تعيش مدينة سيدي قاسم، التابعة لجهة الرباط–سلا–القنيطرة، على وقع تحولات تنموية متباينة تعكس وضعًا مركّبًا يتأرجح بين ما تحقق فعليًا ولا يزال قيد الانتظار. فبين هدوء مدينة ذات تاريخ عريق في المجال الفلاحي والصناعات المرتبطة بالبترول، وبين تطلعات ساكنتها إلى تنمية أكثر جاذبية وشمولية، تبرز أسئلة عديدة حول مستقبل هذا المركز الحضري وموقعه داخل النسيج الجهوي.
رغم بعض المشاريع التي شهدتها المدينة خلال السنوات الأخيرة على مستوى الطرق وبعض المرافق الأساسية، إلا أنّ البنية التحتية لا تزال في حاجة إلى دفعة قوية تواكب توسع المدينة وارتفاع ساكنتها. فشبكات النقل الحضري لا تزال محل انتقادات من المواطنين، بسبب محدودية الخطوط وضعف الربط بين الأحياء.
كما يعرف عدد من المحاور الطرقية حاجة متزايدة لتهيئة شاملة، خاصة تلك التي تربط المدينة بمحيطها القروي أو بالمراكز الحضرية المجاورة.
لطالما ارتبط اسم سيدي قاسم بالقطاع الفلاحي وبنشاطات الصناعات النفطية، لكن التحولات الاقتصادية الوطنية والجهوية تفرض اليوم إعادة النظر في نموذج التنمية المحلي.
ففي الوقت الذي تعرف فيه المقاولات الصغرى والمتوسطة حضورًا محتشمًا، يطالب فاعلون اقتصاديون بإحداث مناطق صناعية وتجارية جديدة قادرة على جذب الاستثمار وخلق فرص شغل للشباب، خاصة مع الموقع الاستراتيجي للمدينة قرب محاور طرقية مهمة.
يظل ملف الشباب من أبرز التحديات التي تواجه سيدي قاسم، إذ تُجمع أصوات كثيرة على ضرورة تعزيز عرض التكوين والأنشطة الثقافية والرياضية.
ورغم وجود بعض المبادرات في دور الشباب والمراكز الثقافية، إلا أن الطاقة الاستيعابية المحدودة ونقص التجهيزات يواصلان تقييد تفعيل طاقات الشباب، ما يؤثر على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة.
تعرف المدينة خصاصًا واضحًا في الفضاءات الخضراء والمرافق المفتوحة، الأمر الذي يدفع العديد من الأسر إلى التنقل نحو مدن مجاورة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وتبرز دعوات متزايدة لدى المجتمع المدني لتسريع وتيرة التشجير وتأهيل الحدائق، وخلق مساحات تصبح متنفسًا حقيقيًا للسكان، خصوصًا في ظل التوسع العمراني المتسارع.
باعتبار سيدي قاسم جزءًا من جهة الرباط–سلا–القنيطرة، فإن إدماج المدينة في المشاريع الجهوية الكبرى، لاسيما في مجالات البنية التحتية والصناعة والخدمات، يمثل فرصة حقيقية لإعادة تموقعها اقتصاديًا واجتماعيًا.
ويرى عدد من المهتمين أن تعزيز اللامركزية الجهوية ودعم الجماعات الترابية بإمكانه إحداث نقلة نوعية على المدى القريب، شريطة إعداد رؤية موحدة تجمع مختلف المتدخلين.
تبدو سيدي قاسم مدينةً تمتلك مقومات تاريخية وجغرافية مهمة، غير أن واقع التنمية بها يظل في حاجة إلى رؤية استراتيجية واضحة وجرأة في اتخاذ القرار.
بين الآمال الشعبية والرهانات الجهوية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح سيدي قاسم في استعادة مكانتها ضمن المدن الصاعدة؟
الإجابة ستعتمد دون شك على قدرة الفاعلين المحليين والجهويين على تفعيل مشاريع واقعية وطموحة تستجيب لتطلعات الساكنة.
سيدي قاسم… مدينة بين رهانات التنمية وطموحات ساكنتها
الكاتب : عبد الحق الريحاني
بتاريخ : 13/12/2025

