شبكات العنكبوت في الحرب السرية للنظام الجزائري ضد فرنسا!

يشن النظام الجزائري، منذ عدة سنوات، «هجوما شاملا» على المعارضين الذين لجأوا إلى فرنسا، مستخدما كل الوسائل المتاحة له لزعزعة استقرار البلاد عبرهم. تنقل نظام العسكر، بين المؤثرين المؤيدين للنظام والشبكات الاجتماعية وصولا إلى «المسجد الكبير» في «باريس» والتهديدات والعنف الجسدي للوصول إلى مبتغاه، ولن تتوقف الجزائر عند أي شيء لمحاولة السيطرة على جاليتها في فرنسا، التي يقدر عددها بأكثر من 2،5 ملايين شخص.
يرفع هذا التحقيق، الذي أجرته صحيفة «Le Point» الستار عن الاستراتيجيات المختلفة التي وضعتها الحكومة الجزائرية لمراقبة وترهيب وإخضاع هؤلاء المعارضين الذين لجأوا إلى الأراضي الفرنسية. من رسام الكاريكاتير المهدد بالقتل إلى المؤثرين المعتقلين، والدور الغامض للمسجد الكبير في باريس في الانتخابات الجزائرية، يفك هذا التحقيق الكيفية التي يعمل بها نظام العسكر (رفقة الرئيس تبون) لنهش أساسات الدولة الفرنسية، ويحاول توضيح تأثير هذا المسعى الجزائري على العلاقات مع فرنسا.

المؤثرون والقنصليات .. ورقة الضغط الجزائري في فرنسا

يبدو أن الأجهزة الجزائرية قد حشدت جيشا كاملا من المؤثرين الموالين للنظام، المسؤولين عن زرع الفتنة داخل الجالية الجزائرية في فرنسا – يقدر عددهم بأكثر من 2.5 مليون شخص – معظم أفراده معروفون لدى المخابرات الفرنسية، الذين لا يترددون في الإعلان عن الرغبة في ممارسة الترهيب والعنف ضد معارضي النظام الجزائري.
من بين هؤلاء «بوعلام نعمان»، الملقب بـ»دولامن»، وهو عامل تنظيف يبلغ من العمر 59 عاما، والذي ذكرت وزارة الخارجية الجزائرية أن «فرنسا قد انتهكت بنود الاتفاقية القنصلية، وحرمت مواطنها من حق الدفاع عن نفسه في محاكمة كانت مقررة شهر فبراير المقبل»، حيث أقدمت فرنسا على ترحيله بعد إقدامه على التحريض على تعنيف مجموعة من المعارضين الجزائريين. يقول أحد معارفه: «سخرنا دوما من نبرته العنيفة على مواقع التواصل الاجتماعية، خاصة لعلمنا أنه لم يكن بحوزته جواز سفر جزائري.. ثم في أحد الأيام، فجأة ودون مقدمات، حصل هذا الرجل على جواز سفر جديد تماما من القنصلية، وذهب في إجازة إلى الجزائر. وسؤالنا كان: من أين له مصاريف الرحلة؟.. لقد فهمنا حينها أنه تم احتضانه من قبل الأجهزة الجزائرية».
هناك أيضا «صوفيا بن لمان»، شخصية أخرى من كراكيز النظام الجزائري، والتي بدورها تقف في مرمى النيران الفرنسية. تم توجيه الاتهام إليها في «ليون» (ووضعها قيد الاحتجاز) بعد مقاطع الفيديو البغيضة التحريضية (كما وصفتها المحكمة الفرنسية) التي تدعو إلى العنف والقتل والحرق (وغيره..) المنشورة على منصة «تيك توك» (Tik Tok). نفسها قالت «توسلت لكي لا يتم ترحيلي إلى الجزائر بل وأن يتم محاكمتي واعتقالي في فرنسا». لقد عرفت كذلك، بكونها «تجسست على حركة الحراك ومعارضيها منذ عام 2019»، وشاركت دائما في الألاعيب القذرة التي طبقتها القنصلية الجزائرية في «ليون» على الجالية الجزائرية.

حتى المنظومة الدينية لم تسلم
من الخبث الجزائري!

من أوجه الخبث الجزائري، أن «الجامع الكبير» (مكون أساسي في بنية «مجلس الديانة الإسلامية بفرنسا» – يشرف على حوالي 400 مسجد في الجمهورية) كان هدفا لخطط النظام الجزائري، الذي بلغ به الأمر أن يستغل هذه المعلمة الدينية في «باريس» لتحقيق مآربه، بغية زرع الزعزعة والتفرقة كوسيلة للسيطرة على جموع الجزائريين في فرنسا، وكرافعة رئيسية أخرى للتأثير الجزائري في فرنسا منذ عام 2020، حيث شرع عميد المسجد «شمس الدين حفيظ» – (الملقب بـ»السفير الثاني» خاصة بعد استدعاء السفير الرسمي إلى الجزائر في يوليوز 2024، بعد أن اختارت فرنسا دعم خطة الحكم الذاتي التي وضعها المغرب للصحراء، وهو محامي يحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، اشتهر برفعه دعوى قضائية ضد مجلة «شارلي إيبدو» في عام 2006 نيابة عن المؤسسة) – في هجوم سياسي يهدف إلى حشد الجالية الجزائرية لدعم الرئيس تبون.
بمجرد توليه منصبه – عقب استقالة سلفه «دليل بوبكر» (عن 79 سنة لأسباب شخصية) – عمل «شمس الدين حفيظ» على تعبئة الجالية الجزائرية في فرنسا للتصويت على «عبد المجيد تبون» و لصالح الحكومة الجزائرية الجديدة، حيث كان قد أوضح (باللغة العربية) على التلفزيون الجزائري أنه: «لقد تحدث معي [الرئيس عبد المجيد تبون] عدة مرات عن الجالية الجزائرية، وأصر على الدور الذي يجب أن يلعبه المسجد الكبير في باريس من أجلهم.. علينا أن نضغط وبقوة».
في حين أن القائم على المسجد (عبر جمعيته)، قد مهد الطريق لذلك منذ عام 2020، إلا أنه سرع الخطى حقا في أوائل عام 2024، بمناسبة الانتخابات الرئاسية الجزائرية. أنشأت الهيئة الدينية للمسجد، جمعية «أواصر» المسؤولة عن تنظيم اجتماعات تبون في عدة مدن في فرنسا، متشبثة بشعار «صوت وفقا لقناعاتك! لكن قبل كل شيء، صوت لصالح تبون». بعد هذه الحملة، انتخب الرئيس الجزائري بأكثر من 94٪.. غير أن الغريب، أن تأثير جمعية «أواصر» في توجيه التصويت لم يبلغ ما كان يرجى منه (تأثيرها كان شبه معدوم في الواقع) إذ لم يتجاوز معدل الإقبال بين الجالية الجزائرية (أو حتى التي تحمل الجنسية الفرنسية) حد نسبة 4٪.

التهديد بالقتل والتعنيف.. سلاح النظام العسكري ضد المعارضين!

لم يتوقف المسعى الجزائري لزعزعة الداخل الفرنسي عند هذا الحد. إن ما يتعرض له العديد من معارضي النظام – الذين لجأوا إلى فرنسا – من التهديدات بالتعنيف والقتل هو أمر مقلق للغاية. من بين من يواجهون ضغوطات هذه التهديدات المستمرة، «غيلاس أينوش» رسام الكاريكاتير المنفي في فرنسا (المتابع بتهمة المساس برموز الدولة وبشخص رئيس الجمهورية والإرهاب)، والذي قال: «مازلت أتلقى تهديدات باستمرار، لكنني اعتدت الأمر الآن.. بت أتجنب واجهات وشرفات المقاهي، وغالبا ما أغير طريقي في كل مرة للعودة إلى المنزل.. بالنسبة لعائلتي، فقد هاجرت أخواتي في الجزائر إلى الولايات المتحدة. لقد عايشنا الإرهاب الإسلامي، ونشهد الآن وصول الإرهاب القومي.. لا أفهم لماذا تسمح فرنسا بحدوث ذلك…».
هناك كذلك، «أمير بوخورس»، وهو معارض معروف على منصة «يوتيوب» (Youtube) باسم «أمير دز» (Amir DZ) – المتابع رفقة 3 آخرين بتهمة «الانتماء إلى جماعة إرهابية (حركة «رشاد» الإسلامية كما تصفها السلطات الجزائرية، والمتهمة بمحاولة اختراق الحراك المؤيد للديمقراطية في الجزائر) – المقتنع بأنه نجا بـ»أعجوبة» من محاولة تسليمه إلى الجزائر عبر الأجهزة الجزائرية، عندما اختطفته في 29 أبريل 2024 من قبل 4 رجال قدموا أنفسهم كضباط شرطة، أمام منزله في «فال دو مارن». وقال: «قيدوا يدي، وألقوا بي في سيارة وأخذوني إلى مكب نفايات في «سين إي مارن» حيث قاموا بتخديري واحتجازي في حاوية». بعد قرابة 27 ساعة، تم إطلاق سراحه تحت جسر بالقرب من «بونتوكومبولت».
لم تكن هذه المرة الأولى أو الأخيرة، فقد تعرض «أمير بوخورس» كذلك للضرب في نونبر 2022 في «ساحة الجمهورية» على يد رجل ملثم غامض. يقول «أمير بوخورس» الرجل الذي تخصص في الكشف عن الحياة الخاصة لكبار الشخصيات في النظام، من فرنسا حيث حصل على حق اللجوء: «هوسي دائما وأبدا قائم على فضح فساد النظام الجزائري».

المعضلة الفرنسية: كيف يمكن
رد الهجمة الجزائرية
دون خسائر جمة؟

وبعيدا عن مظهر العلاقة الثنائية السلمية، يشن النظام الجزائري «حربا سرية ضد فرنسا»، معتمدا على شبكة كثيفة من القنصليات والمساجد والمؤثرين داخل الجالية الجزائرية، بهدف أساسي يكمن في: «مراقبة، ترهيب وتعبئة الجزائريين في فرنسا للإضرار بصورة فرنسا واستقرارها».في مواجهة هذا الهجوم الجزائري الشامل، تكافح فرنسا للرد بكل ما أوتيت من قوة، غير أن السلطات الفرنسية تواجه معضلة أساسية: «كيف لفرنسا أن تنتقم دون الانفصال النهائي عن الجزائر؟».
من غير المستبعد أن تلجأ فرنسا إلى: «تجميد الأصول» و»سحب التأشيرات» و»فرض الضرائب على تحويلات الأموال»… هناك العديد من الخيارات المطروحة على الطاولة، لكن القرار النهائي سيتخذ «على أعلى مستوى للدولة»، في سياق أزمة غير مسبوقة بين البلدين. بالنسبة لشخص مقرب من الحكومة الفرنسية، فإن «المنطق هو استئناف اللعبة.. وينبغي القيام بذلك، لمعرفة ما سوف نمر به». يبدو أن العلاقات قد سقطت بين «باريس» و»الجزائر» بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، نتيجة لعودة اجتياح دعوات «إيمانويل ماكرون» للخروج من هواجس الماضي، التي تتخللها في صيف عام 2022 زيارة دولة.
اليوم، تتلخص التبادلات الاقتصادية بين البلدين في شراء «الغاز» (أقل من 10٪ من العرض الفرنسي) والتجارة بين الشركات الصغيرة، كما تباطأ التعاون الأمني بشكل كبير منذ يوليوز 2024 (منذ يوليوز، تباطأ التعاون كثيرا بين البلدين» ، يؤكد أحد المصادر)، على الرغم من حدوث ما يزيد قليلا عن 1,700 عملية ترحيل قسري للمواطنين الجزائريين هذا العام – بانخفاض قدره 28٪ مقارنة بعام 2019، كما أن التعاون بين المخابرات الفرنسية والأجهزة الجزائرية – التي تراقب المساجد- سيكون أقل وطأة حتى يتغير الوضع.
في نفس السياق، يحث عدد من السياسيين الفرنسيين – أي من «غابرييل عتال» إلى اليمين الفرنسي – الحكومة بالفعل على التنديد بـ»اتفاقيات 1968» التي «تسهل حركة الجزائريين وإقامتهم وتوظيفهم في فرنسا» ووقف العمل بها (بغية الضغط على الجزائر) كما يقترحون حلولا من قبيل: «تجميد الأصول»، «سحب التأشيرات الدبلوماسية»، «فرض ضرائب على التحويلات المالية»، بغية التصدي أيضا لـ»مطاردة المعارضين» و «حملات الضغط السياسية» التي تم تنظيمها من «المسجد الكبير» في «باريس»، التي تعكس تطور هجمات ومناورات الجزائر العدوانية متعددة الأوجه المثيرة للقلق، التي تهدد السيادة الفرنسية بشكل مباشر، وينبغي على السلطات الفرنسية أن ترد عليها بحزم، ومن منطلق أن «استخدام نظام تبون للجالية الجزائرية يمثل تهديدا خطيرا لاستقرار فرنسا»، ومن المرجح أن ينهار نفوذ فرنسا بالكامل على سيادتها وسلامة أراضيها، لصالح طموحات الجزائر في الهيمنة.


الكاتب : n ترجمة وإعداد: المقدمي المهدي عن «Le Point» (ومصادر أخرى)

  

بتاريخ : 25/01/2025