سيميائية العنف المبني على النوع في الأنساق السردية الشفوية بالمغرب: الدلالة والتداول

تشكل الحكاية الشفوية في الموروث المغربي منطلقا لقراءات سيمائية ومادة للبحث الاكاديمي، ليس فقط باعتبارها أحد الأشكال التعبيرية المنسية، ولكن لاعتبارات ترتبط بأفق قراءتها ليس فقط على المستوى الموضوعاتي، بحكم أنها في بعدها الواقعي تقدم رؤية ترتبط وتضم العديد من الرموز التي تجسد العديد من محمولات الانسان الثقافية، وكذلك على مستوى التلقي النقدي المرتبط برد الاعتبار لإصلاح وضع الثقافة الشعبية في المغرب من خلال الصور النمطية المرتبطة بالمرأة، والاهتمام بالسرد الشفاهي سواء من منطلقات لسانية تتبنى مفاهيم علم الدلالة والسيمائيات وعلم الاجتماع ونظرية الأدب على أساس أن السرد الشفاهي، ومن خلال الحكي، نتاج اجتماعي يبني نفسه لسانيا عبر عناصر لغوية تتكرر في الحكي يكون لها وزنها الدلالي في النسق الثقافي الذي أنتجها، والتي تبين ما يجري بتحولات المجتمع، أو كذلك من منطلقات جمالية التلقي من خلال تحليل المرجعيات العام للتلفظL’énonciation ، أي من خلال العلاقة بين الراوي والمتلقي وتداولية الحكي وبلاغته في بناء المتن ودلالاته السوسيوثقافية، وما يرتبط بها من فضاء الإلقاء وبنيات الزمن وزمن الحكي والعلامات اللسانية وغير اللسانية وتأثيرها في بناء المعنى، فهي تملك بنية إيقاعية لسرد أحداث متخيلة تعود إلى اللاشعور الجمعي أو من منطلقات سيمائية كنظرية دلالية تشتغل على أشكال استيعاب وإنتاج المعنى، وإعادة صياغة الخطاب ودلالات تواصله باعتباره نصا يشتغل كذاكرة إيديولوجية ويقترح على المرسل إليهم نماذج معرفية modèles cognitifs إلزامية déontique وجمالية مصاغة وكذلك من منطلقات وصفية ترتبط بموضوعات المتن فقط كأحد أهّم الإنتاجات الثقافيّة والاجتماعيّة والفنيّة التي تحمل وقائع ومجريات حياة الناس وتعبر عن انشغالاتهم، ويتم توارثها جيلا بعد جيل شفاهيًا وتلقائيًا، أو من منطلقات وظيفية تشتغل على أشكال الحكاية وجماليتها ولحظة إنتاجها وأشكالها التعبيرية المرتبطة بقضايا السرد الشفاهي وتدوينه، وما يطرحه من قضايا ترتبط بصعوبة الاستعمال المنهجي بالتحول من حيز أنطولوجي يرتبط بالذاكرة والحكي الشفاهي المتضمن للعرض الحكائي القائم على مكان وزمان التلفظ، وعناصر التفاعل والانفعال بين الراوي والمتلقي إلى نظام سوسيولساني يرتبط بالنص المكتوب .
النص الشفاهي بنية لسانية وثقافية مشتركة بين الناس جميعا في إلقاء الحكي وتلقيه، لكن حضوره كنص مكتوب يراعي أن تكون اللغة نمطا سيميائيا موسعا macro sémiotique وبالمعنى الذي يستعمله الباحث كريماس على اعتبار أن السرد الشفاهي ينطلق من كونه لغة طبيعية، وأن اللغة الطبيعية لا ترتفع إلى مرتبة اللغة إلا بفعل إحساس خاص بالجماعة، فالإنتاج الشفوي بالمغرب إنتاج ينطلق من رمزيته التي يتعدد فيها السنن اللساني والثقافي وهو ما يتأكد على مستوى تعدد اللغات المستعملة، أي ما يسميه ذ. أحمد بوكوس بالسوق اللسانية. Marché linguistique (1)
وبخصوص التحديد الأجناسي للحكاية في مقابل الرواية والقصة، فهي تحضر هنا كمصطلح يحيل على المحكي غير الواقعي، ذلك أن هدف الحكاية هو التسلية بحكم أن قيمتها توجد في أسلوبها الساذج واللاذع وفي حكي وقائع لا تملك أي أسس حقيقية، أما الرواية فهي سلسلة من المغامرات الخيالية الخاصة بإثارة الاهتمام والخوف والرعب وغالبا الانفعالات، إنها تقريبا من إبداع الخيال المعاصر، أما القصة فهي رواية قصيرة كانت ستشكل رواية لو لم تقترب بمغامراتها المعقدة وهدفها الانفعالي من الرواية (2) علما أن عنصر التسلية الذي أصبح يلازمها كعنصر قطعي ليس من ثوابتها البنيوية الخاصة لأن تحقيقه لا يتم إلا بتحقيق الابتهاج النفسي والفكري لدى المتلقي.
بلاغة العنف المبني على النوع وتداولية المتن الحكائي:
حكاية الشيطان
والعجوز نموذجا
يحكى أن الشيطان كان يأتي عند قرية من أجل أن يفتن أهلها، وهذه القرية كان يتواجد بها فقيه عالم مؤمن يعلمهم ما قال الله وما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الشيطان: إذا بقيت هذه القرية في هذا الصلاح، فمن سيدخل معي جهنم؟ لابد لي من ابتكار حيلة ما من أجل إفسادهم.فيأتي بأعوانه فلا يستطيعون شيئا أمام إيمانهم القوي، فيقطع الشيطان رؤوسهم إلى أن بلغ أربعين شيطانا من أعوانه.
وذات يوم التقى بعجوز شمطاء تمشي على ثلاث (يعني العكاز) فسألته: ماذا تفعل هنا؟
فقال لها: أريد أن أشتت شمل هذه القبيلة وأبعدهم عن الإيمان.
فقالت: وإذا فعلت ماذا تعطيني؟
قال لها: اطلبي ما تمنيت الآن قبل أن تفعلي.
قالت: أريد بلغة ولباسا وسأفعل ما تريد.
فقال: المهم في هذه القبيلة هو الفقيه العالم وزوجته فإن قدرت عليهما هان الأمر لك.
قالت: هذا أمر سهل.
ذهبت العجوز عند زوجة العالم وقالت لها: السلام عليكم
ردت المرأة: وعليكم السلام
فقالت العجوز: ما هي مهنة زوجك؟
قالت المرأة: هو فقيه عالم
قالت العجوز: لن أخفي عنك الأمر يا ابنتي فزوجك متزوج من امرأة أخرى.
صدمت المرأة وولولت، لكن العجوز هدأت من روعها وأخبرتها أنه باستطاعتها مساعدتها وتطليق الزوجة الثانية منه.
قالت المرأة: وكيف ذلك؟
ردت العجوز: أريد منك أن تحضري لي سبع شعيرات من لحية الفقيه زوجك، انتظري إلى أن ينام ثم اقطعي الشعيرات بالسكين وهذا كفيل بإبعاده عن الأخرى.
شكرت المرأة العجوز وعزمت على تنفيذ ما أخبرتها به.
ذهبت العجوز هذه المرة عند الفقيه العالم(الزوج) وابتدأت بالسلام وقالت: هل أنت هو الفقيه؟
قال: نعم.
قالت له: إن زوجتك تريد قتلك.
قال لها: أنت تكذبين فزوجتي امرأة تقية تصلي وتعرف ربها.
قالت: أقسم لك أنها ستغدر بك وتقتلك.
قال: وما دليلك؟
قالت: إذا لم تصدقني، تظاهر اليوم بالنوم وستراها تحمل سكينا تريد قتلك به.
وفي المساء استلقى الفقيه على فراشه وتظاهر بالنوم، جاءت الزوجة وهي تحمل سكينا تريد قطع السبع شعيرات من لحيته وهي تعتقده نائما. أما الفقيه فقد اعتقد أنها تنوي قتله فأخذ السكين منها وقتلها.
عند ذلك ذهبت العجوز عند أهل الزوجة وأخبرتهم أن الفقيه قد قتل ابنتهم دون ذنب، فأتوا بعصيهم مجتمعين للنيل منه وأخذوا في ضربه حتى الموت، فما كان من العجوز إلا أن ذهبت عند أهل الفقيه وأخبرتهم أن نسباءهم تحالفوا ضد ابنهم وقتلوه دون ذنب، فاجتمعوا وأخذوا أسلحتهم وذهبوا للثأر ممن قتل ابنهم وماهي إلا لحظات حتى قتل من قتل وشب النزاع والخلاف في القرية بعد أن كانوا قوم صلاح وإيمان وتقوى.
ذهبت العجوز إلى الشيطان لتأخذ ما وعدها به فأخذ الشيطان قصبة طويلة وعقد في نهايتها رزمة الملابس التي أرادتها العجوز ومدها إليها، فسألته أن يقترب منها فقال: لا أحرقتني نارك وأنت بعيدة، فكيف إذا اقتربت منك؟

الأنساق السردية في حكاية الشيطان والعجوز
رمزية تمثلات العنف
المبني على النوع:
إن تداولية الحكي الشفوي من خلال نموذج حكاية»الشيطان والعجوز» كإحدى الحكايات الأكثر تداولا بالبادية المغربية، وبجميع مناطق المغرب كنص شفوي ملتقط ميدانيا وكفضاء حكائي يستدعي استبعاد البحث في أصوله التاريخية أو الجغرافية بسبب صعوبة التوثيق، ثم إن النموذج المقترح لهذا البحث لا صعوبة فيه من ناحية تأويل سياقاته الثقافية رغم بعده التخييلي والعجائبي، لكن مع ضرورة الانتباه إلى اختلاف صيغته المكتوبة كنص أعيد إنتاجه كتابة مما يعني تعدد القوالب الأسلوبية التي تناولته، واختلافها اللغوي بحكم انتقالها من نصوص شفوية الى نصوص لغوية، أو كمتن يتيح معالجة السنن الدلالي الملازم للنسيج الحكائي وكذلك البعد التلفظي في المحكي.
ثم إن حكاية «الشيطان والعجوز» حكاية عجيبة وهي أحد مظاهر الحكي الشفوي الشعبي الذي تم إهماله في البنية الثقافية الحالية، ليس باعتباره جزءا من الذاكرة الشعبية والماضي الثقافي فقط، ولكنه خطاب قيمي يمتد حتى عصرنا بحكم أن الحكي المستعاد في سمته الفولكلورية تلك لا يمثل القديم والأصيل، بل هو جزء من الراهن الثقافي الجديد بعد أن فسحت له الثقافة المستوردة فرصة التواجد مجددا بعد أن كان مجرد مستودع أثرى لمجتمع فاتر الحياة). (3)
وعلى الرغم من صعوبة تصنيف الحكي الشفوي، وذلك في إطار خطاب نظرية الأنواع الأدبية بحمولتها العلمية القائمة على أسس منهجية ومفاهيم، فإن حكاية (الشيطان والعجوز) يمكن تصنيفها باعتبارها إنتاجا ثقافيا إنسانيا، ونموذجا سرديا حسب تحديد (غريماس) أي خطابا حكائيا ذا طابع تصويري يتضمن مجموعة من وظائف أو أعمال، وهو ما يمكن تحديده في تصويريته وزمنتيه في نفس الآن، ثم لأن التصنيف يعد منطلقا أساسيا يساعد الباحث على الوصول إلى بنية النص كمتن حكائي يتضمن العديد من أنساق الدلالة دون نسيان أن دراسات (فلاديمير بروب) كانت موجهة أصلا لقراءة المحكي الأدبي المكتوب كالرواية والقصة.
على مستوى البناء الحكائي، فإن حكاية (الشيطان والعجوز) حكاية مؤطرة لحكايات صغرى بداخلها تنطلق ممايلي:
حكاية أولى تبرز لقاء الشيطان بالعجوز وعجزه عن غواية القرية وإخراجها من إيمانها، وفشله رفقة جنوده واستعانته بالعجوز من أجل تحقيق مراده عبر عالم القرية وزوجته.
حكاية ثانية وتبرز بداية اشتغال الخطة التي نسجتها العجوز عبر تجريب الأمر مع زوجة العالم عبر إخبارها بكيد زوجها وزواجه عليها
حكاية ثالثة وتزكي استمرار الخطة في الجهة الاخرى مع العالم وإخباره بكيد زوجته.
حكاية رابعة وتبرز بطش العالم بزوجته وانتقال العجوز الى أهل الزوجة لإخبارهم بمقتل ابنتهم من اجل الانتقام وتحقيق مراد الشيطان بإيقاع الفتنة بالقرية وأهلها.
حكاية خامسة وأخيرة وتبرز توجس الشيطان من العجوز ومكرها وعدم قدرته على مجاراة مكائد ودسائس النساء.
ولتحديد النمط الذي تنتمي إليه فهو النمط المعكوس التوازي Type en sablier، ويعني فتح المسار السردي عن طريق التناوب بين الشخصيات . فرغم قدرة الشيطان كشخصية تنتمي إلى عالم الجن على غواية الناس، فقد عجز الشيطان عن غواية قرية إلا عبر التعاقد مع عالم الإنس وعبر عجوز شمطاء لا قوة لها إلا ذكاؤها الخارق وهو النمط الذي يحدد البعد العجائبي أو الخرافي الذي يسلكه السارد من أجل بناء المتخيل السردي كفكر ( يحيط بالإنسان من كل جانب دون أن يكون ابتعاده عن الواقع عبثا أو خاليا من الدلالة، ولكن على العكس يمتلك حججا لوجوده ،لكن فك رموزه ، أسطوريا وبنيويا، لا يظهر أية مقدرة لتحديده بشكل كلي وهذا ما يجعل من العجيب لغزا جميلا يحمل معنى منح التفكير والحلم) (4).
الحكاية يمكن تصنيفها في باب الحكايات العجيبة، وهي التي يقوم فيها الجن والشياطين والغول بدور البطل يعتمدها السارد لبناء وتشكيل المتخيل لإبراز الصراع الموجود بين المتخيل والواقعي، أي ما يحث القارئ على البحث والمحاورة حول طبيعة اللبس الذي يكتنف الما فوق طبيعي والواقعي في حين أن العجائبي يبقى عالما( يفتننا ويستدرجنا لرؤيته والاستمتاع به دون أن يثير فضولنا لأننا نتقبله بسهولة) (5)، وهي حكاية مركبة ذات نموذج تصاعدي وتنطلق من حالة النقض التي يعرفها الشيطان بسبب فشله في غواية القرية، وهو ما سيتم تعويضه من خلال العجوز كعنصر دينامي في الحكاية يبني مكونات حكائية جديدة بين السارد والمتلقي، وهي أيضا مجموع الوحدات السردية التي يؤطرها تحرك البطل / العجوز ما بين الشخصيات المؤطرة للحكاية بكل أبعادها النفسية والاجتماعية من أجل الإيقاع بها طلبا للفتنة والشر في القرية، وهي شخصيات نمطية وافتراضية فالشيطان شخصية لا تتكرر والقرية عالم مفتوح على فضاء غير محدود والعجوز نموذج للمرأة التي تحضر هنا كرمز للدهاء والمكر البشري الذي يفوق الشيطان، حيث يستحضره السارد بكونه ملعونا وهي من الصفات التي يستحضر بها في الوعي الجمعي لأن السارد هنا ليس إلا صوتا من الأصوات الناقلة للمجتمع، يوجه منطوقه السردي من الإقناع وإيهام المتلقي أو المتلفظ إليه بحقيقة ما يرويه .
النص الحكائي المقترح للدراسة في نموذجه المدون يقدم متواليات سردية مترابطة وفق منطق حكائي ينهض على التشويق، ويقوم خلاله السارد بتقديم الشخصية المحورية الشيطان في علاقاتها المحورية بالعجوز وتحولاتها في الزمن والمكان لبناء عوالم حكايتها المبنية على القيام بما عجز عنه أمام العالم وزوجته، وهي رؤية لا تختلف عن ما قدمه فلاديمير بروب في كتابه «مورفولوجيا الحكاية الشعبية» والذي اهتم باستخراج شبكة العلاقات الشكلية التحتية للحكايات، لينتهي إلى اكتشاف أن الأفعال Actions التي تملأ الحكایات، بالإمكان تحديدها على عکس تعدد الممثلين Acteurs، والاختلافات المكانية والزمنية المؤطرة للعالم الحكائي أو كما أظهر (ليفي ستراوس )بأن هناك إمكانية أخری مزدوجة لقراءة الأساطير لقراءتها بطريقة خطية، بوصفها توالي أحداث، وانطلاقا من مقاربة بعضها لبعض على مستوى الارتباطات السردية.
إن البحث في دال ومحتوى الملفوظ السردي يعطي إمكانية إنشاء دلالات للحكاية العجيبة، انطلاقا من المنظومة التركيبية للسرد وكذلك من العلاقات التقابلية العميقة الموجودة بين الصور figure في الحكايات، وهذا يعني رؤية أخرى للتحليل الدلالي كقراءة عمودية، وحسب المحور الاستبدالي وتكون مستقلة عن علاقات التتابع المنطقي لأساطير قد تخفي دلالة ذات أهمية كبيرة لا تتجلى إلا من خلال فحص السيرورة السردية بغاية تحديد النسق الدلالي من أجل الوصول إلى سنن تصويري للوحدات المتمفصلة داخل العالم الطبيعي والمختارة من طرف ثقافة معينة من أجل إظهاره وفي هذا المعنى وكما عند غريماس بأن السنن نفسه يمكنه أن يشير إلى عدة فضاءات أسطورية مقارنة تتمظهر بطرائق مختلفة، بشرط أن يكون السنن مبنيا جيدا وأنموذجا عاما .
إن استخراج الصور من الحكايات العجيبة، وربطها وفق مقابلة استبدالية، انطلاقا من عملية وصفية ترتكز على مبدا التمدد _extraction والاختیار sélection والتشاكل مما يعني أن هذه الصورة الموجودة في المتن الحكائي ليست اعتباطية، وإنما ثمة سنن تصويري -كما يشير إليه کورتاس -يسمح لنا بإعطاء معنى لهذه الصور النمطية التي تقوم على احتقار المرأة في المنظومة الثقافية المغربية بل والعربية عموما لأن «وضع المرأة في المغرب متدن بكل المقاييس، سواء على صعيد الواقع أو من خلال الإعلام……وهو ما يتجلى عموما في الواقع المعاش، ويتكرر في وسائل الإعلام التي تصور المرأة في الوصلات الإشهارية أو الإعلانية بأنها لا تتعدى كونها جسدا أو شكلا خارجيا». (6)
إن أهم ما يمكن وصفه في بنية الحكاية هو التركيز على وصف مسار البطل الذي هو العجوز التي حلت محل الشيطان بعد عجزه عن غواية القرية من خلال إنجازاتها كشخصية رئيسية أي كثابت بنيوي invariant structurel يرتبط مسارها بمسار الشخصيات المختلفة الاخرى مثل العالم وزوجته وعائلتها، ثم سكان القرية كرمز دال على مجموعة من العلاقات الرابطة بين جماعات من الأفراد، أو بالأحرى مجموعة من الأسر لتحقيق المقصد destination وهو أن الغواية ترتبط بالنساء أكثر مما ترتبط الشيطان الذي خلق لها أصلا، علما أنها تبقى حكم قيمة انتجها الوعي الشعبي الذي كان دائما يعظم من كيد النساء : إنه قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عظِيمٌ (7) في مقابل كيد الشيطان : إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (8).
تحرك أبطال الحكاية يحدد التفاعل ما بينها بفعل البنية الثنائية للحكاية ليس في أفق تعارضهما هنا أي من خلال تطور برنامج سردي لكل واحد منهما بفعل الصراع بين البطل والبطل المضاد، ولكن في تفاعلاهما اللامتكافئ أي بين عالم الجن وعالم الإنس -الشيطان والعجوز-أي عبر ما يسمى بالمقاربة الثنائية L’approche dyadique.
بقراءة هذا النموذج نصل إلى أن الخطاب الشفوي يبقى مرجعا عاما يوظف العجائبي بصيغ متعددة، لكنه توظيف يحمل عنفا فكريا حيث تسود عدة قناعات يتم تداولها بشكل مكثف ذلك أن صورة المرأة في الخطابات اليومية والتمثلات الاجتماعية هي صورة حاطة من الكرامة، وتحمل طابعا سلبيا وقدحيا ومهينا للمرأة، نتيجة هيمنة السلطة الأبوية البطريركية، وحيث تلعب التربية التقليدية دورا كبيرا في استمرارية، وإعادة إنتاج الممارسات الاجتماعية التمييزية والتي تحط بالكرامة، حيث يكون فيه السارد وهو يروي حكايته صوتا ناقلا لهموم المجتمع الذي ينطلق منه لتحديد القيم المنقولة كمجتمع لا يزال يرى في النساء تلك المعادلة الصعبة التي يستحضرها بقوة ذكائها ودهائها وكيف أن حواء، وكما في لاوعيه الجمعي، قد أخرجت آدم من الجنة حتى وإن كانت عدة ثقافات أخرى ترفض نمطية الصورة السلبية التي تستحضر بها النساء باعتبارهن منبعا للرحمة والحنان، وهو ما يعني خطورة النمطية الفكرية المرتبطة بالعقلية الذكورية التي تهيمن على الثقافة الشعبية وهو ما ينبغي تغييره لأن» تأنيث المشهد لا يمكن إلا أن يكون علامة على ميلاد مجتمع عربي جديد قائم على العدل والكرامة وعلى تصوّر جديد للإنسان لا مزية فيه للذكر على الأنثى ولا للقوي على الضعيف ولا للغني على الفقير إلا بمدى الالتزام بقيم المواطنة وخدمة الوطن». (9)

هوامش :
1-Boukous A : Société, langues et cultures au Maroc enjeux symboliques ; publication de la faculté et sciences humaines au Maroc : p11
2- LAROUSSE Pierre ; Grand dictionnaire universel du XIXe siècle Paris 1869 P : 1066
3 محمد الماكري -السنن الثقافية من خلال نماذج حكائية-– كتاب اعمال ندوة مدينة اكادير –الفكر والثقافة –مطبعة النجاح الجديدة-1990-ص: 78
4—GIOUVACCHINI D : le merveilleux pp1482-1483 Dictionnaire des littératures de la langue française ; J-p de Boumarchais ; Daniel Couty –Alain Rey Bordas 198 P1482
5- PREISS A : Fantastique, in dictionnaire des littératures de langue française bordas-Paris 1984 p : 789
6-https://www.dw.com/
7 – سورة يوسف: الآية 28
8-سورة النساء: الآية:76
9-شيماء رحومة-المرأة العربية المغيّبة أصبحت رمزا للتحرر في المظاهرات-جريدة العرب – الاحد 10 /11/2019 – العدد 11542-ص20


الكاتب : محمد دخاي

  

بتاريخ : 22/10/2021