إلَى سِّي محمد صولة… ساحرًا بِشِبْهِ مَدِينَةٍ !!
يَقُولُ فِي روايته:» تغريد الْملائكةـ نِهاية الْبَلَشُون» :» كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُ أَنَا. وَ أنَا؛ يَا أَنَا؛ هُوَ وَكِلَانَا … هِيَ.»
كَمْ مِنْ تَضاريسَ بِوُسعِها أنْ تَفهمَ اللَّعِبَ مَعَ محمد !! كَمْ مِنَ الْوقت يَلْزَمُ الْمَخلوقاتِ السُّلَيْمَانِيَّةَ حَتَّى تَعِيَ عُمْقَ النُّتُوءِ الذي تَحْفُرُهُ أَخَادِيدُ الْحَرْفِ فِي جَسَدِ السَّاحِرِ الْأَوَّلِ؟!
لِلَّيْلِ أَنْ يَتْخَمَ صَفْوَ أحلامِنا؛ نَحْنُ الْبَرَرَةَ بِهِ؛و أن يُسَيِّجَ مُتَعَنَا وَ مَلَذَّاتِنَا و أن يَرْحَلَ بِهَا صوبَ هذا الكائنِ الْفريدِ الذي مَخَطَ نَوَايَانَا و عَكَّرَ أَرْوَاحَنَا.
كَمْ مِنَ الذُّهُولِ سَيَبْدَأُ فِينَا و لَا يَحْلُو له الْخَتْمُ إلَّا بِالسَّارِدِ الْأكْبَرِ وَ هُوَ يَشْهَقُ بِرُؤَانَا صَوْبَ مَلُكوتِهِ و غَوَايَاتِهِ.
اِسْتَدْرَجَ هذا الْهَائِمُ حَيَوَاتِنَا؛ مَدَّدَهَا سَهْلاً، أَبَداً لَا يَضيقُ. نَسَجَ منها أجساداً مُلْتاعةً؛ هَذَّبَهَا بِتَرْتِيلٍ كَنَسِيٍّ و عَليهَا نَثَرَ فِتْنَتَهُ الْعَجيبةَ.
بِسَحنَةٍ قَمْحِيَّةٍ، بِنَفَسٍ سَدِيمِيِّ الْمَهْوَى، بِقَامَةٍ تُنَاوِرُ الْآلِهَةَ طُهْراً، بِعَينينِ تَمْسَحَانِ الْفَراغَ مَلْءاً، بِرَحابةِ الْخُزَامَى عِطْراً في ذُرْوَةِ اللَّوْنِ… صَحَا بَوْحُهُ يَوْماً. نَظَرْنَا إلَيهِ مِثْلَ الْخَمِيلَةِ الْعَزْلَاءِ؛ تَحْضُنُ الْغَرِيبَ لِيَصُوغَ منها وَشِيجَةً نُورانيَّةً … لِزمَانِه و لِزَمَانِنا.
جَاءَنا مُحَمَّلاً بِتعاويذِ السَّحَرَة. أَشْعَلَ دِمَاءَنا، أَلْهَثَ ذاكِرَتَنا، مَجَّدَ مَسرَحَنا، ضَرَّسَ هَواءَنا الْمُرَّ، أَصْحَرَ بَيْنَنَا، نَسَّقَ حَكِيَّنَا، غَرَّدَ بَينَ شِعَابِنا، أَنْهَى إلَى التِّيهِ فَضَاءَنا … وَ هو يُسَرِّدُ و يُسَوِّدُ في مَقاهِيهِ مُنْعَزِلاً؛ ضُحَى و عَشِيَّةً؛ على بَيَاضَاتِه الصَّغيرةِ الْمَصْفُوفَةِ كَوَاغِدَ عَذراءَ؛ بَعيداً عَنْ تَلَصُّصِنا، و بِمَنأى عن أعيُننا، ما لا تُدركُهُ الْأبصارُ و لا تَعِيه الْأفئدَةُ. يلهو بِأحبَارهِ، يَشِيدُ أقدارًا أخرى و مَراتعَ نَدِيَّةً صافيةً، يَخِيطُ لِأرواحِنا تفاصيلَ مَنطقُها حِرفَةُ الْكِتابةِ و شعارُها: مَا كُلُّ الرُّسُلِ مَحبُوبُونَ في أقوَامِهِمْ !!
صَاحِبي؛
يا هذا الَّذي طَلَى صَلوَاتٍ ظَلِيلَةً لِشَوارِعِنَا الْجَوفاءِ بِبَسَالَةٍ و إِقدَامٍ. قُلْ فِينَا أَسَفَكَ. أَثِّثْ حُضُورَكَ الْعَاهِلَ بِاستعارَاتٍ مِنْ صَيَاصِي أَحْوالِنَا. أُنْقُشْ لِشَغَافِ قَلبِكَ عَنَداً عُولِيسِيّاً و اصْبِرْ. قَدْ نَأتيكَ طَائِعِينَ، فَلَا يَتَكَبَّدُ عِشقُكَ خَسَاراتِنَا. قُلْ فِينَا حُرُوبَكَ الْأُولَى؛ تلك التي لا جِنْسَ لها. هي مِنْ صَخَبِ السَّرْمَدِ. كُلُّ أَرْضِنَا سَتَتَأهَّبُ لِلْفَرح. سَنُهْدِيكَ قَرابينَ، إِنَاثاً لَا تَخُونُ مَاءَهَا. كُلُّ ذَاكَ، بِرَسَائلِكَ الْمُشَفَّرَةِ؛ تَلَوْنَاهُ في السَّاحاتِ.. وَ لَا ساحةَ حَقيقيَّةً لِهذهِ الْمَدينةِ يَا صَاحبِي.
قَدِمْتَ تَحْمِلُ بَين ضُلوعِكَ شِعْراً، فَكَفَرَ بِهِ كَهَنُوتُ الْمَدينَةِ لِلْأَسَفِ. عِشتَ و تَعيشُ لِأجلِ خَلْطَةٍ كِيميائيَّةٍ تَعْتِقُ الرِّقابَ بِأبْوابِ الْمدينةِ… وَ لَا أَبْوابَ لِلْمَدِينَةِ. حَسْرَتُكَ و حَسْرَتُنَا على جُغرافيَا لِأَزِقَّةِ هذه الْمَدينةِ لَكِنْ تَبّاً… لَا جُغرَافْيَا لِهَذِهِ … شِبْهِ الْمَدينةِ… لِتَظَلَّ كَطَائِرِ الْعَنْقَاءِ ذَائِداً، حَامِياً، نَاهِضًا، صَارِخا، قابِضا، قاتِلا، سَائِسا، عَاصِيا، جَاثيا، جَاثِما، صَابرا، لَاوِيا، حارسا، عاشقا، بالِغا، بليغا، مُبَلِّغاً… نَومُكَ خَفيفٌ و حِيلَتُكَ لَا تَنْقَطِعُ… فَقَلْبُ الْأمِّ غَائِرٌ، عَمِيقٌ فَسِيحٌ، كَمَغَارَةٍ، أَبَداً لَا يَنْغَلِقُ.
مَا ظَنُّكَ بِنا يا محمدُ… يا صَوْلَةُ…
لَمْ تُدْهِشْكَ قَتَامَةُ مَا نَحْمِلُ، و لا حَنَاجِرُنَا الْمَبْحُوحَةُ مِنْ صُرَاخٍ.
لَا حِنْكَةُ سُلَالَتِنَا الْيَعْرُبِيَّةِ تَشْفَعُ،
و لَا أَعْراضُ سَقْفِنَا السَّماوِيِّ تَفِي؛ أوْ حَتَّى رَقْصَتُنَا «الْهَيْتِيَّةُ» التي مِنْ فِعْلِهَا شَعَّثَ الزَّمَانُ…و المكانُ.
سَنَعْتَادُ عَلَى نَارِكَ الْمُلتَهِبَةِ، و لَنْ نَخْسِرَ شَيئاً إِذَا مَا تَنَفَّسَتْ رِئَاتُنَا هَوَاءً؛ إِحْدَى ذَرَّاتِهِ مِنْ شُعَبِ نَوَايَاكَ.