يعود موضوع إنشاء المركز الاستشفائي الإقليمي بسيدي البرنوصي ليتصدر واجهة النقاش العمومي داخل الدار البيضاء، بعد أن تقدّم أعضاء مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي بملتمس رسمي موجه إلى جماعة الدار البيضاء من أجل التعجيل بإخراج هذا المشروع الحيوي إلى الوجود. فالمنطقة، التي تُعدّ من أكبر مناطق العاصمة الاقتصادية من حيث الكثافة السكانية وعدد الأحياء الممتدة على مساحة واسعة، لطالما عانت من محدودية البنيات الصحية، واعتمادها شبه الكامل على مستشفيات تقع خارج تراب المقاطعة، الأمر الذي يرهق الساكنة ويؤثر سلبًا على جودة الولوج إلى الخدمات العلاجية. هذا الملتمس، وإن كان يبدو خطوة تقنية ضمن مسار إداري طويل، إلا أنه حمل في طياته انتظارات كبيرة وتطلعات أعمق لدى السكان الذين يرون في المشروع مؤشرا على بداية تحول في النظرة إلى حاجياتهم الصحية الملحّة.
الموضوع سيحط رحاله خلال دورة استثنائية لمجلس مدينة الدار البيضاء يوم الثلاثاء 2 دجنبر 2025، حيث سيحسم الأعضاء في مضمون الملتمس، وسيقررون بشأن إدراج المشروع ضمن قائمة البرامج الاستثمارية الكبرى للمدينة. هذه الدورة لا تُعد مجرد محطة عابرة، بل تشكل لحظة سياسية وإدارية مهمة، لأنها تكشف مدى قدرة المؤسسات المحلية على التفاعل مع مطالب الساكنة، ومدى استعدادها للإنصات للحاجيات الأساسية التي ظلت تتراكم دون حلول عملية.
وفي حال تمت المصادقة على الملتمس، ثم التأشير على المشروع من طرف السلطات المختصة، إلى جانب مصادقة مجلس الجهة، سينتقل الملف مباشرة إلى مرحلة الدراسات التفصيلية والأشغال. هذه العملية، التي تتطلب وقتًا وتقنيات ومكاتب خبرة متعددة، ستكون أساسًا لبناء مركز استشفائي قادر على الاستجابة لمعايير العصر، سواء من حيث التجهيزات أو الطاقات الاستيعابية أو جودة الخدمات. وقد تم تحديد الكلفة المالية للمشروع في 200 مليون درهم، وهو مبلغ يعكس حجم الاستثمار المطلوب لخلق مؤسسة صحية قادرة على استقبال الآلاف من المرضى سنويًا، وتوفير خدمات متعددة في مجالات الطب العام، التخصصات الجراحية، المستعجلات، وطب الأم والطفل، إلى جانب وحدات التشخيص والمختبرات.
ويجمع المتتبعون للشأن المحلي على أن نجاح هذا المشروع سيكون اختبارا لقدرة مجلس المدينة على تنفيذ وعوده، وعلى تحويل الملتمسات والمقترحات إلى مشاريع قائمة على الأرض. كما أنه سيكون اختبارا للتنسيق بين مختلف المتدخلين: الجماعة ومجلس المقاطعة والجهة ووزارة الصحة والسلطات المحلية، لأن المشاريع الكبرى لا تُنجز بقرار واحد، بل بتكامل الجهود وإدارة جيدة للوقت والأموال. ونظرًا لحجم الانتظارات الشعبية، فإن أي تأخير أو تردد قد ينعكس سلبًا على الثقة القائمة بين السكان والمؤسسات المنتخبة.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن المشروع يمثل رسالة واضحة مفادها أن سكان سيدي البرنوصي لهم الحق في خدمات صحية قريبة وذات جودة، تمامًا كما هو الحال في المناطق الأخرى داخل الدار البيضاء.
فالتفاوت الصحي ظل لسنوات أحد أبرز مظاهر الاختلال داخل المدينة، وكانت مناطق مثل البرنوصي تعاني من بطء شديد في التجهيزات الأساسية مقارنة بمناطق أخرى. وقد أدى هذا التفاوت إلى شعور بالإقصاء لدى السكان الذين طالما طرحوا سؤال التنمية المتوازنة ومبدأ العدالة المجالية. وفي هذا الإطار، فإن بناء مركز استشفائي إقليمي سيكون خطوة ملموسة في اتجاه سد هذا الفراغ.
وفي انتظار المصادقة النهائية، يعيش سكان المنطقة على وقع أمل كبير. فالحديث عن المستشفى أصبح متداولاً في الأحياء، وتناوله الفاعلون المحليون ووسائل الإعلام بصيغة مشروع ضروري لا يمكن تأجيله. كما أن الجمعيات المدنية في المنطقة ترى فيه حلًا لعدد من الإشكاليات، أبرزها اكتظاظ مراكز القرب، وغياب خدمات الاستشفاء المتخصصة، وارتفاع حالات التحويل نحو مؤسسات بعيدة. وهذا كله يعكس حاجة فعلية لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار.
سيعرض للتصويت في دورة استثنائية يوم الثلاثاء 2 دجنبر 2025 : المركز الاستشفائي الإقليمي بسيدي البرنوصي.. هل ستخرج جماعة الدار البيضاء هذا المشروع إلى النور؟
بتاريخ : 26/11/2025


