في كل مناسبة للذكرى السنوية للمسيرة الخضراء، يعود التاريخ إلى الواجهة ليذكر المغاربة بأحد أبهى اللحظات في مسيرة استكمال الوحدة الترابية. ومن بين الأعمال الفنية التي أرخت لهذه الملحمة الوطنية، يبرز الفيلم السينمائي «المسيرة» للمخرج المغربي يوسف بريطل، الذي جسد بأبعاد درامية ووثائقية اللحظة التاريخية التي شهدها المغرب سنة 1975، حين لبى أكثر من 350 ألف مغربي نداء الملك الراحل الحسن الثاني في مسيرة سلمية نحو الصحراء لاسترجاع الأقاليم الجنوبية.
الفيلم لم يكتف بسرد الوقائع السياسية فقط، بل اقترب من البعد الإنساني، مستعرضا قصص المشاركين المختلفين من حيث الطبقة الاجتماعية والعمر والخلفيات. من خلال شخصية الشاب الذي يروي رحلته ذهنيا وهو في خريف عمره، يعيد الفيلم الربط بين الماضي والحاضر، مؤكدا أن شعلة الوطنية والالتزام الجماعي لم تنطفئ مع مرور الزمن. كما أبرز العمل التحولات الإنسانية التي أصابت بعض الشخصيات، إذ تحولت من أنانية وانتهازية إلى روح وطنية نبيلة، كما لو أن مشاركتهم في المسيرة كانت ولادة جديدة لهم.
وشارك في الفيلم نخبة من الممثلين المغاربة، من بينهم محمد خويي ،الفقيد محمد الشوبي، رشيد الوالي، إدريس الروخ، مراد الزاوي، سعدية أزكون ، إضافة إلى مئات الممثلين المساعدين والمشاهدين في المدن التي جرى فيها التصوير، مثل الدار البيضاء، الرباط، سلا والعيون. وقد ساهمت هذه المشاركة الواسعة في تقديم بانوراما شاملة لتنوع المجتمع المغربي، مؤكدة روح التضامن والانضباط التي سادت تلك المرحلة المفصلية.
فيلم «المسيرة» يظل عملا فنيًا استثنائيا، ليس فقط لإحيائه لذكرى المسيرة الخضراء، بل أيضا لتأكيد دور السينما في توثيق التاريخ ونقله إلى الأجيال القادمة، بما يعزز الفخر بالهوية الوطنية ويحفز على فهم أعمق للتضحيات التي ساهمت في صون وحدة المغرب الترابية.