة إلكترونية» دولية و«مطلوبا» من»الولايات المتحدة».
ومع ذلك (بحسب القانون)، لا يمكن إتخاذ «قرار التسليم» النهائي إلا من قبل رئيس الحكومة المغربي، وبالتعاون مع وزيري العدل والشؤون الخارجية، كما أوضح مصدر مغربي لوكالة «فرانس برس».
وقد دعا محامي الهاكرز راوولت، «فيليب أوهايون»، إلى «فتح تحقيق قضائي» في فرنسا، قائلا إن: «القرار «يعزز تصميمه» على الحصول على فرصة لتسليمه إلى فرنسا»، مردفا: «..لم ينته الأمر بعد، ولا تزال هناك مرحلة من الخطوات الحكومية لعملية التسليم»، بحسب تصريحه لقناة «BFMTV» الفرنسية ومعقبا : «لدينا ما بين 4 إلى 6 أشهر للنتحرك للحصول على النيابة القضائية الفرنسية».
من جهته، ذكر والد سيباستيان، «بول راوولت» (63 عاما) أنه «قد حث رئيس الوزراء الفرنسي، في وقت سابق، على التدخل لوقف تسليم ابنه إلى أمريكا، «منددا» بغياب الحماية القضائية من طرف سلطات فرنسا. وأكد أن ابنه بريء، ومن غير المنطقي تسليمه إلى الولايات المتحدة عندما «يتهم بأفعال يزعم أنه إرتكبها في فرنسا».
في السياق نفسه، تشتبه «المخابرات الأمريكية» في أن الشاب البالغ ينتمي إلى مجموعة من الهاكرز «شايني هانترز» (ShinyHunters)، وهي مجموعة «إرهابية إلكترونية» يعتقد أنها وراء بعض «أكبر الاختراقات للبيانات العامة منذ عام 2020».
ونظرا لخطورة التهم الموجهة إليه في الولايات المتحدة، قد يواجه سيباستيان راوولت حكما بالسجن لأكثر من 100 عام في حالة تسليمه».

من هو «سيباستيان راوولت»؟
وأي تهم موجهة له؟

بحسب تصريحات عائلته لوسائل الإعلام، فإن «سيباستيان راوولت» (21 سنة)، الذي عاش مع والديه في «إبينال»، كان في سنته الثانية من شعبة «علوم الحاسوب» عندما توقف عن متابعة دراسته في الشعبة في دجنبر 2021. وقال والده: «..كان في مرحلة الانفصال عن مشواره الدراسي، إذ أراد أن يعيش ويكتشف العالم، وشعر أنه يضيع وقته في الدراسة.. لذلك ذهب إلى المغرب، إلا أنه تم اعتقاله في ماي 2022»، في تصريح لوكالة «فرانس برس».
ويرى مكتب «التحقيقات الفيدرالي» أن الموقوف الفرنسي عضو في «شايني هانترز» (ShinyHunters)؛ (مجموعة هاكرز سميت كذلك في إشارة إلى عالم بوكيمون)، وتتهمها السلطات الأمريكية بأنها تجمع لـ»مجرمي الإنترنت غزيري الإنتاج» الذين يشتبه في كونهم وراء سرقة وبيع «البيانات السرية» (أحيانا) لعشرات الشركات بمبلغ قدره «القضاء الأمريكي» بعدة ملايين من الدولارات، معتمدين على تقنية «التصيد الإحتيالي» متقدمة وما تحتويه منصة «Github» التي يستخدمها المطورون على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.
ويؤكد المحققون الأمريكيون، من جانبهم، أن «سيباستيان راوولت» قام بـ «الكشف خلال تبادل للمعلومات عبر الإنترنت» عن معلومات توضح «مسؤوليته» عن بعض من تحركات المجموعة الإختراقية، و»أن حسابه على منصة «GitHub» تم استخدامه لاختبار «أجهزة التصيد الاحتيالي» لـ «محاصرة مطوري الشركات التي سرقت بياناتها».
وبعد سجنه في «سجن تيفلت 2» (بالقرب من الرباط)، طلبت «الولايات المتحدة» تسليمه بتهم «التآمر لارتكاب الاحتيال والإساءة الإلكترونية» و»الاحتيال الإلكتروني» و«سرقة الهويات»، كما إتخذ رئيس الحكومة المغربي القرار النهائي بشأن نقله في نهاية دجنبر صوب الولايات المتحدة (في أجل 30 يوما).

البداية مع «شايني هانترز» (ShinyHunters)

كما ذكرنا أعلاه، توصلت السلطات الأمريكية إلى أن الشاب الفرنسي يعتبر فردا من مجموعة المخترقين المسماة «شايني هانترز» (ShinyHunters)، والمتهمة بمجموعة من «الجرائم الإلكترونية» المرتبطة بـ»إختراق البيانات الخاصة والحساسة» لـ73.2 مليون شخص وسرقتها في عام 2020. وفي هذا الشأن، أرسلت «الولايات المتحدة» طلبا لـ»المساعدة المتبادلة في المسائل الجنائية» إلى «فرنسا» الصيف الماضي، بحسب ما قاله مصدر مطلع على القضية لوكالة «فرانس برس»، وليعقبها عدة «اعتقالات» و»جلسات استماع» تتعلق بأشخاص يشتبه في تورطهم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الشبكة، دون اتخاذ أي «إجراء قضائي» آخر في هذه المرحلة، تزامنا مع إجراء «مقابلات تحقيق» مع عدد من الفرنسيين من قبل «ضباط الشرطة» من «المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، بناء على طلب «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأمريكي.
في عام 2020، تصدرت «المجموعة» عناوين الصحف، عندما «زعموا» أنهم اخترقوا البيانات الشخصية لـ 73.2 مليون مستخدم لعشرات المواقع والتطبيقات (ما يقرب من 60 شركة) قبل طرحها للبيع على «الويب المظلم»، كما أفاد موقع «ZD Net» المتخصص. ولإثبات صحة الإختراق وضعوا بعضا من هذه البيانات بشكل «مفضوح» عبر الإنترنت (عرضت المعلومات للبيع بسعر ما بين 16 ألف و18 ألف يورو). أما عن المنصات المخترقة، فتشمل : تطبيق المواعدة «Zoosk»، خدمة الطباعة «Chatbooks»، شركة توصيل الطعام «Home Chef»، عملاق الأزياء الكوري الجنوبي «SocialShare» ، وموقع المبيعات «Vinted»، حيث تمت العملية عبر توجيه الضحايا إلى بوابات تسجيل للدخول لحساباتهم «مزيفة»، والتي سمحت «للمهاجمين بسرقة بيانات الاعتماد (الولوج) الخاصة بهم، والاستيلاء على الموارد التي يمكن الوصول إليها، مع إستهداف شبكات الشركات».
بالعودة إلى الطالب الفرنسي، المشتبه في انتمائه إلى مجموعة القراصنة هذه، فقد طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي تسليمه ليحاكم في الولايات المتحدة، حيث قد يواجه «116 عاما» في السجن. وقد مكنت صحيفة «لوموند»، التي تخصص أيضا مقالا لمجموعة القراصنة، من الرجوع إلى «لائحة اتهام» يعود تاريخها إلى يونيو 2021.. في هذه الوثيقة التي إستشهدت بها الصحيفة، نرى ما ينص على أن أعضاء المجموعة «شاركوا في بيع بيانات عملاء أكثر من 60 شركة»، مسببين أضرارا مالية تقدر بالملايين من الدولارات.
ووفقا لـ»وثيقة قضائية» أخرى، تستشهد فيها شركة الأمن السيبراني «Intel471» بضحايا آخرين لهم: حساب «مايكروسوفت» على منصة (Github)، تطبيق تحرير الصور «Pixlr»، علامة الملابس «Bonobo».. استنادا إلى وثائق «مكتب التحقيقات الفيدرالي»، تقول الجريدة «إن المجموعة استخدمت تقنية «التصيد الاحتيالي» لـ»فك تشفير البيانات وإستخراجها» على النحو التالي: إرسال رسائل بريد إلكتروني إلى مطوري الشركات المستهدفة (مرفوقة بـ»رسائل تحتوي على روابط لمواقع التصيد الإحتيالي») مستشهدة بمثال (GitHub) التي إستحوذت عليها «مايكروسوفت» في عام 2018، وتسمح للمطورين «بتخزين ومشاركة مشاريع تكنولوجيا المعلومات».

مآل المخترق الشاب؟ و ما رأي فرنسا بهذا الخصوص؟

وفقا لمحاميه «فيليب أوهايون»، فإن «العقوبة السجنية» لموكله ستصل إلى 116 عاما في الولايات المتحدة بسبب التهم و الأدلة المنسوبة عليه.
ولتجنب هذه النهاية المأساوية، حاول والده «بول راوولت» دق كل الأبواب، وناشد وزير العدل «إريك دوبوند موريتي» المساعدة، ثم بعث برسالة إلى «رئيس الجمهورية»، لكن دون جدوى، قائلا لـ»وكالة فرانس برس»، في مقابلة في غشت الماضي، «تعرض ابني للخيانة من قبل فرنسا». كما ناشد بدوره، المحامي «فيليب أوهايون»، «لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب»، لكن الهيئة رفضت تسجيل طلبه، فأحال «المسألة»، منذ ذلك الحين، إلى «لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة».
في غشت الماضي، وبعد «جلسات الاستئناف»، أشار وزير العدل الفرنسي إلى «أن فرنسا ليس لديها إمكانية التدخل في هذه المرحلة المتأخرة» لأن الأمر يتعلق ب»المغرب والولايات المتحدة».
ومع ذلك، أكد «أن وزارة خارجية بلده من الواضح أنها معبأة بشأن هذه المسألة، لكونه مواطنا فرنسيا». في يوم الأربعاء 25 يناير، وردا على سؤال من «وكالة فرانس برس»، قالت المتحدثة بإسم السيدة «آن كلير ليجيندر» إن «الجدول الزمني لتسليم السيد سيباستيان راوولت يتعلق بالعلاقات السيادية بين المغرب والولايات المتحدة» دون إضافة تصريح آخر، بالإضافة إلى ذلك أشارت «وزارة الخارجية» في نهاية دجنبر إلى «أن الفرنسي تلقى خمس زيارات قنصلية منذ سجنه، مكنت من ضمان ظروف إحتجاز وحالة الصحية جيدة مع الالتزام بتمكينه بحقوق الدفاع عن نفسه».

9 تهم و 116 سنة سجنا.. وجهة نظر السلطات الامريكية!

بحسب بلاغ موقع «مكتب المحاماة» التابع لـ «منطقة واشنطن الغربية»، فإن «سيباستيان راوولت» سيمثل يوم الجمعة 27 يناير 2023 في «محكمة المقاطعة الأمريكية» في «سياتل» وبـ»لائحة إتهام» من 9 تهم تتنوع بين «التآمر لإرتكاب الاحتيال» و»إساءة إستخدام الأدوات المعلوماتية» و»التآمر لارتكاب أفعال إحتيالية عبر الأنترنت». ناهيك عن 4 تهم مرتبطة بـ»الاحتيال» و3 تهم ب»سرقة الهوية» أعلن عنها المدعي العام الأمريكي «براون» موجهة لـ»سيباستيان راولت» المعروف أيضا بلقب «سيزيو كايزن» الذي إعتقل (العام الماضي) في «المغرب» وتم تسليمه ل»الولايات المتحدة» الأسبوع الماضي، غير أن الاتهامات ليست موجهة فقط له بل أيضا لـ 2 من المتآمرين الآخرين من قبل «هيئة محلفين كبرى» في «المنطقة الغربية من واشنطن» في 23 يونيو 2021، وعلى أن أول ظهور له في المحكمة سيكون في الساعة 2 بعد الزوال أمام «قاضية الصلح» السيدة «ميشيل – إل – بيترسون».
«..تغتر الكثير من المجموعات أو الجهات سواء المستغلة أو المتخصصة في مجال الاختراق وتعتقد أنها تستطيع «الوصول بشكل غير قانوني» إلى «معلومات الملكية الخاصة» و»المعلومات المالية الشخصية» عن طريق الاختباء خلف لوحة المفاتيح»، كما قال المدعي العام الأمريكي «براون»، مضيفا «تعمل فرقة «البحث الإلكترونية» التابعة لـ «مكتب التحقيقات الفيدرالي» في «سياتل» ووحدتنا الإلكترونية ذات الخبرة بجد لتحديد وإعتقال ومقاضاة أولئك الذين يسعون إلى «إيذاء الأشخاص والشركات والصناعات» في المنطقة الغربية من واشنطن وحول العالم»، كما جاء بالموقع.
وعن ما بعد عملية الإختراق الشهيرة، أكد مكتب المحاماة «أن المخترقين قد إحتفظوا بحسابات على «مواقع الويب المظلمة» المختلفة، حيث أعلنوا عن بيانات مسروقة للبيع بما في ذلك «قواعد بيانات العملاء» التي تحتوي على معلومات شخصية ومالية خاصة. إستخدم المخترقون أيضا، حسابات «وسائل التواصل الإجتماعي» لتوجيه «المشترين المحتملين» إلى حساباتهم على «أسواق الويب المظلمة» لشراء البيانات المسروقة، كما أنهم في بعض الأحيان «تباهوا» بتنبيه «وسائل الإعلام» إلى «عمليات القرصنة الإلكترونية الخاصة بهم ونتائجها»». كان بعض ضحايا تلك العمليات ممن يقطنون «المنطقة الغربية» من «واشنطن» بالأخص، على غرار الكثيرين من أنحاء العالم، ويتراوحون (الضحايا) ما بين «شركات التكنولوجيا» إلى «شركات تداول الأسهم» الدولية وشركات «الملابس» وشركات «للتغذية» و«اللياقة البدنية» مضمنين الملايين من سجلات العملاء في البيانات المسروقة، بالإضافة إلى تهم أخرى متعلقة ب»رسائل بريد إلكتروني ضارة» موجهة إلى «كيانات محددة» في «ولاية واشنطن». بالإضافة إلى راوولت، تحتوي «لائحة الاتهام» على أسماء كل من «غابرييل كيمياي أسدي بيلدشتاين» البالغ من العمر 23 عاما والمعروف بلقب «كوروي» و«عبد الحكيم الأحمدي» البالغ من العمر 22 عاما الملقب بـ «زاك» و«جوردان كيسو» من ليون بفرنسا.


الكاتب : ترجمة و إعداد: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 31/01/2023